اعمار العراق... مشاريع عملاقة تلتمس النجاح

 

شبكة النبأ: ترتفع السقالات على جدران بيوت تملؤها ثقوب الرصاص في مختلف أرجاء بغداد ويجمع العمال الطوب بعد أن سمح تحسن الوضع الأمني بظهور طفرة إنشاءات صغيرة في العراق.

قد تكون هذه هي بداية طفرة بناء، إذ يقتصر العمل الآن على بضع مئات من البيوت مما يمهد الطريق أمام مشروعات ضخمة عندما يبدأ العراق في إصلاح البنية الأساسية والمساكن التي أهملت على مدى عقود من الحروب والعقوبات.

وتريد السلطات العراقية البناء على نطاق واسع.. مليون وحدة سكنية جديدة على مدى ثلاث سنوات.

وفي مشروع واحد تشير الخطط إلى بناء 75 ألف وحدة سكنية في حي مدينة الصدر في بغداد. وتتقدم شركات خليجية بعروض لتنفيذ العديد من المشروعات.

ما بعد الحرب

يقول عبد الرحمن المشهداني الاقتصادي بجامعة المستنصرية، والذي يعتقد أن تقديرات الحكومة بأن العراق يحتاج لأكثر من ثلاثة ملايين وحدة سكنية تقديرات منخفضة للغاية "الإنتاج المحلي من مواد البناء لن يكون كافياً لمثل هذه المشروعات الضخمة".

واحتياجات العراق للبنية الأساسية كبيرة بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة العام 2003، والذي أطاح بحكم الديكتاتور صدام. فيتعين إعادة بناء الطرق والسكك الحديدية وشبكات الكهرباء والموانىء والمساكن والمصانع.

وجمعت الهيئة الوطنية العراقية للاستثمار قائمة بنحو 750 مشروعاً تريد تنفيذها وتتكلف وحدها نحو 600 مليار دولار. بحسب رويترز.

وقد تكون هذه أنباء طيبة للمستثمرين الأجانب الأوائل في العراق مثل شركة لافارج الفرنسية للإسمنت التي تحملت هجمات المسلحين المستمرة والغموض السياسي، واستثمرت في قطاع مواد البناء في العراق.

ولكنها قد تكون أنباء سيئة فيما يتعلق بالتضخم وللمستهلك العراقي، إذ أن أسعار الطوب والإسمنت التي كانت تهاوت عادت للارتفاع مع تزايد الطلب.

وحتى الآن، فإن المكاسب الكبيرة التي تحققت في السنوات الثلاث الماضية بعد الصراع الطائفي الذي أعقب الإطاحة بصدام في العام 2003 مكنت العراقيين من تحديث بيوتهم المدمرة أو البدء في بناء بيوت جديدة. وأدى ارتفاع أجور العاملين بالحكومة إلى هذه الطفرة.

وقال كاظم جواد (37 عاماً)، وهو مهندس كان يقف في انتظار شاحنة تحمل الاسمنت إلى قطعة أرض في بغداد حيث يبني مع شقيقه وشقيقته بيتاً جديداً على مساحة 150 متراً مربعاً "إنه مثل طفل يكبر أو شجرة تنمو أمام عينيك".

وفي الأيام الأخيرة من عهد صدام الذي امتد من 1979 إلى 2003، وعندما تضرر الاقتصاد من العقوبات وتكاليف الحرب لم يكن يقدر على بناء بيت جديد أو تجديد البيت القديم سوى الأسر الغنية أو كبار المسؤولين.

وكان سوق مواد البناء محكوماً باقتصاد موجه تديره الدولة ورغم أن الأسعار كانت مدعومة، فإنها لم تكن في متناول أغلب أصحاب البيوت، إذ كان راتب الموظف الحكومي يعادل نحو 2.50 دولار في الشهر.

ولكن أسعار الطوب تهاوت عن مستواها قبل عامين عندما ارتفعت بشدة أسعار الوقود المستخدم في مصانع الطوب التي أغلق العديد منها بسبب الاقتتال بين الشيعة والسنة.

وتراجعت كذلك أسعار الاسمنت والرمل والجص وحديد التسليح مع إعادة فتح مصانع قديمة وإقامة مصانع جديدة ودخول المزيد من الواردات إلى السوق.

وتتدفق مواد البناء حالياً من الخارج. فساعد استيراد الاسمنت من باكستان وحديد التسليح من أوكرانيا والأبواب الخشبية من جنوب شرق آسيا على إبقاء الأسعار منخفضة. ونتيجة لذلك، بدأ المدرسون وضباط الشرطة وغيرهم من الموظفين في تجديد بيوتهم.

