العين والهم الإنساني

حيدر الجراح

العين ذاكرة ثانية..لكل انسان سليم الحواس، مثلما اللمس والسمع ذاكرة ثانية للمكفوفين..

والعين ناظرة وباصرة، ومن الطبيعي ان تكون العين اداة البصر مرتبطة بمادة الابصار أي النور(اتقي فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله)...

..وهي شريرة او طيبة.. حاسدة او شاكرة..

العين مفتاح للوصل والتواصل (عين محبة).. والعين للقطع والتقاطع (عين حاقدة)...

والعين تستحي (اطعم الفم تستحي العين)..وهي نهمة لاتشبع الا من التراب بعد الموت..

والعين ساكنة دلالة الموت..(اقر الله عينك ايها الخليفة)..

وعين القلب: عمليا هي البؤرة،او المركز.. يقول النبي (ص) ان الصلاة قرة عيني...

العين الشريرة:عند بيكون اللاهوتي والفيلسوف الانكليزي، (اشعاعات العين) او (قذف العين) وهو مايسميه العرب (العين) او (العين الشريرة)..

ترمز العين الشريرة الى حسد الاخرين وحقدهم.. ويكون عاقبة ذلك الفشل، الجراح، واحيانا المرض والموت...وفي اللغة العراقية الدارجة يقال: نفس، يعنون به العين تصيب..

يحيط الغموض بالعين الشريرة لان من يمتلك هذه العين يعاني منها كما يعاني من يصاب بها...

 (ولا تمدّن عينيك الى مامتعنا به غيرك) (طه / 131) يعني يتمنى شيئا، يشتهيه..

واشتهاء ما لدى الاخر خطيئة، والخطيئة قد تكون الزنى، كما قال السيد المسيح عيسى (من نظر منكم الى امرأة ليشتهيها في قلبه فقد زنى بها)..

ويعبّر عن الخبث والكفر وجهل قضايا الدين وانكار حقيقة الله او النبوة بفكرة الحجاب الذي يلقى على العينين، أي الغشاوة (وعلى ابصارهم غشاوة) (البقرة / 7).. وضع الغشاوة على العين يعني عدم الرغبة في الفهم.. رأى مرادف فهم.. وعلى العكس من ذلك فالعمى يرمز الى الضلال..

والعمى في النص القرآني يعني ضعف الايمان وتلاشيه.. وعلى هذا المستوى فالعينان هما على توافق تام مع القلب أي الايمان..

ووجد رمز العينين صدى له في اداب المتصوفة لانه لاوجود للرؤية الا متصلة بالمشاهدة ومستندة اليها.. ويذكر المتصوفة ايضا (عين القلب) في حين ان احد اسماء الله الحسنى هو (البصير)..

والعين ترى الروح وتنفتح عليها، كما نطق نص للشاعر العراقي احمد عبد الحسين: (وقلت: فلينم من لم ير زجاج الزجاجة – اما انا فقد رأيت الروح – القنديل الذي من رآه لم ينم)..

في المجال الادبي والشعري، اكثر من اربعين وصفا ينسب الى العين، عيني الحبيب وخاصة عيني الحبيبة، من بينها: العبهرية – النرجسية – الثابتة – العليلة – التمرة – الثملة – الكأس – المخ – الفتانة...

العين في الرمزية الهندية هي العلامة المميزة للمعرفة الجسدية..

وفي الرمزية المسيحية هي احيانا رمز الاله الآب.. وسبق ان كان عند العبرانيين عين يهوه..

ومن بين العلامات الماسونية ترمز العين للشمس من جهة حيث تصور حياة ونورا وللحكمة اللوغوس من جهة اخرى واخيرا لمهندس الكون الاعظم...

ان تماثل الشمس السماوية والبصر يكشف عن مقاصد فكرية واخلاقية فالبصر يرتبط بالتبصر والبصيرة،. والشمس في كثير من الديانات القديمة هي عين الالوهة..

.ومن المسلم به في علم البصريات ان الشعاع مستقيم ومباشر بكل مالها تين الكلمتين من معنى: وضوح وعفوية واستقامة النور كالاستقامة الاخلاقية السامية، والحدس الشعري يتوصل الى هذا التماثل عندما يتوجه الى وقت الظهيرة في قصيدة لبول فاليري حيث يقول: (العدالة الرائعة للنور ذي الاسلحة التي لاترحم)..

ان الخيال ينتقل بسهولة من العين التي ترى الجرائم الى العين التي تنتقم منها.. وهي عين الله التي لاتنام..

هذا عن العين..

ماذا عن الدّين بفتح الدال وتشديدها ؟ ينصرف الوعي الحسي المادي الى عملية الإقراض التي بين شخصين، شخص دائن وشخص مدين.. ومن هذه الحروف يتشكل معنى أخلاقي وديني أوسع، وصفا لرب العالمين، سبحانه وتعالى، فهو (ديّان يوم الدين) أي يوم الحساب، حساب الأرباح والخسائر في حركة الإنسان في حياته الأولى..

الدّين (القرض) والدين (اعتقاد)، كلاهما يعبران عن حاجة، مادية او معنوية، وتنصرف أحيانا إلى ما عبر عنه المثل العراقي (كل شيء دين حتى دمعة العين) بمعنى قرض..(من سدّ دينه قرت عينه)..

العين والدّين بينهما الهم والوجع في مأثور حكمي للامام علي بن ابي طالب (لاهمّ الا همّ الدين ولا وجع الا وجع العين).. ينصرف الذهن بداهة الى المعنى المادي لهمّ الدين ولوجع العين، لكن هذا الانصراف وبحكم هذه البداهة يبتعد عن طبيعة هذه الشخصية التي صدر عنها هذا المأثور، وهي شخصية اعتبرت المثال الإنساني الكامل الذي تجسد في إهاب هذه الشخصية، واصبحت قطب الرحى لدى المذاهب والفرق والحركات والتيارات الاسلامية (قربا او بعدا – منه وعنه)...

معنى هذا المأثور، وبسبب طبيعة الشخصية التي اطلقته، ان العين التي تنظر الى جميع مآسي الانسان وعذاباته والامه ومكابداته، يتولد لديها هذا الهمّ – همّ النظر وهمّ العجز – وهو تراكم للهموم يصيب تلك العين الناظرة بالوجع (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان...).. هذا الهم والوجع المترتب عليه يمكن ان ينقل الخيال بسهولة من العين التي ترى الجرائم الى العين التي تنتقم منها.. وهي عين الله التي لاتنام..والتي اشرنا اليها سابقا بتعبير (ديّان يوم الدين)..ومابين الرؤية والانتقام تتحدد مسيرة الانسان في هذه الحياة، فهي عبارة عن ديون متراكمة، مطالب الانسان بتسديدها للاخرين.. (ان السمع والبصر والفؤاد كل ذلك كان مسؤولا كان مسؤولا)..ولاحظ تراتبية البصر في الموقع بين السمع والفؤاد...

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/آب/2010 - 26/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م