مصر... فساد السياسة يقوض التنمية

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تواجهه مصر تحديات أكثر من صعبة على مختلف الأصعدة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، مما يعكس عمق الأزمة التي تمر بها تلك الدولة، بالإضافة الى عقم السياسات التي يتبعها النظام الحاكم هناك.

وتشير معظم التقارير والدراسات التي أجريت مؤخرا حول الأوضاع في مصر الى تدهور ابرز المرافق الحيوية وارتفاع خطير في معدلات الفقر بالإضافة الى انتشار ثقافات اجتماعية سلبية تفاقم مما هو موجود، فيما تنعدم في الأفق رؤية جدية للإصلاح مع تزمت السلطة وحالة الفساد الذي يعشش في أركانها، مما يحبط أي أمل في إعادة التنمية في مثل هذه الظروف.

عوائق حكومية

فقد انتقد تقرير صدر مؤخرا عن الأمم المتحدة العوائق الحكومية التي تمنع الشباب في مصر من المشاركة في الحياة السياسية وفي المجتمع المدني.

وقال تقرير التنمية البشرية في مصر للعام 2010 الذي اطلقه البرنامج الانمائي للامم المتحدة ان الشباب في مصر وهم الفئة "التي تراوح اعمارها بين 18 و29 عاما بلغ عددهم 16,5 مليون نسمة في العام 2009 وهو ما يمثل 22% من عدد السكان".

واكد التقرير انه "ينبغي ان تكون هناك مساحة من الحرية مع تقليل الرقابة وينبغي التوقف عن القاء القبض على المدونين حتى يتمكن الشباب من المشاركة والانخراط في الحياة العامة".

واضاف تقرير الامم المتحدة ان "الاطار الثقافي والمؤسسي لا يعطي الشباب البالغين الحق في الحصول على مساحة مناسبة للتعلم والمشاركة" منتقدا "غياب القنوات التي يمكن التعبير من خلالها عن الاراء المعارضة او الحلول للمشاكل الاجتماعية".

واعتبر التقرير ان هناك عقبات رئيسية تقف في وجه تطبيق القانون بشكل فعال في مصر وهي "الفساد والمحسوبية والحكم الاستبدادي". بحسب فرانس برس.

ورصد التقرير المصاعب التى يواجهها الشباب في مصر مشيرا خصوصا الى "تردى حالة التعليم اذ ان 27% من الشباب لم يستكملوا التعليم الأساسي (17% تسربوا من المدارس و10% لم يلتحقوا اصلا بالتعليم)، فضلا عن تدنى المستوى التعليمي".

واوضح التقرير انه يضاف الى ذلك "الوضع الاقتصادي والاجتماعي اذ يصنف حوالي 20% من السكان ضمن الفئات الفقيرة التى تعاني من صعوبة فى الالتحاق بالمدارس، لاسيما الإناث فى الأسر الفقيرة اللاتي ترتفع نسبة عدم التحاقهن بالتعليم على نحو كبير وبخاصة فى المناطق الريفية (80%) حيث تشكل الإناث 82% ممن لم يلتحقوا بالتعليم".

يذكر ان هذا هو التقرير السنوي الحادي عشر عن مصر الذي يصدر عن البرنامج الانمائي للامم المتحدة.

واعترف رئيس الوزراء المصري احمد نظيف في كلمة القاها خلال احتفال نظم بمناسبة اطلاق التقرير ب"التحديات وحجم الصعوبات التى يواجهها الشباب والتى رصدها التقرير الحالى للتنمية البشرية"، مؤكدا أن "الحكومة تسعى بكل جدية لتخفيف هذه الصعوبات وتوفير فرص العمل اللائق والتى تتفق مع احتياجات سوق العمل والمساهمة فى تطوير رأس المال البشري".

دخل الفرد

من جهته كشف الدكتور سمير رضوان، مستشار هيئة الاستثمار في مصر، عن دراسة أعدها مجلس أمناء هيئة الاستثمار، استند إليها الحزب الوطنى فى مطالبه بضرورة رفع الحد الأدنى لأجور العمال.

