التنوع الثقافي في المجتمع

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يصف المعنيون المجتمعات الحية بأنها قابلة للتجدد الدائم، حيث يتشكل نسيجها الاجتماعي من مجاميع عرقية ودينية متعددة لها ثقافاتها التي لا تشبه غيرها ما يؤدي الى تلاقح ثقافي مذهل تنتج عنه منظومة ثقافات متعددة تسند بعضها الآخر مثلما تكمل بعضها الآخر تماما.

لكن الامر يرتبط بطبيعة النظام السياسي الذي يصنع القرار في تلك المجتمعات، فالتنوع الثقافي يحتاج الى بيئة متحررة تكفل حرية الرأي والاختلاف والتعبير في ظل أنظمة ديمقراطية تحقق للجميع فرصا متساوية في المجالات كافة، وكلما كان التنوع الثقافي متاحا ومحميا من لدن السياسيين على وجه الخصوص كلما كان أكثر ثراءً وتأثيرا في تجديد أنشطة المجتمع وأفكاره وتوجهاته.

إذن فالميزة الاولى للتنوع الثقافي أننا سنصل الى حياكة نسيج إجتماعي متجانس وإن كان ذا ثقافات متعددة، وهنا سيكون التنوع السكاني العرقي وغيره داعما للتنوع الثقافي وبالعكس، بدلا من أن يكون التنوعان في حالة صراع تقود المجتمع الى حالة من النكوص والتردي لا يمكن التكهن بعواقبها.

فمن الممكن أن يكون التنوع العرقي عاملا للصراع والتناحر بين النسيج المجتمعي فيما لو كان ينبذ التنوع الثقافي ولا يقره وكذا الحال بالنسبة للتنوعات الأخرى، أما في حالة الإقرار بصحة التنوع الثقافي والقبول به وحمايته وتنميته بين أقليات وأثنيات المجتمع كافة، فإن ذلك سينتهي الى بناء مجتمع متحرر يتحلى بمزايا عصرية تيسر له اللحاق بالركب المتقدم للمجتمعات الحرة المعاصرة.

كما أننا لا يمكن أن نغفل ميزة مهمة يتمخض عنها التنوع الثقافي في المجتمع، إذ يشكل عاملا هاما ومساعدا على التنمية بأشكالها وأنواعها كافة، ولا ينحصر ذلك في تنمية الثقافة وحدها طالما أن هذا التنوع يساعد على تنمية المواهب والابداع الانساني في المجالات كافة، وقد ورد في الفقرة الثالثة من إعلان اليونسكو العالمي بشان التنوع الثقافي:

(إن التنوع الثقافي يوسع نطاق الخيارات المتاحة لكل فرد، فهو أحد مصادر التنمية، لا بمعنى النمو الاقتصادي فحسب، وإنما من حيث هي أيضا وسيلة لبلوغ حياة فكرية وعاطفية وأخلاقية وروحية مرضية).

بهذا المنظور يمكن أن يؤدي التنوع الثقافي الى خلق منظومة حياتية متكاملة ومتطورة في آن، وهذه إحدى أهم مزايا التنوع الثقافي، حيث يتاح للفرد أن يعبر عن آرائه سواء عبر الفن او الثقافة او السياسة او الوسائل الاخرى التي يكفلها له النظام الديمقراطي ويحميها بل يطورها وينشرها ويجعلها متاحة للجميع من دون استثناء فتشكل عامل قوة متبادلة بين السياسي وسلطته وبين التنوع المجتمعي من خلال تنوع ثقافاته وحمايتها في آن.

من هنا كان التركيز وما زال قائما على أهمية تعاون القادة السياسين وأصحاب القرارات المختلفة مع الجهات المعنية كمنظمات المجتمع المدني وغيرها من المعنيين لحماية التنوع الثقافي في المجتمع الواحد أولا ثم كفالتها وحمايتها وتطويرها بين المجتمعات الاخرى، فالمزايا التي تنطوي عليها كفيلة بخلق حالة من التطور المضطرد في عموم الميادين لنصل الى بناء مجتمع يقبل الجميع ويحتضن الجميع ويساعدهم على الابداع والتطور المتواصل.

هنا لابد أن نشير الى الواجب الأخلاقي الذي يحتم على ذوي العلاقة حماية التنوع الثقافي وعدم السماح للمساس بمن يهدف الى تطويره وجعله سمة من سمات المجتمع، حيث يتطلب الامر تعاونا جادا مع المعنيين عبر آليات عملية مخطط لها لكي تصبح نهجا يقتفي أثره الناس بمختلف مشاربهم، بكلمة أوضح، لابد للنظام السياسي أن يسهم في تشجيع التنوع وحمايته كونه حقا من الحقوق الأساسية للمجتمع ومكوناته المختلفة، وقد جاء في المادة الرابعة من الاعلان المذكور آنفا:

(إن الدفاع عن التنوع الثقافي واجب أخلاقي لا ينفصل عن احترام كرامة الإنسان. فهو يفترض الالتزام باحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية).

ويحث الاعلان المذكور جميع المعنيين سواء كانوا قادة سياسيين او مثقفين او غيرهم على أهمية المساعدة في ترسيخ هذا الهدف المجتمعي الانساني، نظرا للمزايا الهامة والكثيرة التي تتمخض عن الالتزام به من لدن المجتمعات لاسيما تلك التي لا تزال تحبو في الطريق الى التطور والارتقاء، فقد ورد في احدى فقرات الاعلان بهذا الصدد:

(إلى جانب كفالة التداول الحر للأفكار عن طريق الكلمة والصورة، ينبغي الحرص على تمكين كل الثقافات من التعبير عن نفسها والتعريف بنفسها. ذلك ان حرية التعبير، وتعددية وسائل الإعلام، والتعددية اللغوية، والمساواة في فرص الوصول إلى أشكال التعبير الفني والمعارف العلمية والتكنولوجية، بما في ذلك المعارف في صورتها الرقمية، وإتاحة الفرصة لجميع الثقافات في ان تكون حاضرة في وسائل التعبير والنشر، هي كلها ضمانات للتنوع الثقافي).

وهكذا نكون قد حققنا من خلال التنوع الثقافي ومزاياه مجتمعا عصريا يحتضن الثقافات كلها ويطورها ويساعد على الانسجام بين تشكلاتها المختلفة بما يضمن تطورها وحمايتها لتصبح عامل قوة لا عامل تفريق للمجتمع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 1/آب/2010 - 20/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م