وقال أبو كرار صاحب متجر يبيع في الأساس منتجات تركية وإيرانية " كان حلم بالنسبة لي أن أبيع لمدرس أو موظف حكومي. لم يكن باستطاعتهم الشراء. كنت أبيع لهم أدوات صحية وصنابير مستعملة". وأضاف "العراقيون لم يسمعوا بالجاكوزي أو وحدة الاستحمام القائمة".

وقال تاجر آخر إن سعر طن حديد التسليح الذي كان يباع بنحو 1270 دولاراً في العام 2008 أصبح يبلغ الآن 720 دولاراً، ويبلغ سعر ثلاثة أطنان من الرمل، وهي حمولة الشاحنة 381 دولاراً انخفاضاً من 508 دولارات. ونزل سعر طن الاسمنت من 200 دولار إلى 150 دولاراً.

وشركة لافارج الفرنسية أكبر منتج للاسمنت في العالم من الشركات التي ستستفيد من الازدهار الوشيك.

فلديها بالفعل مصانع أسمنت في إقليم كردستان شبه المستقل في شمال العراق، وبدأت في الفترة الأخيرة تحديث مصنع اسمنت عراقي بتكلفة 200 مليون دولار بالقرب من كربلاء في الجنوب لدعم الإنتاج. ولكن من المرجح أن يظل الطلب على الواردات قائماً.

وقال أبو بكر هو مورد عراقي تغطي قطعة أرض يملكها أكياس إسمنت ورمل مستوردة ومحلية "مصانعنا للاسمنت لا تغطي ربع احتياجات السوق".

مليون وحدة سكنية

من جانبها كشفت أمانة بغداد عن مفاوضات تجرى حاليا مع شركات تركية وأخرى كورية لبناء مليون وحدة سكنية في عموم العراق.

وقال أمين بغداد صابر العيساوي لصحيفة "الصباح" العراقية مؤخرا إن مجلس الوزراء أقر بناء مليون وحدة سكنية في عموم البلاد بأسلوب الاستثمار.

وأشار الى أن حصة بغداد من المشروع تبلغ 224 ألف وحدة، اذ يجري حاليا التفاوض مع شركة تركية وأخرى كورية لتنفيذ هذا المشروع، مؤكدا أن الحكومة وضعت خطة من أكثر من محور للقضاء على أزمة السكن، الاول بناء الوحدات السكنية على نفقة الدولة لشرائح معينة كما في مشروع 10 × 10، والثاني منح أراضي للمستثمرين من القطاع الخاص لاقامة مشاريع الاسكان كمشاريع معسكر الرشيد والدباش وبوابة بغداد ومطار المثنى وغيرها.

وأضاف العيساوي أن المحور الاخر الذي اقره مجلس الوزراء يقضي بقيام امانة بغداد ووزارة البلديات بتخصيص قطع اراضي للوزارات ومؤسسات الدولة لتشييد مجمعات بمواصفات عالمية مع تنفيذ مشاريع البنى التحتية وتوزيعها بين منتسبي هذه الوزارات والدوائر على ان تتحمل نسبة 25 بالمئة من قيمة العقار ويقسط باقي المبلغ وفق الية يتم الاتفاق عليها في داخل الوزارة او المؤسسة التي يعمل فيها الموظف.

ودعا العيساوي في هذا الصدد، الوزارات ومؤسسات الدولة كافة الى الاسراع بتقديم الطلبات ليتسنى تخصيص الأراضي لإقامة المجمعات السكنية لمنتسبيها.

سكة حديدية أحادية

في سياق متصل قال مسؤول إن مدينة النجف العراقية منحت شركة كندية عقدا بقيمة 600 مليون دولار لانشاء أول خط أحادي للسكك الحديدية في البلاد.

وقال أنور الحبوبي عضو هيئة الاستثمار بالنجف ان المشروع سيكون الثاني من نوعه في الشرق الاوسط بعد مشروع مماثل في دبي. وحصلت على العقد ترانس جلوبيم انترناشونال (جلوبيم) وهي كونسورتيوم كندي خاص.

وخط القطار الاحادي واحد من عدة مشروعات كبيرة للبنية الاساسية بحثها المسؤولون العراقيون منذ سقوط نظام الرئيس الديكتاتوري السابق صدام حسين والتي تتضمن خطة بمليارات الدولارات لانشاء مترو بغداد لكن أيا من هذه المشروعات لم يتم تنفيذه.

وتستقبل مدينة النجف احدى أهم المدن المقدسة عند المسلمين الشيعة مئات الالاف من الزوار في الاحتفالات الدينية التي تجري عدة مرات سنويا وتكتظ بهم شوارع المدينة التي ترجع للعصور الوسطى.

