رمضان فرصة نموذجية لتغيير النفس

قبسات من أفكار المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: في عظمة الإسلام تكمن الكثير من الشواهد والفرص المتاحة للإنسان على نحو دائم كالنافذة التي لا تُغلق أبدا، فنافذة التوبة وتغيير النفس على سبيل المثال تبقى مفتوحة أمام الإنسان العاصي ولا تغلق أبدا، وتتضاعف هذه الفرصة إلى أقصى مدياتها في شهر رمضان المبارك حيث تهفو القلوب إلى الله تعالى وتحاول أن تتطهر من أدران الدنيا الكثيرة، في وقت تحاول النفس العاصية أن تثني صاحبها عن مثل هذه القرارات التي تحد من شهواتها ورغائبها.

لكن يبقى شهر رمضان المبارك نافذة الإنسان الأبدية نحو كسب الرضا الإلهي، وفي هذا المجال يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتاب (من عبق المرجعية):

(إن شهر رمضان هو شهر الله سبحانه وتعالى، اختص به دون باقي الشهور، فهو شهر لتنظيم حياة الإنسان، والتغيير نحو الأفضل، والتطهّر من كل دنس، والطاعة لله سبحانه).

إذن هي فرصة لابد أن يقتنصها الإنسان لكي يعود إلى جادة الصواب، لاسيما أن هذا الشهر الكريم هو من اختصاص الله تعالى وحده وهو الذي يثيب العابد على ما يؤديه من فريضة وأدعية وعبادات في هذا الشهر، لذلك غالبا ما يحاول الناس أن يغيروا أنفسهم ويسيطروا عليها وبدلا من أن تقودهم الى هواجسها ومتطلباتها يصبح الزمام بأيديهم فتتغير المعادلة ويصبح الإنسان قائدا لنفسه في هذا الشهر المبارك، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب نفسه:

(ان هناك فريقا من الناس لا يتورعون عن المعصية ويكفون عنها وعن المحارف فحسب، بل يتورعون عن التفكير بها ايضا، فهم يصومون عن المفطرات العامة، وتصوم جوارحهم عن ارتكاب الذنوب، كما تصوم جوارحهم عن التفكير فيها، وهذا صوم خاص الخاص، وهو أعلى مراتب الصوم وأقسامه).

ولعلنا نفهم ونقر بأن الانسان اذا ما تمكن من تحجيم رغباته من خلال السيطرة على نفسه فإنه سوف يحقق أعلى مراتب الايمان وبالتالي سيحقق أعلى مراتب الاخلاق وهو أمر لاريب يصب في الصالح الفردي والعام، ولا ينحصر ذلك في كسب مرضاة الله تعالى بل سوف يرى مثل هذا الإنسان نتائج سلوكه وأخلاقه وإيمانيه على ارض الواقع ويتحقق من ذلك بنفسه من خلال كسبه لثقة المجتمع المحيط به سواء كان في العمل او غيره.

على إننا لابد ان نفهم بأن هذا الشهر لا يخص أحدا او جماعة بعينها وهذا ما يفتح الباب أمام جميع من يهدف الى إعادة حساباته والرجوع عن أسلوب حياته الذي قد ينطوي على بعض المعاصي بسبب النزعة المادية التي تتحكم به من خلال فقدانه للسيطرة على نفسه وتوجيهها، وهذا يؤدي بدوره الى تحقيق الإيمان لأي إنسان يصمم على الإقلاع عن سلبياته وأسلوب حياته القائم على المعاصي كونه أسلوب مادي بحت متناسيا دور الروحانيات والدين وما يمكن ان يقدمه له من أفضال ومحاسن ملموسة، لهذا فباب هذا الشهر الكريم ليس مخصصا لأحد بعينه، إذ أن جميع الناس لهم الحق بالإفادة منه من خلال انتهاج التوبة النصوح، وهنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا:

(مهما كان الانسان بعيدا عن الخير والصلاح والتقوى، يمكنه أن يستفيد من اجواء شهر رمضان المبارك لتغيير نفسه، فإن الله تعالى أودع هذه القدرة في الانسان، وشهر رمضان فرصة مناسبة جدا لهذا الامر).

ولا ينبغي لأحد أن يقدم الصعوبة على غيرها في اتخاذ قرار تغيير النفس، بمعنى ثمة خطوات متتابعة وتدرج مرحلي في هذا المجال، ويمكن للانسان أن يغير نفسه خطوة خطوة، اذا يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الصدد:

(من الممكن أن يغير الانسان نفسه خطوة خطوة، وشهر رمضان مناسبة جيدة جدا للتغيير).

ولكن لماذا يعتبر شهر رمضان نافذة الانسان نحو الايمان والتغيير الأفضل، هنا يقول سماحة المرجع الشيرازي:

(شهر رمضان المبارك هو شهر بناء الذات وتغيير النفس، وهذا مطلوب من الجميع، يستوي في ذلك أهل العلم وغيرهم، ومهما يبلغ المرء درجة في هذا الطريق فثمة مجال للرقي أيضا).

إن هذا التأكيد والشمولية بأن شهر رمضان للجميع لابد أنها تقلل من حساسية بعض اللذين يوغلون في المعاصي، وهذا يعني أن الجميع مطالبون بتغيير النفس نحو الأفضل حتى من هم من اهل العلم والصلاح والتعبد، اذ على الانسان مراقبة نفسه مهما بلغ من درجة، كما يؤكد على ذلك سماحة المرجع الشيرازي.

لهذا لابد أن ينظر الانسان الى هذا الشهر على انه فرصته السانحة للسيطرة على نفسه وكبح جماحها واطفاء ذنوبها وتحييد رغباتها، وهي فرصة لكي يحقق الانسان نجاحا مهما في مسعاه الروحي والمادي في وقت واحد.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/آب/2010 - 26/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م