المطبخ الإسرائيلي حافل بالدسائس والمؤامرات.. من جرائم داخل الحدود
الفلسطينية، إلى تلك التي نفذتها وتنفذها عبر الحدود، وأما ما أقدمت
عليه في السرّ والعلن خارج حدودها المغتصبة فهي أدهى وأمرّ.
حصر الجرائم البشعة لهذه الجُرثومة السرطانية التي زرعتها الدول
الغربية في قلب العالم الإسلامي لا يبدو أمراً سهلاً؛ خاصة في ظل
التكتم الإعلامي، والسرية التامة لشبكات التجسس الصهيونية في العالم.
النفاق الدولي والاستكبار العالمي يضعان تلك الجرائم في خانة الدفاع عن
النفس!! فقصف لبنان واجتياح بلداته وقراه الجنوبية عام 2006، وشن حرب
على قطاع غزة عام 2008، وقصفه بالقنابل الفسفورية، وتجويع مليون ونصف
إنسان فلسطيني بسبب الحصار، وتنفيذ سلسلة اغتيالات لقيادات المقاومة،
وقصف المفاعل النووي العراقي عام 1981، وتدمير المنشأة النووية السورية
عام 2007، وقضم أراضي السلطة الفلسطينية، وبناء الجدار العنصري عام
2004، واغتيال المناضل الفلسطيني محمود المبحوح في دبي بتاريخ 19 يناير
من العام الجاري، وفي 31 مايو تم اقتحام أسطول الحرية في المياه
الدولية بتاريخ 31 مايو 2010.. كل تلك الجرائم حسب منطقها ومنطق
المدافعين عنها تعتبر دفاعاً عن النفس!!
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وصف في خطابه الأخير
المحكمة التابعة للأمم المتحدة لمحاكمة المشتبه بهم في تورطهم في
اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري العام 2005 بأنها “مشروع
إسرائيلي”، وربط كلامه بشبكة التجسس الإسرائيلية التي تم الكشف عنها
مؤخراً في لبنان، والتي تبين منها أن أجهزة المخابرات الصهيونية
استطاعت اختراق شبكة الاتصالات اللبنانية من خلال زرع عناصر مهمة في
أقسام حساسة للشبكة. شخصية في مستوى حسن نصر الله حينما يقول إنه “ليس
هناك شك في أن إسرائيل تسيطر بشكل كامل على الاتصالات في لبنان، بما في
ذلك شبكات الاتصالات اللاسلكية والإنترنت”؛ فهذا يعني أن هناك خيطًا
محكمًا يربط بين اغتيال الحريري وشبكات التجسس الإسرائيلية.
وحينما نرجع إلى العنوان الأبرز الذي ظهر مباشرة بعد اغتيال الحريري
وهو “مشروع فتنة”، ووُجِّهت أصابع الاتهام إلى إسرائيل، التي أرادت خلق
فتنة بين الطوائف والمذاهب في لبنان، وتشديد الخناق على حزب الله. وبعد
أن فشلت في تحقيق أهدافها تحركت على ملف المحكمة الدولية بقصد توجيه
أصابع الاتهام لعناصر في حزب الله. ومن هذا المنطلق اعتبر السيد نصر
الله مشروع المحكمة الدولية مشروعًا إسرائيليًا، فإذا كانت لجنة
التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الحريري قد اعتمدت على الاتصالات
الهاتفية قبل وبعد تنفيذ الجريمة، فهنا يكمن السؤال المهم: من هي الجهة
التي كانت وما زالت تسيطر على شبكة الاتصالات في لبنان؟ والجواب بالطبع
نجده في قلب إسرائيل وشبكاتها التجسسية التي تعمل خارج الحدود، والتي –
ربما - استطاعت أن تخترق الكثير من المؤسسات في الدول العربية.
قرار المحكمة الدولية قد يصدر قريباً، ومن المحتمل وحسبما كشف عنه
ميشال عون أن يكون ظنيًا، فيوجه الاتهام لعناصر غير منضبطة في حزب الله
حسب زعم معدّي القرار. الجنرال عون أبدى تخوفاً من سيناريو دراماتيكي
قد تشهده لبنان، تتداخل في خيوطه المحكمة الدولية وإسرائيل وبعض
الجماعات اللبنانية. ويعتقد عون أنه عند صدور القرار الظني، فإن البيئة
السياسية ستتهيّأ لعمل عسكري إسرائيلي ضد حزب الله وبروز توترات
داخلية.. بمعنى آخر حدوث عدوان عسكري، وبموازاته اندلاع مشروع فتنة في
الداخل.
بتقديري، إن استشراف عون للمستقبل القاتم قد لا يختلف مع رؤية نصر
الله حول الوضع الداخلي والصراع مع العدو، خاصة وأن الرجلين قد دخلا في
تحالف سياسي ضد قوى 14 آذار المدعومة من قبل الغرب وبعض الأنظمة
العربية.
السيد نصر الله وميشال عون تطرقا في السابق للكثير من خيوط اللعبة
السياسية، وللمؤامرات التي حيكت في لبنان والمنطقة بالتحليل والتفصيل،
وكثير من تنبؤاتهما وتحليلاتهما خرجت صائبة. العدو الصهيوني - من دون
شك - يتابع عن كثب آراء وتحليلات هاتين الشخصيتين القياديتين
اللبنانيتين أكثر من غيرهما، وتحسب لهما ألف حساب. فكم من رؤى تحليلية
ومواقف جريئة وجهوزية أمنية وقتالية للمقاومة أفشلت المخططات السرية
للعدو. |