التنظيم في بناء الدولة المعاصرة

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: تحدثنا في حلقات ماضية عن بعض رؤى الإمام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس) الواردة في كتابه القيّم الموسوم بـ (السبيل الى إنهاض المسلمين) وبدأنا ذلك بضرورة الوعي وأهمية تثقيف المسلمين، وفي هذه الحلقة الجديدة نبدأ بأحد الأسس المهمة التي حددها الإمام الشيرازي لبناء الدولة الإسلامية الموحدة، وهو أساس التنظيم ودوره الكبير في هذا المجال إذ يقول الإمام الشيرازي في هذا الصدد بكتابه نفسه:

(إن التنظيم واجب شرعي وسنة كونية وضرورة حيوية ملحّة بالنسبة إلى الأمة الإسلامية) ويركز الإمام الشيرازي على أهمية التنظيم كعنصر مهم في التأسيس لبناء دولة قوية لا يعتريها الضعف إذ يقول (قدس) بهذا الصدد:

(أما إذا لم ننظم أنفسنا ـ في تنظيم واسع كبير ـ فسيعترينا الضعف، ويتغلّب علينا الأعداء، وإن واقعنا المعاصر خير دليل على ذلك).

وتبدو أهمية التنظيم جلية كونها العامل الذي نستطيع من خلاله أن نستجمع القوى الفردية المبعثرة ونحصرها في حيز واضح ونحدد مسارتها نحو الاتجاه الصحيح، لأننا من دون اعتماد التنظيم الصحيح سوف نخسر العديد من طاقاتنا وامكاناتنا إذ يقول الإمام الشيرازي في كتابه نفسه:

(إننا بدون التنظيم لن نستطيع مواجهة التحديات المعاصرة، ولن نتمكّن من الوقوف أمام الشرق والغرب وعملائهما).

ولعل السبب الرئيس الذي يكمن وراء تأكيد الإمام الراحل على أهمية التنظيم، كونه العامل الأساس الذي تعتمده الأمم والدول القوية حيث تمكنت من خلاله أن تبني نفسها بما يتلاءم مع قوى العصر واشتراطاته، وقد أكد الإمام الشيرازي على وجوب اللجوء الى التنظيم باعتباره احد الأسس التي لا يمكن تجاوزها فيما لو أرادت الامة أن تبني نفسها بإسلوب عصري، فيقول في هذا الصدد:

(العالم المعاصر يعتمد على التنظيم، فقد جاء في تقرير، أن للصهاينة خمسة ملايين منظم، وجاء في تقرير آخر، أن للاتحاد السوفيتي بين اثني عشر مليون إلى خمسة وعشرين مليون منظم، وللصين الشيوعية ما لا يقل عن عشرين مليون منظم، وللبلاد الأوروبية التسع، مع أمريكا، خمسين مليون منظم، سواء في التنظيمات القومية أو الحزبية أو الثقافية أو غيرها).

وهكذا يمكن أن نلاحظ أن أقوى الدول المعاصرة وأكثرها قدرة على مواجهة الأخطار لجأت الى التنظيم كأحد أهم عناصر البناء القوي الذي يصب في صالح الدولة ويمنحها القدرة على مجاراة الدول القوية الأخرى والتصدي لأخطارها فيما لو فكرت بالاعتداء عليها، وهكذا يمكن القول بأن التنظيم عامل احترازي مهم بالنسبة لبناء الدول، وهنا يتساءل الإمام الشيرازي بكتابه نفسه قائلا:

(هل يمكن العيش ـ في مثل هذا الجو المشحون بالتنظيمات ـ بلا تنظيم؟! أم أن النتيجة لن تكون إلا التبعثر والتمزق والانهيار؟! لقد قلت لبعض مسلمي لبنان قبل عشر سنوات أو أكثر: إنكم ستواجهون مصيراً سيئاً إن لم تنظموا أنفسكم).

هذا يعني بأن التحذير من العشوائية في التعامل مع الطاقات الموجودة لدى المسلمين كان في محله تماما، كما أن التركيز على أهمية تنظيم هذه الطاقات كان أمرا مصيبا ودقيقا فيما لو اعتمده المسلمون في بناء دولتهم المعاصرة والقادرة على مجاراة الدول القوية الأخرى.

ولو ألقينا نظرة متفحصة على واقع الدول الإسلامية في العصر الراهن، فإننا يمكن نؤشر حالات عدم التنظيم بسهولة، كما إننا يمكن ان نلاحظ عدم تبويب الطاقات المتنوعة للمسلمين وتجميعها وتنظيمها وتوجيهها في المسارات الصحيحة التي تصب في مصلحتهم، بيد أن التبعثر والفوضى أسهم بضياع الطاقات الإسلامية على نحو جعل منها دولا ضعيفة متناحرة ومفتقرة الى عناصر وأسس الدول القوية ومن أهم الأسباب التي قادت الى ذلك ضعف أو غياب التنظيم كليا.

وطالما صار لدينا الإطلاع الواضح على أهمية التنظيم، فإننا لابد أن نعرف الكيفية التي تتم بها هذه العملية، فهي ليست صعبة ولا شاقة بجانيها الفكري والتطبيقي لكنها تتطلب الإرادات القوية والفاعلة، وكلها تتركّز على قضية التنظيم، وهنا يقدم لنا الإمام الشيرازي في كتابه هذا، إجابة عن كيفية اعتماد التنظيم فيقول بهذا الصدد:

(أما بالنسبة إلى كيفية التنظيم، فإن كل فرد يستطيع ذلك.. وذلك إما بالانتماء إلى إحدى المنظمات الإسلامية المستقيمة، وهي موجودة بحمد الله في كثير من البلاد الإسلامية. وإما أن يبدأ تنظيماً جديداً بنفسه وذلك بأن يلتقي بأربعة من الأفراد الصالحين، يغذيهم بالفكر السليم، وينظّمهم.. ثم ينظم كل واحد من هؤلاء "بعد استيعابهم للفكر والتنظيم" أربعة آخرين، فيصبح المجموع عشرين. وبهذه الطريقة يتصاعد التنظيم على نحو التصاعد الهندسي، لا على نحو التصاعد العددي حتى يبلغ الألوف والملايين).

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/تموز/2010 - 15/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م