وقال الحبوبي ان المشروع سيخفف أزمة المواصلات واكتظاظ الشوارع في المحافظة خاصة خلال أيام المناسبات الدينية.

وتدهورت البنية الاساسية في العراق تحت وطأة عقود من الحرب والعقوبات الدولية وقلة الاستثمار.

ويسعى العراق الى سبل لاصلاح الطرق والسكك الحديدية والموانئ ومحطات الطاقة وغير ذلك من البنية الاساسية.

وأبرمت الحكومة المنتهية ولايتها التي يرأسها رئيس الوزراء نوري المالكي 11 اتفاقا مع شركات نفط عالمية لتطوير الاحتياطيان النفطية الهائلة التي يمتلكها العراق.

ويقول خبراء اقتصاديون انه يتعين على العراق تنمية القطاعات غير النفطية اذا أراد أن يصبح اقتصاده قويا ويخفض البطالة.

وقال الحبوبي ان خط السكة الحديدية الاحادي في النجف سيكتمل انشاؤه بعد ثلاث سنوات وسيجري تنفيذه على مرحلتين. وأضاف أن الشركة الكندية ستنشئ محطة للكهرباء لتشغيل القطار.

وقالت الشركة على موقعها على الانترنت ان المشروع يشمل انشاء خط أحادي بطول 37 كيلومترا يربط المساجد الثلاثة الرئيسية في النجف وهي مرقد الامام علي ومسجد الكوفة ومسجد السهلة ويربط أيضا بين محطتي الحافلات الرئيسيتين. وستصل المرحلة الثانية الى مطار النجف الجديد.

وكثيرا ما يجري استهداف الاحتفالات الشيعية في الاضرحة على يد مسلحين متشددين من السنة مثل مسلحي القاعدة.

ميناء الفاو

الى ذلك اعلن وزير عراقي خلال وضع الحجر الاساس لبناء ميناء الفاو المطل على الخليج، ان مجموعة شركات ايطالية ستتولى تنفيذ المشروع البالغة كلفته اكثر من اربعة مليارات ونصف مليار دولار.

وقال وزير النقل عامر عبد الجبار بعد وضع حجر الاساس ان "مشروع الميناء تعرض لانتقادات عدة وعرضت علينا الكثير من الامتيازات للتخلي عنه مقابل تطوير ميناء ام قصر، لكننا رفضنا ذلك". ويبعد ام قصر، الواقع قرب البصرة، مسافة ثمانين كيلومترا عن الفاو.

واضاف الوزير "لا يوجد ميناء للعراق على راس الخليج العربي، وكل الموانئ تقع في قنوات بحرية وتدخلها سفن محدودة الاعماق".

واكد ان "مشروع ميناء الفاو الكبير يعتبر عاشر اكبر ميناء في العالم من حيث موقعه الاستراتيجي (...) وسيكون ضمن مشروع القناة الجافة التي تربط الخليج بالبحر المتوسط عبر السكك الحديد" من خلال تركيا. بحسب فرانس برس.

والمشروع هو الاكبر في العراق منذ حوالى ثلاثة عقود وتامل السلطات ان يكون منافسا لقناة السويس التي عبرتها اكثر من 14 الف سفينة خلال العام 2009.

واكد ان "الميناء سيكون قادرا على استقبال اكبر السفن (...) وسيحوي مئة رصيف على ان تكون طاقته الاستيعابية بحدود 99 مليون طن سنويا". وستنفذ مجموعة شركات ايطالية المشروع بكلفة تبلغ 4,6 مليارات دولار.

وسيبنى الميناء على مساحة طولها 6700 متر بعرض 2190 مترا، كما ستكون مساحة رصيف الحاويات 39 الف متر مربع.

واكد الوزير ان "المشروع سيخلق مئات الاف من الوظائف للمهندسين وغيرهم، ويساعد في تفعيل الحركة الاقتصادية والتجارية في العراق والعالم".

من جهته، قال دبلوماسي في السفارة الايطالية في بغداد ان "المرفا الذي سيكون بين الاكبر في العالم سيستقبل اضخم السفن وناقلات الحاويات".

واضاف ان شركة "تكنيتال" الهندسية ستتولى قيادة مجموعة الشركات التي ستتولى بناء الميناء.

وستقوم الحكومة الايطالية بتمويل التدريب الضروري لادارة الميناء وتقديم المساعدات التقنية لاقامة منطقة صناعية مرتبطة بنشاطاته، وفقا للسفارة.

يذكر ان الفاو كانت مسرحا لمعارك شرسة بين ايران والعراق خلال الحرب التي خاضها البلدان بين العامين 1980 و1988.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/تموز/2010 - 15/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م