فلسفة التأخر... كيف نلحق بالركب العالمي

 

شبكة النبأ: إن من ينظر الى التأريخ الإسلامي في حلقاته المشرقة إبان قيام الدولة الإسلامية القوية في صدر الرسالة سوف يعجب أشد العجب لما آل إليه حاضر المسلمين من تفكك وفرقة وتناحر وتأخر غريب عن مواكبة العصر!

وعندما نتساءل عن الأسباب التي تقف وراء هذا التخلف، فإنها تثير الاستغراب فعلا، حيث أن عناصر الفكر التقدمي تتواجد بقوة في تعاليم الإسلام، الأمر الذي يوجب تحرر المسلمين وتقدمهم، بل كان من المفترض أن يقود المسلمون ركب الحضارة الإنسانية، لكن الذي يحدث على الأرض يجعلنا نتساءل بحسرة وألم، لماذا تعرضت الأمة الإسلامية ولا تزال لأمراض عديدة لا تزال تنخر في جسدها وتضعفها وتسهم في تخلفها وتجعلها غير قادرة على فرض حضورها المطلوب في الساحة العالمية.

إن الأسباب التي تكمن وراء تأخر المسلمين تتطلب بحثا ميدانيا وفكريا متشعبا يحتاج الى جماعات متخصصة وجهود كبيرة ومتواصلة في هذا المجال، لكننا نحاول في هذه الكلمة أن نقدم بعض الملاحظات المستقاة من أفكار بعض علماء المسلمين الذين قدموا رؤاهم وأفكارهم النافذة في هذا الصدد، حيث أشرّ بعضهم تباينا كبيرا لدى المسلمين بين القول والعمل، وأكدوا على أهمية أن يقترن الفكر بالعمل.

بمعنى ليس هناك فائدة من الفكر والتنظير ما لم يكن قابلا للتطبيق على الأرض لكي يمكننا أن نجني نتائجه مجسدة في الأفعال والحراك والأنشطة الإنسانية المتنوعة، وربما فضّل كثير من المفكرين والعلماء ساحة العمل على ساحة الفكر في حالة عدم قدرته على التفاعل الواقعي مع الحركة البشرية على الأرض.

على أننا لابد أن نعطي الأهمية الكبرى للإنتاج الفردي سواء في الجانب ألتنظيري او العملي، لأن الجهد الفردي سيقود بالنتيجة الى تعضيد الجهد الجماعي، استنادا الى تراكم الآراء والأفكار والأعمال، حيث تتجمع الجهود الفردية وتنضم الى الجهود الجماعية لتشكل قوة فاعلة في مجالي الفكر والعمل معا.

(إن بعض الأفراد، كبعض الجماعات والأمم، يفلسفون التأخر فكريا، ولا يتخذون خطوات عملية، وبذلك يتأخرون عمليا) هذه الجملة مقتبسة من كتاب (الفرد حركة وفلسفة التأخر) لمؤلفه الإمام الشيرازي الراحل (رحمه الله)، وهي تنم عن تأشير مهم في مجال اهتمام المسلمين بالتنظير من دون أن يقترن ذلك بالعمل.

فما فائدة أن تقدم للناس آلاف الأفكار من دون أن تتقدم خطوة واحدة في مضمار العمل، حيث ستبقى الأفكار في هذه الحالة حبرا على ورق لا فائدة منها ما لم يدعمها قيامها على الأرض وتجسيدها بخطوات إجرائية عملية تؤكد فائدة الأفكار وتأثيرها الفعلي على أنشطة وتوجهات الناس كافة.

لهذا السبب لن يسهم الفكر وحده في دفع عجلة التقدم ومواكبة العصر الى أمام، بمعنى أننا سنتكئ على أفكار غير قابلة للتطبيق، وهذا أحد أهم الأسباب التي تقف وراء تأخر المسلمين عن الركب العالمي، حيث يبتعد الفكر عن الواقع ويرتفع عليه بمسافات بعيدة مما يؤدي الى عدم فاعليته في الواقع وعدم تأثيره بالناس فيبقى مكدسا في متون الكتب من دون أن يبحث عنه أحد كونه لم يأخذ في الحسبان إمكانية النزول الى ساحات العمل والتحوّل من الحالة الفكرية الى العملية المجسدة والملموسة.

وثمة ظاهرة أخرى تصب في مجال التأخر وهي عدم طرح الثقة في النفس وفي الآخرين معا، حيث يكرر الفرد بأنني غير قادر على أداء هذا العمل او ذاك وهو أمر سينعكس على الجماعة من دون ريب مما يصب بالنتيجة في ترسيخ حالة التأخر واستفحالها في الأوساط الاجتماعية والعملية أيضا.

ثم هناك من يحاول بث حالة عدم قدرة الناس على القيام بهذا المنجز العملي او ذاك، وهو ما سيقود الى انتشار حالات الخمول والكسل والتراجع، وهناك جملة تتكرر كثيرا على ألسنة البعض وهي (لا قابلية للناس) ولكن ما أدراك بأن الناس غير قادرين على الإنتاج والعمل، حيث يكون مفعول مثل هذه الجمل وتكرارها ومحاولة بثها بين المجتمع مؤثرا وينمي حالة الإحباط بين الجميع.

ولابد أن نذكر هنا أهمية ابتعاد قادة المجتمع في عموم المجالات عن استخدام الحدة والعنف مع مرؤوسيهم في العمل أيا كانت طبيعته، وينطبق هذا على مجالي العمل والقول في آن واحد، بمعنى ليس صحيحا أن يكون المتصدر للمسؤولية منفعلا في قراراته وحادا في طبعه ولا يجوز أن تتواجد هذه الظاهرة سواء في القول كمفردات التوجيه وغيرها، ولا في مضمار العمل، لأن القائد أو المعلم او العالم الذي يتعامل مع الناس بهذا الأسلوب ستكون خسارته مزدوجة، أي أنه سوف يخسر الناس وينفضّون من حوله، وسوف يخسر نفسه أيضا.

ومن الأسباب التي أسهمت بقوة في تأخر المسلمين آفة البطالة التي تفشّت على نحو كبير بين جموع الناس نتيجة لغياب التخطيط الاقتصادي العلمي ولفشل الإدارات السياسية والاقتصادية ولغياب تكافؤ الفرص وحماية المواهب وغيرها من الأمور التي تساهم في دفع المجتمعات الإسلامية الى الأمام لمواكبة العصر واللحاق بالركب العالمي.

هذه بعض الملاحظات والنقاط التي أسهمت بطريقة أو أخرى بتأخر المسلمين وثمة ما يمكن أن يطرحه المعنيون في هذا الصدد، وهو أمر لابد لمن يهمهم الأمر من الخوض فيه لكي يتصدر المسلمون دورهم الحضاري كما كان دأبهم في سالف الأزمان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/آب/2010 - 27/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م