قراءة في كتاب: أزمة البرلمانات

 

 

 

 

 

الكتاب: أزمة البرلمانات

الكاتب: كارل شميت

الناشر: دراسات عراقية / بغداد – بيروت

عرض: حيدر الجراح

 

 

 

 

شبكة النبأ: طوال وجود النظام البرلماني كان الأدب المنتقد لهذا النظام موجودا هو الآخر. وقد تطور هذا الأدب أولا, كما هو مفهوم من منطلق رد الفعل واستعادة النظم السابقة على يد خصوم هزموا في ميدان الصراع ضد النظام البرلماني.

وما لبثت التجربة العملية المتعاظمة ان كشفت عن عيوب الحكم الحزبي, التي سرعان ما طفت على السطح.

أخيرا جاء النقد للنظام البرلماني من طرف مبدئي آخر من نزعة اليسار الثورية. وهكذا فان التيارات اليمينية واليسارية, بما فيها من آراء محافظة واراء نقابية وفوضوية، ووجهات النظر الملكية والارستقراطية والديمقراطية وحدت من جهودها.

ويمكن للمرء ان يجد الخلاصة الابسط للوضع الراهن في خطاب القاه السناتور موسكا في مجلس الشيوخ الايطالي يوم 26/تشرين الثاني/نوفمبر,1922, حول السياستين الداخلية والخارجية لحكومة موسوليني فقد رأى موسكا ان ثمة ثلاثة حلول راديكالية مطروحة تصويبا لعيوب النظام البرلماني:

اولا ما يعرف بأسم دكتاتورية البروليتاريا وثانيا فقد رأى نوعا من العودة الى الحكم البيروقراطي المطلق المقنع الى هذا الحد، واخيرا شكل من اشكال الحكومة النقابية اي ابدال التمثيل الفردي المعتمد في البرلمان المعاصر بنوع من تنظيم النقابات.

وهذا الحل الاخير رأى فيه موسكا الخطر الاكبر على النظام البرلماني لان النقابية لا تنبثق من المذاهب والمشاعر بل من التنظيم الاقتصادي للمجتمع الحديث.

اما هنري بيرتلمي الذي عبر عن رأيه في المسألة في تمهيده للطبعة العاشرة من كتابه (معالجة اولية للحقوق الادارية) فلا يرى النقابية على النقيض من ذلك جديرة بالكلام عنها، فهو يعتقد ان النظام البرلماني يستقر اذا عرف البرلمانيون بالخطر الكامن في اختلاط السلطات وتخلوا عن شأنهم الحزبي ووفروا قدرا معينا من الاستقرار في الادارة.

اخيرا يرى النزعة الاقليمية (الجهوية) والنزعة الصناعية (اي تطبيق مناهج الحياة الاقتصادية على الساسة) خطرا للدولة وهو يقول عن النقابية ان المرء لا يسعه ان يأخذ مأخذ الجد نظرية تؤمن بأن كل الاشياء ستنتظم، "اذا جاءت السلطة ممن تمارس عليهم اذا ما تم تحديدا وضع زمام الامر بأيدي أولئك الذين يجب ان يبقوا خاضعين للتحكم" هذا صحيح تماما من وجهة نظر اي ادارة بيروقراطية صالحة ولكن ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة الى النظرية الديمقراطية, نظرية ان كل السلطة الحكومية مستمدة من المحكومين؟.

يستطيع المرء ان يفترض ان هذه الادبيات معروفة جيدا بشكل عام والاهتمام البحثي للدراسة التالية ليس منصبا على تأكيدها ولا على دحضها تبقى هذه الدراسة، بالاحرى محاولة للاهتداء الى الجوهر الاصلي لمؤسسة البرلمان الحديث وتبعا لذلك سيتم القاء الضوء على حقيقة ان الاساس المنهجي الذي تطور وفقه النظام البرلماني الحديث لم يعد قائما في منطلقات الفكر السياسي والاجتماعي الراهن، وان مؤسسة البرلمان نفسها فقدت قاعدتها الاخلاقية والفكرية وانها عاجزة عن الاستمرار لولا وجودها الالي المحض كأداة جوفاء. ان المقترحات لاصلاح هذا الوضع تكتسب اي افق ما لم يتم استيعاب هذا الوضع فكريا.

 ان مفاهيم الديمقراطية والليبرالية والفردية والقومية التي تستخدم جميعا بالارتباط مع مفهوم البرلمان الحديث يجب ان تميز على نحو اوضح كي تكف عن ان تكون اوصافا عابرة او شعارات.

وعندئذ فقط تتوفر امكانية الابتعاد عن المسائل التكتيكية والتقنية للاقتراب من المبادئ الفكرية ومن نقطة انطلاق لا تقود مجددا الى طريق مسدود.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 15/تموز/2010 - 2/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م