بين يهودية الدولة وبقرة الاستيطان المقدسة!

ماجد الشّيخ

في جولته العشرينية، أعلن مبعوث الإدارة الأميركية للمنطقة جورج ميتشيل إحباطه، عازيا ذلك إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، وذلك على خلفية إفشاله التقدم على خط مفاوضات التقارب غير المباشرة، الهابط إلى أدنى مستوياته، باعتراف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي نفى إحراز أيّ تقدم، حتى ذاك الذي ورد في تقارير أميركية، تبين أنه مجرد كلام إعلامي، لا وجود لأيّ دلائل تثبته، في وقت ذهب الرئيس عباس للتعبير عن تشاؤمه من إمكان انتقال المفاوضات إلى مرحلة المباشرة، طالما أن شروط مثل هذا الانتقال لم تتحقق، ولا يبدو في الأفق حتى في أعقاب لقاء نتانياهو بالرئيس أوباما في واشنطن، ما يمكن أن يحقق شروط نقلة نوعية باتجاه تلك المفاوضات.

 إلاّ أن مفارقة لقاء رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض بوزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك عشية زيارة نتانياهو لواشنطن، وغداة إعلان فشل ميتشيل في جولته العشرينية إحراز أيّ تقدم في مسألتي المفاوضات غير المباشرة، لجهة ما يتعلق بالأمن والحدود، أن هذا اللقاء الذي لم يصدر عنه أية نتائج معلنة، هناك من المراقبين من اعتبره خطوة إسرائيلية للتغطية على عدم حدوث أي جديد، كما هو خطوة إسرائيلية أخرى نحو إفهام الإدارة الأميركية "أننا مع الفلسطينيين يمكن أن نحرز نجاحات معينة دون ضغوط خارجية مرفوضة إسرائيليا".

 ومهما قيل في الجانب الفلسطيني أن اللقاء استهدف "تحقيق مصالح حيوية للشعب الفلسطيني"، ولا يندرج بأي حال ضمن اللقاءات التفاوضية، فإن مؤشر التفاوض في حد ذاته، لا يشير إلى إمكانية تذليل عقبات المسائل التي يعوّل على إنجاز حلول ولو أولية لها، من قبيل الأمن والحدود في مفاوضات التقريب غير المباشرة، للانتقال نحو القضايا الجوهرية الأخرى على طاولة المفاوضات المباشرة، وهو ما يجري استبعاده حتى اللحظة.

 ووسط وعود باراك الجديدة لفياض، وتشاؤم الرئيس عباس، وإحباط ميتشيل، والوعود العرقوبية غير المتجانسة المتبادلة بين أوباما ونتانياهو، يستمر الإعلان عن خطط هيكلية للبناء في المستوطنات، فيما يجري الاستعداد للإعلان عن خطط أخرى للبدء باستئناف البناء فور انتهاء قرار التجميد في 26 أيلول (سبتمبر) المقبل. فهل يستطيع نتانياهو الحفاظ على ما يمكن أن يقيم نوعا من التصالح والتوازن بين الرؤية الأميركية لمصالحها في المنطقة، ورؤية اليمين الإسرائيلي بشقه الليكودي الأقرب لتفهم المصالح الأميركية؟. علما أن ضغوط اليمين القومي والديني المتطرف، الأكثر تشددا حيال التسوية السياسية والقضايا العالقة في المنطقة، خصوصا إزاء الملف النووي الإيراني، تضع نتانياهو في الوسط، فلا هو يريد مواصلة إزعاج إدارة أوباما، ولا هو يريد التفريط بائتلافه الحكومي، خاصة إذا ما اضطر إلى اتخاذ قرارات تزعج أشد أطراف حكومته تطرفا.

 لذلك وفي ضوء استئناف علاقته التصالحية بواشنطن، يجد نتانياهو نفسه في موقف لا يُحسد عليه، فهو مجبر للتوجه نحو المفاوضات المباشرة، إرضاء لواشنطن، كما أنه مجبر كذلك لمعالجة الملف الاستيطاني (استئنافا أو تجميدا) وفي حال لم يستجب لوقف التجميد فسيصطدم بيمينه المتطرف الحكومي والاستيطاني، ويكون بذلك قد تخطى وعوده للإدارة الأميركية، وإفشال خطتها ورؤيتها لموضوعة الانتقال للمفاوضات المباشرة وبما يقود إلى ما تراه "حل الدولتين".

