عن الحمار وحزبهِ وذاكرة الحصار

حيدر قاسم الحجامي

بشرَ الشاعر العراقي احمد مطر هذا الشاعر المعروف بقصائده الساخرة و التي تعد ابرز كوميديا سوداء في تاريخ الشعر العربي المعاصر بزمن قادم سماهُ زمن الحمير..!! في واحدة من نبؤات الشعر ولعناته المتلاحقة التي أرقت ضمير شاعر وجد الزمن الرديء يخضل فكتب عن زمن يقال له زمن الحمير...!

لم تكن نبؤءة شعرية مجردة لكنها مقترنة بمعطياتها الدلالية الراسخة في العقل الاجتماعي الذي ينتج قيمه لا حسب ما يراه مناسباً لان يعيش ويحيا بل تحت ارادة السلطان والسلطة ولكنها دائماً –السلطة – تؤدلج الزمن والحياة بمعطياتها المتعددة فتضيق رؤية الأشياء عبر منظار واحد لا يتسع لأكثر من عين ولا يرى أكثر من اتجاه وبذا تقمع السلطة من كل الاتجاهات تختزل كل العيون بعينها التي تدرك مصلحتها فحسب.

في السلطات الدكتاتورية تبث أيدلوجيا تعلم إن الناس إن لا حاجة للعيون إن كانت هناك سلطة تسهر على راحتهم وتؤمن مصالحهم ولا حاجة ليتعبوا عقولنا بالتفكير مادامت هناك سلطة تفكر عنهم ومن اجلهم وبهذا نبدأ بمنح حواسنا جميعها إجازة قسرية متنازلين عن كل شيء لصالح السلطة الأبوية التي تنظر للشعب على انه قاصر لا يستطيع إن يميز مصلحته ُ او انه سيضر نفسه إن استخدم حواسه، فتبتكر السلطة حلاً للمشاغبين فتقرح قيادتها إحكاما رادعة تبدأ من حلق الشعر الى قطع اليد والإذن والرصاص المدفوع الثمن من ذوي القربي ووو... بصراحة أنها تقول لا تستخدموا حواسكم وانتهى الأمر.

زمن الحمير سيكون مختلفاً تماماً لان المشكلة فيه ستكون معقدة لان ثمة تحولات لا بد لها ان تدخل على هذا الزمن الجديد بقيمه الحمورية بامتياز...!

فكرتُ بالكتابة عن حمار زمن العولمة وما بعد الاحتلال كوني كنتُ اجهل تماماً ان الحمار لديه مناصرون كثر، فهذا الحمار كان يمضي زمنه في ظل الفقر والحصار بالعمل والكد كإحدى ابتكارات زمن الجوع ليسد رمق الأفواه ولتزدهر مهنة (العربنجية) في زمن منع العراقي من الحلم بـ (صمونة كهربائية يلتهمها صباحاً...) لكن لا السلطة لا تتوانى على ان تجعل المواطن يلتهم مئات الآلاف من الكلمات والجمل الثورية التي تلهب مشاعره بحب الوطن وتعلمه سبل الصمود بوجه الامبريالية الطامعة بخيراته الوفيرة..! وهو يتضور جوعاً.

في ظل ذلك الزمن كان على الحمار إن يكون واحداً من منجزات زمن ما بعد الحرب زمن السرد القومي المتمترس خلف شعب ممنوع من التفكير...!

ثمة منجزات ثورية تلقاها الشعب بفرح غامر ومكارم سخية جادة عليه بها أيادي القوميين العرب الذين تبرعوا بدجاجة كواحدة من منجزات الصمود والممانعة لدويلة إسرائيل اللقيطة.!

الحمار وصاحبه كانا يعملان صباحاً ومساءا في سيبل إن يجد صاحب الحمار لقمته ويؤمن للحمار بعضاً من العلف الرديء لكن الأخير رغم الحيف الكبير الذي يلحقه كان أكثر تفهماً لظروف صاحبه فيكتفي رغم شراهته بالقليل.

بعد الاحتلال الأمريكي كان الحمار ينظر بعين الريبة والشك الى الاحتلال ثمة مخطط امبريالي للنيل من قيمه وحظوته لكن الشك زال تدريجياً فمنجزات هذا الزمن أغرته لما قدم له الاحتلال من امتيازات ضخمة، فبعد سنوات من القهر والنوء بجر عربات ثقيلة تحرر واستبدلهُ أصحابه بـ (الستوتات) المستوردة وهذا ما دفع الأخير الى إن يتفرغ من العمل ليبدأ مرحلته التي كان من منجزاته إن أخذته الحماسة ليؤسس جمعيته في كردستان العراق وليدخل التاريخ هذه المرة من أبوابه الواسعة والفخمة بعد إن كان يعاني منذ زمن نوح من لعنة الجهل والعناد والغباء رغم كل ما يقدمه ُ من خدمات جليلة.

ولكن ينبغي إن اذكر إن ما يدفع البعض ثمنه ترى هناك في الجانب الأخر من يقبضون دون إن يدفعوا وكأنهم يقولون يفجر الثورة مجنون ويقودها شجاع ويستفاد منها جبان ـ نعم أنها الحقيقة يا أبو صابر، فإياك والتهور..!.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 9/آب/2010 - 28/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م