ونقلت جريدة«المصرى اليوم» عن رضوان قوله ، إن الدراسة أوصت بأن يكون الحد الأدنى للأجور موازيا لخط الفقر فى مصر، بمعنى ألا يقل الحد الأدنى للأجور عن معدل خط الفقر الذى تحدده المعايير الدولية.

ولفت إلى أن خط الفقر فى مصر يصل إلى 1968 جنيها سنويا للفرد، أى بقيمة أجر 164 جنيها للفرد و656 جنيها كدخل للأسرة شهريا، باعتبار أن متوسط حجم الأسرة 4 أفراد (الدولار يساوي 5.5 جنيها مصرياً).

وأضاف أنه لا يمكن انخفاض الحد الأدنى للأجر عن مستوى خط الفقر، موضحا أن الدرجة السادسة، وفقا للإحصاءات الرسمية، وهى أدنى الدرجات الوظيفية، لا تتعدى قيمة الأجر فيها من الدخل الأساسى ٣٩٤ جنيها فى الشهر، وهو المبلغ الذى إذا تمت قسمته على 4 أفراد – متوسط عدد الأسرة – سيصبح نصيب الفرد 98 جنيها، أقل من خط الفقر.

من ناحية أخرى، أكد مسؤول الأنشطة العمالية بالشرق الأوسط بمنظمة العمل الدولية، محمد الطرابلسى، أن مصر تخالف 7 اتفاقيات دولية وقعت عليها فى منظمة العمل، مرجعا أزمة الأجور فى مصر إلى «غياب العدالة فى توزيع الثروات».

وأضاف ،أن منظمة العمل طالبت مصر بتصويب ملاحظاتها بشأن المخالفات الموجودة لهذه الاتفاقيات، مؤكدا استعداد المنظمة لتقديم جميع أشكال الدعم لمصر سواء كان فنيا أو ماديا، لتلافى الملاحظات والمخالفات.

الأحياء الفقيرة

من جانب آخر يتناول الأطفال في الأحياء العشوائية الفقيرة بالقاهرة النشويات والوجبات العالية السعرات ولكن غذاءهم يفتقر إلى البروتين.

فقد اعتاد أحمد البالغ من العمر سبع سنوات ألا يتناول أكثر من كسرة خبز طيلة فترة ما بعد الظهر التي يقضيها في اللعب مع أطفال آخرين في زقاق ضيق في حي عرب المعصرة الفقير المترامي الأطراف الواقع على بعد 20 كيلومتراً جنوب القاهرة.

ويعلق ياسر علي، والد أحمد، على ذلك متسائلاً: "ماذا يمكن للأطفال أن يأكلوا؟ آخر مرة تناولنا فيها طعاماً بروتينياً كانت قبل شهر عندما أرسلت لنا جمعية خيرية كيلو من لحم البقر".

ويشكل الخبز وغيره من النشويات والوجبات عالية السعرات الحرارية الطعام الأساسي في الأحياء العشوائية الفقيرة بالقاهرة.

أما الفواكه والخضراوات والأطعمة الغنية بالبروتين فيصعب على سكان هذه الأحياء الحصول عليها بسبب ارتفاع معدلات البطالة وارتفاع أسعار المواد الغذائية.

ويفشل معظم سكان الأحياء الفقيرة في تقديم نظام غذائي متوازن لأطفالهم مما يؤثر سلباً على نموهم وتقدمهم التعليمي، حسب منى صادق، الباحثة في المركز القومي للبحوث التربوية والتنمية التابع للحكومة. 

وأشارت صادق إلى أن "معظم الأطفال في هذه الأحياء الفقيرة يعانون من فقر الدم. إذ أنهم يعتمدون على الغذاء الرخيص الذي يكاد يفتقر لأية قيمة مغذية".

وكان أحمد واثنان من أشقائه قد توقفوا عن الذهاب إلى المدرسة لأن والدهما، وهو عامل بناء، فقد وظيفته ولم يعد قادراً على إعالتهم. ويعاني حوالي 9 بالمائة من مجموع القوى العاملة في مصر، البالغة عددها 26.2 مليون نسمة، من البطالة، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو هيئة بحثية حكومية.