 وفي كلتي الحالتين، لا يستطيع نتانياهو الاستمرار بالإمساك بالعصا من الوسط، إلاّ إذا أراد المفاوضات للمفاوضات ليس إلاّ، بينما وقائع الاستيطان على الأرض تخط ملامح حلول أخرى غير ما ترمي إليه المفاوضات، أو ما يمكن أن تفضي إليه من إجلاء للاحتلال من مناطق محتلة، ناهيك عما يجب أن يكون إجلاء الاحتلال من كل المناطق المحتلة عام 1967، إذا ما أريد لرؤى "حل الدولتين" أن تتحقق أو تتجسد. وما يجري من تنفيذ لمخططات هيكلية ورؤى تهويدية في القدس، وفي شرقها خصوصا، وفي كل المناطق التي تشهد شرها استيطانيا متواصلا على امتداد مناطق الضفة الغربية، لا يترك مجالا للشك في نوايا ومخططات بقاء الاحتلال وتواصله، طالما هو لا يدفع أثمانا باهظة لوجوده واستمراره في غياب عناصر المقاومة الشاملة بطبيعة رؤيتها الإستراتيجية، وفي غياب تكتيكات تفاوضية تتكامل عناصرها مع عناصر المقاومة الوطنية والمجتمعية المماثلة للمجتمعات التي وقعت تحت الاحتلال الكولونيالي.

 إن فشل تسوية أوسلو، يزداد وضوحا، مع ازدياد أعداد المستوطنين في مستوطنات الضفة الغربية، بمقدار ثلاثة أضعاف ما كانته أعدادهم قبل ثماني عشرة سنة، فحكومات الاحتلال التي لم تلتزم تجميد البناء في المستوطنات، على الأقل منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو، أو بموجب خارطة الطريق، وما تلاها من اتفاقيات، وها هي إحداها (حكومة نتانياهو الائتلافية) تنسج على ذات المنوال، فتمضي في مراوغتها مواصلة الاستيطان كسياسة "قومية" تشهد إجماعا كبيرا؛ من قبل كل قوى الكيان السياسية والحزبية والاستيطانية.

 فشل تسوية أوسلو بما فيها مفاوضات التقارب، وحتى المفاوضات المباشرة الموعودة، يؤكدها تقرير منظمة بيتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان، الذي نشرته يوم الثلاثاء 6 تموز (يوليو) تحت عنوان "جميع الوسائل مشروعة"، وذكرت فيه أنه وعلى رغم أن المساحة المبنية في المستوطنات تصل اليوم إلى حوالي واحد بالمائة من مساحة الضفة الغربية، إلاّ أن مساحات النفوذ البلدية للمستوطنات والمساحات التابعة للمجالس الإقليمية تسيطر على أكثر من 42 بالمائة من مجمل مساحة الضفة الغربية، حيث يعيش حوالي نصف مليون إسرائيلي، أكثر من 300 ألف منهم يعيشون في 121 مستوطنة وحوالي مائة بؤرة استيطانية، أما الباقي فإنهم يعيشون في 12 مستوطنة مقامة في الأراضي التي ضُمت إلى منطقة نفوذ بلدية القدس.

 وسواء "ضحك الحظ" لميتشيل لتخرجه "وقائع جديدة" يجري الرهان عليها من إحباطاته، أو عرف نتانياهو كيف يخرج من شرنقة شروط اليمين، ورؤى واشنطن لطلب المساعدة إزاء استراتيجيتي خروجها المتعثرة في كل من العراق وأفغانستان، وأزمة الملف النووي الإيراني، فإن بقرة الاستيطان "المقدسة" وبتمويل من دافعي الضرائب الأميركيين، سوف تبقى تمنع الاقتراب من التسوية ومفاوضاتها المباشرة، وإن اقتربت فلأهداف أخرى ليس من بينها بالطبع؛ أي هدف جوهري، يصب في صالح الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية ومشروعه الوطني.

 وبانتظار البدء بإجراء المفاوضات غير المباشرة، والبحث في آلياتها الموعودة، لا تملك حكومة ائتلاف اليمين المتطرف بتوجهاتها الليكودية، وبعد استعادة توافقاتها مع الإدارة الأميركية؛ الإّ المضي بمشاريعها الاستيطانية، كونها "بقرتها المقدسة"، البقرة التي لن يجف ضرعها إلاّ بعد أن يجف ضرع الأرض الفلسطينية، ليجري إخضاعها وبالكامل؛ جغرافيا وديموغرافيا لـ "دولة يهودية مكتملة".!

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 15/تموز/2010 - 2/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م