نظرة القادة السياسيين والاقتصاديين الغربيين إلى الدول النفطية في
الخليج كانت دوماً وما زالت نظرة دونية بكل المقاييس، فالعديد من هؤلاء
القادة يعتقدون أن الدول الدونية التي لا تلتزم بمبادئ الشفافية
والديمقراطية لا تستحق الاحتفاظ بالثروة.. من سيولة مالية وذخائر
طبيعية كالذهب والنفط والغاز والمعادن.
خلفية هذه النظرة قائمة على الجشع، وحب السيطرة، والنهب، والسلب،
وشفط أقصى قدر ممكن من ثروات هذه الدول؛ وذلك من خلال ربطها
بالاتفاقيات والصفقات. سابقاً وفي عهد الاستعمار المباشر، كان المستعمر
يتحكم بمنابع الثروة، أما اليوم في عهد الاستعمار الجديد فقد اختلف
الوضع في الشكل والأدوات، إلا أنه لم يختلف في المضمون، فالدول ارتبطت
بالكثير من الاتفاقيات الدولية التي شيدها الغرب، فتقيّدت بالكثير من
الأغلال القانونية، وانضمت إلى العديد من المنظمات والمؤسسات الدولية
كالبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، وبات لزاماً عليها التعامل مع
المراكز المالية الكبرى كالبنوك والشركات والصناديق الاستثمارية.
والمؤسف أن أموال الدول النفطية استقرت في البنوك والمؤسسات المالية
الغربية، وهناك تتخذ القرارات المصيرية بخصوص الأموال السيادية، فبدل
أن ترجع السيولة المالية ليتم استثمارها في بلداننا، تبقى تستثمر في
الغرب لتنمي اقتصادياته؟!
الغرب الجشع لم يشبع مما نهبه في السابق من ثروات، ومما اشتراه من
نفط بثمن بخس طوال العقود الماضية، ومما استفاده من أموال مخزنة في
بنوكه، بل نجده كلما تعرض لضربة اقتصادية التجأ إلى الدول النفطية
مطالباً إياها بالتدخل بأموالها لإنقاذ مؤسساتها وشركاتها المنهارة، أو
تلك المشرفة على الانهيار.
إننا لا ننسى تصريح وزير المالية الأمريكي (روبرت كيميت) الذي قال
بعد الأزمة المالية العالمية إنه ينتظر مشاركة سريعة من دول الخليج
الثرية في حل الأزمة، وعقد على اثره سلسلة اجتماعات مع مسؤولي الصناديق
السيادية في دول المنطقة. ولا ننسى صولات وجولات رئيس الوزراء
البريطاني (براون) في دول المنطقة، ومطالبته بضخ 200 مليار في صندوق
النقد لمنع انهيار الاقتصاد العالمي.
بتقديري إنهم يعتبرون الصناديق السيادية الخليجية أشبه بالصناديق
الخيرية، التي تنثر خيراتها على الظالم والمظلوم، أو أنها كالبقرة
الحلوب التي يستطيع كل عابر سبيل أن يحلبها متى شاء. ويحضرنا مقال
الثعلب الأمريكي (هنري كيسنجر) وزير الخارجية الأسب ق الذي نشر في
صحيفة (هيرالد تريبيون) في سبتمبر الماضي، الذي دعا فيه إلى وضع
إستراتيجية أمريكية محكمة لتجويع العرب وفق مبدأ (الغذاء مقابل النفط).
في عام 2008 كان لكيسنجر تصريح خطير عندما حذّر الدول الغربية من
عواقب سياسية متوقعة بسبب ارتفاع أرصدة دول الخليج نتيجة السيولة
المالية التي جنتها هذه الدول جراء ارتفاع أسعار النفط، محذرًا الغرب
من احتمال وصول الأموال الخليجية إلى يد الإرهابيين!!
في أكتوبر من عام 2008 نُشِر لي مقال على هذه الصفحة بعنوان (كيسنجر
عينه على أرصدة دول الخليج) وضحتُ من خلاله المؤامرة التي تحيكها ثلة
من قادة أمريكا على أموال العرب المكدسة في الغرب. اليوم وبعد أن واجهت
(شركة بريتش بتروليوم BP) خسائر فادحة جراء التسريب النفطي في خليج
المكسيك، بدأ القادة الغربيون بالضغط على دول المنطقة لضخ أموالها
السيادية في جيب الشركة الخاسرة، خاصة بعد صدور التقارير التي رجحت
انهيارها في غضون الأسابيع القادمة؛ نتيجة تمسك الإدارة الأمريكية بأن
تدفع الشركة 20 مليار دولار كتعويض عن الأضرار التي لحقت بالسواحل
الجنوبية للولايات المتحدة. الرئيس التنفيذي لـ BP (توني هيوارد) زار
أبوظبي وقطر والسعودية، وأجرى محادثات مع مكتب الاستثمار الكويتي في
لندن، وبعد ختام زيارته للمنطقة سرّبت المعلومات إلى الصحافة (ولا
أستبعد أن يكون ذلك من فعل الشركة نفسها) تفيد بقبول بعض الصناديق
السيادية بضخ مليارات الدولارات في الشركة البريطانية.
بدورنا، وفي خضم تكالب الدول الغربية على صناديقنا السيادية نتساءل:
إلى متى تستمر دولنا بدفع ثمن أخطاء الآخرين؟ وهل حكوماتنا قادرة على
فرض شروطها والمطالبة بضمانات تحفظ أموالها في البنوك والشركات
الغربية؟ باعتقادي، ووفقاً للمعادلة السياسية والاقتصادية الراهنة، فإن
منطق القوي هو السائد اليوم، وبما أننا خارج معادلة القوة، فإن الغرب
سيمرر سياساته علينا كيفما يشاء، وسيستحوذ على مدخراتنا بأساليب ماكرة
بينما حكوماتنا تكتفي بالتفرج. |