وترى سارة صبري، من كلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن، في موجز تم نشره في مايو، أن تقديرات الحكومة والبنك الدولي لمستويات الفقر بين سكان الحواضر في مصر مضللة "وأقل من الواقع بشكل كبير للغاية".

وأضافت، استناداً إلى الأبحاث التي أجرتها من أجل دراستها الصادرة في مايو 2009، أن "فقراء المدن أكثر انتشاراً مما هو معتقد بشكل عام. فسكان المناطق العشوائية في تزايد سواء من حيث الأرقام المطلقة أو من حيث النسبة مقارنة ببقية سكان مدينة القاهرة".

ووفقاً لتقديرات برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل)، شكل سكان الحواضر في مصر خلال عام 2010 حوالي 40 مليون نسمة، أي نصف مجموع سكان البلاد البالغ عددهم 80 مليون نسمة. ويتوقع البرنامج أن يرتفع معدل التمدين بحلول عام 2025 إلى 59 بالمائة (أي 57 مليون نسمة من أصل مجموع السكان المتوقع أن يبلغ 96 مليون نسمة).

أوضحت صبري أن هناك الكثير من الجدل حول أساليب قياس الفقر على الصعيد العالمي بشكل عام وعلى صعيد مصر بشكل خاص لأن هذه المقاييس دائمة التغير وكثيراً ما تكون غير موضوعية وتميل لتطبيق معيار واحد يصلح للجميع، مثل العيش على أقل من دولار واحد في اليوم. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".

وأشارت إلى أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية أدت إلى النظرة المقللة من الفقر في المناطق الحضرية في مصر المتركز بشكل كبير في العاصمة، وهي :"محدودية التعريف الحكومي للمناطق الحضرية" داخل الحدود المستمرة في التوسع لمحافظات القاهرة الخمس؛ استمرار الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في تقليل عد سكان الأحياء العشوائية الفقيرة بالقاهرة الكبرى نظراً للصعوبات اللوجستية والأمنية المرتبطة بمسح الأحياء الفقيرة الكبيرة؛ ولأن التكلفة الحقيقية للمواد الغذائية الأساسية والمواد غير الغذائية والخدمات العامة لسكان الأحياء الفقيرة أعلى بكثير من المعترف به عموماً "وبالتأكيد أعلى بكثير من التكاليف المفترضة لخطوط الفقر".

ووجدت الدراسة أنه بالنسبة للكثير من سكان الأحياء العشوائية الكبرى الثمانية الموجودة في القاهرة، لا يزال التعليم ضعيفاً ومعدلات سوء التغذية مرتفعة والظروف الصحية "تبعث على الأسى في كثير من الأحيان بسبب نقص فرص الحصول على الخدمات الأساسية".

وأشارت إلى أن أساليب قياس الفقر الحالية تقيس تكلفة الاستهلاك اليومي الأدنى للسعرات الحرارية فقط ولا تهتم بما إذا كان الطعام مغذياً أم لا.

وجاء في الدراسة أن "مدى أنتشار سوء التغذية في المناطق الحضرية في مصر مؤكد من خلال تقديرات مسح 2005 الذي أفاد بأن حوالي 16 بالمائة من الأطفال يعانون من نقص الوزن.

وهذا يوضح أن نسبة سوء التغذية بين الأطفال (16 بالمائة) أعلى بكثير من معدل فقر الدخل المسجل في المناطق الحضرية (5 بالمائة)".

من جهته، أشار محمد الأصمعي، وهو ناشط اجتماعي، إلى أن "وجبة الإفطار غير موجودة تقريباً في حياة معظم أطفال الأحياء العشوائية الفقيرة. وحتى عندما يتناولون الإفطار، لا يكون له علاقة عادة بما يجب أن يأكلوا".

واقترحت صبري استخدام قياس للفقر يذهب إلى أبعد من الدخل وحده ليشمل الأبعاد العديدة للرفاه، مثل جودة السكن وإمكانية الوصول إلى البنية التحتية والخدمات الأساسية ونوعية عمل السكان.

