قراءة في كتاب: عراقيون أجناب

حضور النص الغائب في رواية فيصل عبد الحسن

 

 

 

 

الكتاب: عراقيون أجناب

الكاتب: فيصل عبد الحسن

عرض: عبد الرحمن مجيد الربيعي

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ: قرأت رواية الصديق فيصل عبد الحسن (عراقيون أجناب) قبل أسابيع، هذه الرواية التي كتبها في المغرب حيث يقيم وقد حظيت باهتمام واضح إذ تعددت القراءات لها سواء على صفحات جريدة الزمان أو جرائد مغربية أو عربية أخرى.

لكن قراءتي لها جعلتني أتوقف عند جانب هو الأساسي فيها إذ أنها تطرقت وبشكل تفصيلي إلى العادات والتقاليد الشعبية العراقية من خلال قرية على ضفاف الأهوار.

أن فيصل عبد الحسن يذكرني بروائي آخر هو من اكبر مجددي القصة القصيرة العراقية في أثرى فتراتها وأكثرها تدفقا وغليانا جيل الستينات أما هذا الروائي فهو جمعة اللامي.

لكن اللامي يفيد من ثراء الموروث الشيعي في مدونة لا تعني بالتفاصيل بل بالروحية وقد تمثل هذا في رواية مجنون زينب التي سبق لنا أن قدمنا قراءة لها في هذه الزاوية ومن ثم روايته الجديدة (المقامة اللامية).

هنا اعترف بأنني رغم كوني ابن الجنوب وقد لحقت بتلك السنوات سواء بالفترة الملكية أو بالسنوات الأولى من العهد الجمهوري خاصة فترة حكم الزعيم الوطني المغدور عبد الكريم قاسم، التي كان تقديم كل الطقوس الشيعية في أيام عاشوراء مسموحا بها قراءات حسينية ومواكب عزاء والضرب بالزنجيل والقامة... الخ، وتوزيع الهريس واللحم بالقيمة.

وقد فدت شخصيا من هذه الطقوس لأنني فتحت عيني عليها كمراقب وليس كمشارك كما هو شأن الكثير من زملائي في الابتدائية.

لا بل أنني حظرت مرة التشابيه في الشطرة وهي أعادة لتمثيل مقتل الحسين عليه السلام والغريب أن هناك شخصيات تختص بتمثيل نماذج معينه وكان احد أقرباء جار لنا واسمه رسول مختص بتمثيل دور الشمر قاتل الحسين وكاد يقتل كما روي لي على يد إعرابي ظنه الشمر حقيقة.

هي حكايات ومشاهد تسرب البعض منها إلى نصوصي ولكن ليس كما حصل عند فيصل عبد الحسن اذكر هنا قصتي الطويلة مملكة الجد التي أعجبت السوفيت وترجموها قبل سنوات على سبيل المثال.

ويبدو لي أن العراق بفسيفسائه وتركيبته العرقية والدينية هو مادة ثرية للكتابة السردية لكن شريطة أن تظل في الإطار الوطني إذ المسألة حساسة جدا.

أنني افتقد لرواية تتحدث عن الأشوريين مثلا وحتى الكتاب الذين ينتمون لهذه الطائفة وهم كثرة لم يكتبوا عنها لنقرأ نصوص سركون بولص السردية المبكرة ثم قصائده وهو الاسم الأبرز، لان المتلقي يبحث عن الجانب الايجابي في المسالة ويتعرف على ما لا يعرفه عن طائفة أساسية في بنية المجتمع العراقي وكذلك الأمر بالنسبة للصائبة وما لهم من طقوس مائية ثرية لم تكن موضوعا لعمل روائي كبير و لي أن استغرب هذا.

حتى الروايات الكردية وحيث يشكل الأكراد القومية الثانية في العراق أو التركمانية وهنا تعنيني الطقوس والعادات والتقاليد فأنها غير موجودة بشكل واسع.

أتذكر قصص الراحل عبد الصمد خانقاه وقليلا من قصص يوسف الميدري وروايات فاضل العزاوي التي تقدم اختلاط ألتركيبه المتفردة بمدينة كركوك، لكن مع طغيان الخطاب السياسي نظرا لقوة حضوره في المياه العراقية بحيث لا يمكن قفزه أو تجاوزه وأيضا زهدي الداوودي في مجموعته المبكرة التي قرأتها ( الإعصار) وهو كاتب كردي بالعربية.

أعود إلى (عراقيون أجناب) وأقول إنني شخصيا ألممت من خلالها بتفاصيل عن السيد حفيد الرسول صلى الله عليه واله وسلم ومكانته، كذلك طقوس تنصيبه وماذا يعنيه في القرية الجنوبية، من المعروف أن في كل قرية يقيم سيد أو يختص بالمرور فيها في أيام عاشوراء ليقيم المجالس الحسينية ويتقاضى أجرا يجمع من أهل القرية وهو المرجع بعد الشيخ في أمور الدين والشيخ في أمور الدنيا.

 ومن كان سيدا لا يتزوج إلا من ذرية رسول الله أي العلوية – كما تسمى– أما بناته فلا يتزوجن إلا من سيد مثله حتى لو أصبحن عوانس ويبدو أن ما كنت اعرفه كان الوجه الظاهر لكن فيصل عبد الحسن قادني إلى التفاصيل ومن خلال رواية عراقية عنيت بسكان منطقة معينه ومحدده من العراق وما عاشته من أحداث خاصة السياسية منها بحيث أصبحت منخرطة في أحداث رغما عنها ووظف بعض أبنائها ليكونوا عوننا للنظام ضد أهلهم.

حتى الأموال التي تجمع وأين يتم إيداعها في منطقة الحفيظ في أعماق الهور أعطانا فيصل عبد الحسن معلومات عنها وقد كنت أظنها لغزا غامضا في الذاكرة والوهم أكثر منها حقيقة وفي قصة مبكرة لي هي الوحيدة التي كتبتها عن الاهوار وعنوانها(سر الماء)عام 1974 بعد رحلة عدة أيام قمت بها إلى الاهوار أنا والصديق الفنان والكاتب اللبناني الراحل فاروق البقيلي قلت عن الحفيظ. الحفيظ هو المجهول المرعب بالنسبة لسكان الاهوار وكلما سألت أحدا منهم عنه صمت خائفا أو أطلق بسملة مذعورة.

فيصل عبد الحسن حول الحفيظ إلى مكان معلوم وصلت له طائرات الهليكوبتر الحكومية وحملت كل خزينه من الذهب والمال وكان السيد الذي يعيش شهور عمره الأخيرة قد انتقل بمشحوف مع ابنه الفتي الذي سيرث عنه المكانة ليطلعه على السر فإذا كل شيئا قد ضاع وسلب أمام أعينهم وهم يتفرجون على ما يجري.

أن الدلالة السياسية واضحة لكن المهم أن فيصل عبد الحسن قد أخذنا إلى ما هو ناء وقصي في الوجدان الشعبي الجنوبي العراقي، وقدم لنا تفاصيله بل وأعطى لنفسه المساحة الكافية ليتجاوز المسكوت عنه ويحوله إلى معلوم والرواية أخذت هذا البعد لكون كاتبها قد مضى بها دون أن يضع أمامه أي محظور أو يقع تحت سطوة أي خوف. وهذا أعطى نصا روائيا كان غائبا فجعله حاضرا.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17/تموز/2010 - 4/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م