كما طالبت أيضاً بإجراء مسوحات أكثر شمولية لأحياء القاهرة العشوائية من أجل التأكد من حقيقة مستوى الفقر داخلها. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".

وأشارت الدراسة التي أعدتها صبري إلى أن خطر التقليل من الفقر الحضري يتمثل في عدم تمكين صناع القرار من معالجة القضايا التي تواجه هذا النمو السريع للسكان وتوفير التمويل اللازم.

ويقدم أمين حنفي، وهو تاجر خردة معدنية في الخمسين من عمره يسكن بحي عرب المعصرة ويجني حوالي 200 جنيه (36 دولاراً) في الشهر، لأطفاله الثلاثة الغذاء الذي يفي باحتياجاتهم من السعرات الحرارية ولكنه لا يعتبر مغذياً.

وعلق على ذلك بقوله: "نحن لسنا أغنياء بما فيه الكفاية لإعطاء الأطفال طعاماً خاصاً. إنهم يأكلون ما يأكله الآخرون".

خبز مدعم

كما كشف مصدر مسئول بوزارة التضامن الاجتماعى، أن الكميات المستخدمة من الأقماح لإنتاج الخبز المدعم، شهدت ارتفاعا ملحوظا عام 2009 مقارنة بعامى 2008 و2007 بنسبة تصل إلى 18%، نظرا لزيادة الاستهلاك، حيث بلغت كمية الخبز المنتجة العام الماضى 82.2 مليار رغيف خبز مدعم ، بحسب ما نشرت جريدة "الشروق "المصرية.

وأضاف المصدر للجريدة أن كمية الأقماح المستخدمة لإنتاج الخبز المدعم، بلغت العام الماضى 9.5 مليون طن، منها 3.2 مليون طن تم توفيرها عن طريق الأقماح المحلية، و6.3 مليون طن الباقية من الأقماح المستوردة.

وقال المصدر: «إن دعم رغيف الخبز ارتفع من 9 مليارات جنيه مطلع 2007 إلى 13.5 مليار جنيه عام 2009 حفاظا على بيع الرغيف المدعم بـ5 قروش»، مؤكدا أن سعر الـ5 قروش لا يتعدى 20% من تكلفة إنتاج الخبز الفعلية.

وأوضح أن وزارة التضامن الاجتماعى تقوم بالتعاون مع الهيئة العامة للسلع التموينية وهيئة التوحيد القياسى لتعديل مواصفات القمح المستورد، بحيث تحتوى الكميات المستوردة على نسبة جلوتين وبروتين عالية.

وفى سياق متصل، لفت المصدر النظر إلى الجهود الرقابية التى تقوم بها الوزارة فى مجال المخابز والمطاحن مشيرا إلى تحرير نحو 165 ألف مخالفة على المخابز البلدية والطباقى بسبب مخالفات نقص وزن الرغيف وتهريب الدقيق واختلاف المواصفات، فضلا عن تحرير 4810 مخالفة تموينية خلال العام الماضى ضد المطاحن التى أنتجت دقيقا مخالفا للمواصفات التى وضعتها الوزارة.

إهدار المال العام

شارك ثلاثة من نواب مجلس الشعب الدكتور محمد فريد اسماعيل والدكتور زهران ومحسن راضي في المطالبة باجراء محاكمة برلمانية عاجلة لحكومة الدكتور نظيف وسط تأكيدات بتقديم طلب مستوف الشروط الدستورية واللائحية بطرح الثقة بالحكومة بتهمة اهدار أكثر من 800 مليار جنيه نتيجة الاستيلاء على أراضي الدولة و1.2 مليار جنيه من المال العام من خلال ثلاثة استجوابات قدمها النواب الى د.نظيف .

استند النواب في بيانات استجواباتهم من تقرير جديد صدر بعنوان «تحت المجهر» التي رصد وقع اهدار المال العام خلال الفترة الزمنية من نوفمبر 2008 الى نهاية نوفمبر الماضي 2009.

وأشار التقرير الى اهدار 1.2 مليار جنيه في المال العام في 13 محافظة اضافة الى اهدار أكثر من 800 مليار جنيه نتيجة استيلاء مافيا الأراضي على نحو 16 مليون فدان من أراضي الدولة ومنهم من هم من كبار القوم. 

وأشار الى ان حجم الأموال المتهربة تزيد بنحو 204 مليارات جنيه على قيمة الدين العام الحكومي البالغ 624 مليار جنيه كما انه يمثل ضعف الدين المحلي الداخلي البالغ قدره 478 مليار جنيه.

ووزع التقرير الأموال المهربة على قطاعات الصحة والنقل والمواصلات والكهرباء والطاقة والزراعة والري والثروة السمكية وقطاعات الصادرات المحلية والاسكان وهيئة المجتمعات العمرانية والمحليات التعاونية والاتصالات والبريد وقطاع التعليم والاوقاف والثقافة. وتضمنت أيضاً قطاعات مصالح الجمارك وقطاع النقل البحري والموانىء.

وأشار التقرير الى ان اهدار المال العام لم يعد حالة فردية أو متعلقة بهيئة أو قطاع بعينه وانما أصبح ظاهرة عامة سببها ضعف الرقابة وسوء التخطيط وغياب الديموقراطية.

واشتمل التقرير على صور من اهدار المال العام منها البدء في مشروعات كبرى دون دراسات جدوى حقيقية واستنزاف الموارد المالية المخصصة لها ثم التوقف فجأة عن استكمال هذه المشروعات وأيضاً التصرف في أصول الدولة وبيعها بأسعار متدنية وهو ما يمثل تفريطاً في الثروة الوطنية.

وأكد النواب ان بيع شركات القطاع العام بأسعار متدنية وأقل من الأسعار العالمية والتفريط في أراضي الدولة وبيعها برخص التراب لأشخاص بارزين في الدولة هو إهدار للمال العام.

وأشار النواب الى تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات التي تكشف العديد من صور اهدار المال العام الا ان التقارير لا تكون محل دراسات كافية حيث تتعامل الحكومة مع الجهاز بخفة وقلة اكتراث والتقليل من شأنه وهو ما يؤكد ان سيطرة الحزب الوطني على البرلمان يحد من قدرته على التصدي للفاسدين وحماية المال العام ومنع اهداره .

وأكد نواب البرلمان ان غياب الشفافية في طرح المشروعات العامة والمركزية الشديدة أدت الى تباعد بين مواقع متخذي القرار ومواقع التنفيذ.

مقاطعة اللحوم

وكان قد بدأ المصريون حملة منظمة لمقاطعة استهلاك اللحوم تلبية لدعوة أطلقتها منظمات حماية المستهلك في كافة المحافظات المصرية وعلى مدى 15 يوما بهدف التوصل الى خفض اسعار اللحوم التى شهدت ارتفاعات غير مسبوقة.

وقالت نائب رئيس الاتحاد النوعي لجمعيات حماية المستهلك سعاد الديب في تصريح ان أسعار اللحوم البلدية والمستوردة شهدت ومصنعاتها ارتفاعات كبيرة في أسعارها وبنسب تتراوح بين 20 و80 في المئة خلال الأسابيع الماضية.

واكدت الديب الاتفاق مع كافة جمعيات حماية المستهلك الأعضاء في الاتحاد على بدء الحملة والتي تتضمن أنشطة اعلامية مكثفة لحث المستهلكين على مقاطعة اللحوم.

وانعكس ارتفاع اسعار اللحوم في مصر بشكل مباشر على اسعار اللحوم المستوردة والمصنعة ما أدى الى زيادات كبيرة في اسعار الدواجن والاسماك على الرغم مما تبذله الحكومة المصرية من جهود لكبح جماح الأسعار باللجوء الى الاستيراد. بحسب وكالة الانباء الكويتية.

وفي الوقت الذي يتبادل المربون والمستوردون والجزارون الاتهامات حول أسباب ارتفاع الأسعار اشتعلت الحرب بين مستوردي اللحوم من الأرجنتين والبرازيل والمستوردة من اثيوبيا والسودان للحفاظ على مكاسبهم.

من جهته وصف المتحدث باسم حركة (مواطنون ضد الغلاء) محمود العسقلاني في تصريح مماثل الحملة بأنها وسيلة ضغط على الجزارين وتجار اللحوم الذين يرفعون اسعار اللحوم دون مبرر.

ودعا وسائل الاعلام الى الترويج للحملة حتى تحقق هدفها باجبار بائعي اللحوم على تخفيض الأسعار معربا عن أمله في "استجابة المواطنين لدعوة المقاطعة حتى يواجه سلاح المقاطعة الغلاء والجشع".

ورأى العسقلاني أن أزمة اللحوم وارتفاع أسعارها بهذا الشكل غير المبرر جاء نتاج ممارسات احتكارية في استيراد اللحوم مطالبا بالتوجه نحو السودان وأثيوبيا لاستيراد اللحوم الحية بسبب قرب المسافة الفاصلة بينها وبين مصر وبسبب انخفاض تكلفتها وجودتها.

وأكد محمد الليوي وهو احد مستوردي اللحوم في تصريح أن ارتفاع أسعار اللحوم بسبب ارتفاع الأسعار العالمية لها وكذلك ارتفاع اسعار العلف وتراجع العرض مع الاقبال الكبير على الشراء من المستهلكين.

واتهم الليوي في الوقت نفسه اصحاب محال بيع اللحوم بالجشع والسعي الى الحصول على ارباح مبالغ فيها أمام ارتفاع الاسعار العالمية "بشكل جنوني" خلال أبريل الماضي نتيجة اقبال دول الاتحاد السوفيتي السابق وأمريكا الشمالية على الشراء من الأسواق البرازيلية والهندية. ورأى أن ارتفاع أسعار اللحوم يعد متوقعا نتيجة الطلب المستمر عليها وانخفاض حجم الانتاج المحلي من اللحوم اثر ضعف العائد منها واتجاه معظم المنتجين الى الاستيراد من الخارج لتحقيق أرباح مرتفعة بمجهود أقل.

واتهم حمادة المصري وهو صاحب سلسلة محلات لبيع اللحوم مربي الماشية بذبح الاناث والمواشي الصغيرة ما أدى الى نقص الانتاج وبالتالي نقص المعروض ومن ثم زيادة الاسعار ما عرضهم لخسائر كبيرة.

واعتبر ان الجزارين معذورون في رفع الأسعار بسبب ارتفاع تكلفة النقل والعمالة ونقص المعروض وغيرها من التكاليف التى لابد من تحميلها على المستهلك مشيرا الى ان الفرق بين السعر الذي يشتري به الجزار وسعر البيع للمستهلك لايزيد على 15 %.

وأكد أن سوق اللحوم في حال ركود شديد ولا يوجد اقبال من المستهلكين على الشراء موضحا ان ارتفاع الاسعار يرجع الى قلة المعروض نتيجة انخفاض الاستهلاك.

ورأى المصري ان حملة المقاطعة لن تؤثر في خفض الاسعار لأن هذا الارتفاع له اسباب اخرى يتعين العمل على تسويتها اولا ومن اهمها مساعدة الحكومة المربين بهدف الاقبال على العودة لتربية الماشية وتخفيض اسعار الاغذية الحيوانية والعلف وتقديم القروض الميسرة حتى تعود السوق الى الاستقرار.

أعراس بلا عرسان

في ساحة صغيرة أمام أحد المنازل الريفية المتواضعة بقرية تابعة لمحافظة السادس من اكتوبر غربي القاهرة انشغل شاب منذ الظهيرة في تعليق لمبات بألوان زاهية وتثبيت عدد من مكبرات الصوت فوق بعضها البعض.

ثم أدار جهاز دي.جي فارتجت بيوت القرية على أنغام أغان ذات ايقاع راقص ومبهج لتنطلق بعدها الزغاريد من ذلك المنزل ومن منازل مجاورة.

في تلك الاثناء قامت طفلة ترتدي ثيابا قديمة بكنس تلك المساحة من الشارع الذي انتشرت به الحفر وسكنت على جوانبه بقع من روث قديم وحديث قبل أن تفرشه في المساء بحصير لتجلس عليه مدعوات قدمن لمجاملة أم شيماء صاحبة "العرس".

كان كل شيء على ما يرام في الفرح (العرس) باستثناء عدم وجود عريس أو عروس.

فالفرح لم يكن ككل الافراح وانما وسيلة فريدة لتدبير سيولة مالية دون اللجوء للبنوك أو الاقتراض من الاقارب والمعارف وبطريقة سريعة وامنة وكريمة.

لجأت أم شيماء التي تقيم مع زوجها وبناتها الصغار الثلاث في غرفة وردهة بتلك القرية التي تعتمد على الزراعة كمصدر أساسي للدخل الى اقامة ذلك العرس أو "الفرح" لتمويل حلمها بتغيير غرفة نومها المتهالكة وتسديد بعض الدين.

فقط بطاقات دعوة وأكواب من الشاي هي كل ما تطلبه الامر لكنها جمعت في تلك الليلة نحو ستة الاف جنيه (نحو 1060 دولارا) ساهمت بها نساء من قريتها ومن عدد من القرى المجاورة.

بعض هذا المبلغ دين جديد على أم شيماء أن ترده في مناسبات مشابهة للغير عاجلا أو اجلا وبعضه رد على مساهمات قدمتها أم شيماء في " أفراح" سابقة.

وعبرت أم شيماء التي يعمل زوجها كعامل نظافة بالعاصمة براتب لا يتجاوز 300 جنيه شهريا (أقل من 50 دولارا) عن سعادتها بما فعلت قائلة "الفرح ساعدني كثيرا وأتمني أن أتمكن من تسديد الدين الذي علي للمدعوات الجدد. ليس أمامي وسيلة أخرى غير الفرح."

واعتاد المصريون لاسيما أبناء الطبقات الشعبية اهداء العروسين عند الزواج مبلغا من المال على سبيل المجاملة يسمونه "نقوطا" وهو نوع من المساعدة غير المباشرة يمثل شكلا للتكافل الاجتماعي. لكن الجديد هو اقامة تلك الافراح دوريا دون مناسبة حقيقية لجمع النقوط من قبل قرويات يعتمدن عادة على عائل الاسرة في توفير المال.

يقول أحمد سعيد (45 سنة) الذي يعمل مقاول بناء في قرية مجاورة ان نسوة كثيرات يلجأن لتلك الوسيلة لمساعدة أزواجهن في بناء بيت أو شراء أثاث ومنهن زوجته. ويضيف "الناس تعبانة (اجهدها الفقر) والعملية كلها حريم في حريم فلم لا."

في القرية التي تنتمي لها أم شيماء يتسامح الرجال مع هذا السلوك من جانب نسوة القرية لكن في قرية مجاورة يتحفظ البعض. بحسب رويترز.

يقول محمد (30 سنة) ويعمل واعظا ان هذه العادة "علمت النساء الجرأة بجانب أنها تسبب ضوضاء وهناك أغان وأحيانا رقص غير لائق من بعض الفتيات والنساء كما أنها صارت تجارة بدلا من وسيلة للتكافل والتعاون ودخلها التباهي والرياء."

وتقول الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ان الفقراء يبتكرون وسائلهم الخاصة في محاربة الفقر.

وتضيف "هي وسيلة مضمونة للحصول على المال بشكل كريم لا تحتاج الى ضمانات سوى حسن السمعة لاسيما وأن مثل هذه الفئات لا يمكنها الحصول على قروض أو مساعدات بنكية تحتاج لضمانات ليست متوافرة لديهم."

وطبقا لتقديرات الامم المتحدة فان معدل الفقر المدقع في مصر يبلغ نحو 20 بالمئة لاسيما في المناطق الريفية والنائية. وتهدف مصر الى خفض نسبة من يعيشون بأقل من دولار في اليوم الى 12.1 بالمئة بحلول عام 2015 من 20.2 بالمائة حاليا.

ولدى أم شيماء خطط طويلة الاجل لتمويل مشروعاتها بالافراح وخاصة "الافراح الحقيقية" التي يحتفل فيها الناس بزواج عريس وعروس اذ تقول "سأجهز لبناتي بنفس الطريقة ان شاء الله."

دلتا النيل

من جهة أخرى قد تتعرض دلتا النيل في مصر لكارثة تدمر الأراضي الزراعية وتدفع السكان الى هجرة جماعية اذا لم يتم التصدي لمشكلة التغير المناخي الذي يتسبب في ارتفاع منسوب مياه البحر المتوسط، بحسب ما يقول الخبراء والمزارعون المصريون.

وبدأ بالفعل تآكل الاراضي وانخفاض خصوبتها بسبب الاملاح في دلتا النيل التي تمتد من القاهرة حتى البحر المتوسط ويحدها من الجانبين فرعي نهر النيل والتي كانت على مر التاريخ مخزن حبوب مصر.

وخلال العقد الماضي، زاد منسوب البحر 20 سنتيمترا. واذا ما ارتفع مترا اضافيا فسيؤدي ذلك الى غرق 20% من اراضي الدلتا، بحسب دراسات للخبراء.

ويقول تقرير حكومي مصري حديث حول شواطئ الاسكندرية انه "يتوقع ارتفاع منسوب مياه المتوسط بمقدار 30 سنتيمترا بحلول العام 2025 وهو ما سيؤدي الى اغراق 200 كيلومترا مربعا" ما سيضطر بدوره نصف مليون شخص الى النزوح. وبحلول نهاية القرن الحالي، سيصبح سبعة ملايين شخص على الاقل "نازحين من ضحايا التغير المناخي".

وتشكل اراضي الدلتا ربع المساحة الزراعية في مصر اكبر بلد عربي من حيث عدد السكان (80 مليونا). ويصدر جزء كبير من الانتاج الزراعي للدلتا وهو ما يعود على البلاد بدخل كبير.

وبدأ بعض المزارعين هجرة اراضيهم بينما يحاول البعض الاخر التصدى لمشكلة ملوحة التربة بتغطيتها بطبقة من الرمل لتكون بمثابة عازل عن الاملاح.

ويقول السيد سعد وهو مزارع يملك قطعة ارض تقع بين رشيد والاسكندرية "اننا نشتري هذا الرمل الذي يكلفنا كثيرا، من اجل تكوين طبقة عازلة تتيح للمحصول ان ينمو ولكن الامر اصبح صعبا للغاية". وبدأت شركات هندسية متخصصة في دراسة هذه المشكلة.

واعد ممدوح حمزة وهو مهندس وخبير مصري في التربة دراسة لرفع مستوى الشاطئ مترين مع انشاء حاجز يمنع في الوقت نفسه المياه من المرور والاملاخ من التسرب الى التربة.

وعرض ممدوح حمزة مشروعه على السلطات ولكنها لم تبت فيه بعد خوفا بصفة خاصة من ان يؤثر على الشواطئ السياحية للساحل. وتقر مصر بانها تعاني من اثار التغير المناخي والارتفاع الحراري ولكنها تحمل المسؤولية للدول الصناعية الكبرى. ويؤكد محمد الراعي وهو خبير في المركز الاقليمي لمواجهة الكوارث ان "نصيب مصر من الغازات المسببة للارتفاع الحراري في العالم لا يتجاوز 0,6%".

ولكنه يضيف ان "التغير المناخي يشكل دون ادنى شك تهديدا للامن الغذائي وللنظام الاجتماعي برمته". بحسب فرانس برس.

ويتابع "اذا ما غمرت المياه بعض المناطق فينبغي تحويلها الى مزارع سمكية واذا كان هناك امكانية لحماية مناطق اخرى فينبغي بناء حواجز".

ويعتقد هذا الخبير ان "موضوع التغير المناخي ليس مدرجا ضمن اولويات الدولة في حين انه ينبغي اعتباره قضية امن قومي".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 28/تموز/2010 - 16/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م