الكاتب علي حسين عبيد: لم نتوصل بعد إلى كتابة القصص العظيمة

السرد العراقي لم يصل إلى غايته أو ما يستحقه إلى الآن

حاورته: رنا عبد الحليم/النجف

 

شبكة النبأ: بلا مقدمات أو رتوش، التقيت الأديب علي حسين عبيد في اتحاد ادباء النجف عند تسلمه لجائزته في القصة القصيرة التي سماها الاتحاد في دورتها الاولى -بجائزة جعفر الخليلي- كان ذلك في صيف العام الماضي، وأرسلتُ له هذه الأسئلة في حينها لكنه أجاب عنها قبل أيام، وأضعها بدوري بين يدي القراء مباشرة.

 * حكاية القصة في أدبيات علي حسين عبيد كيف بدأت وبأي شكل تبلورت?

 - بدأت خطواتي مع الحكاية او القصة في مرحلة الدراسة المتوسطة حين شعرت بالحاجة الى تدوين ما يحدث في يومي، وشرعت بذلك إذ كتبت حتى أبسط ما كان يحدث، وامتلأ الدفتر الاول  (100 ورقة) بتفاصيل يومية عادية جدا، وهكذا الثاني والثالث، كتبت ذلك بخط من الدرجة الثالثة او أقل، وأفضل ما فعلته انني احتفظت بهذه اليوميات، ثم انتقلت الى كتابة قصتي الاولى كانت بطلتها جدتي ولازلت احتفظ بها أيضا لأنها لم تُنشر كونها غير صالحة لذلك، أما مرحلة التبلور فقد بدأت مع قصتي الاولى التي حملت عنوان (الحلم، نُشرت في الطليعة الادبية /ع 11/ 1983) فمنحتني تأشيرة الدخول الى عالم الحكاية والقصة معا.

* قصص علي حسين عبيد إلى أين تنتمي برأيه؟ إلى جذوره وطفولته التي لم يتجاوزها في أدبه؟ أم يكتب بنفس كل عمر طواه من طفولة وشباب ورجولة ؟

 - للطفولة وقعها الخاص بطبيعة الحال فهي فرضت نفسها على خريطتي السردية وإن كان ذلك على نحو غير مباشر، بمعنى ثمة أطفال هم ابطال لكثير من قصصي، ربما هم (أنا) أو أصدقاء لي في تلك المرحلة، بعضهم كان قويا وآخر عنيدا وثالث لا حول له ولا قوة، كانوا أطفالا لهم دور ولا يمكن إغفالهم، وللشباب والكهولة دورها أيضا كما في روايتي الأخيرة (تدوينات لاجئ الى الجحيم) إذ أن بطلها طفل (في الخمسين من عمره!!) وليس هذا عجيبا او مستغربا، فحياتنا تنطوي على مثل هؤلاء، رجال في الخمسين من أعمارهم ويسلكون سلوك الاطفال في براءتهم وحيويتهم ونزقهم وطلباتهم التي تبدو شديدة الغرابة ولا تنسجم قط مع أعمارهم، هي بطبيعة الحال انعكاس للحرمان في الطفولة، وإلا ما معنى أن يطلب رجل خمسيني ما يطلبه الأطفال في أعمار دون العاشرة!.

 * المرأة في قصصك هل كانت المحور الدائم أم تغلب الرجل عليها في مضامين السرد الروائي والقصصي؟

 - أظن أن المرأة أخذت من عوالمي الكثير بموازاة الطفل وما تبقى -وهو قليل- كان من حصة الرجل، ولعل هذه قسمة ضيزى كما يُقال، ولكن هذا هو الاستحقاق الذي فرض نفسه على كتاباتي السردية في القصة والرواية، فالطفل كما قلت هو أنا ولذلك ليس غريبا أن تجدي بصماته واضحة في معظم سردياتي، كما أنني أتمتع بعلاقة خالدة مع المرأة بدأت عندما كنت طفلا (خمس سنوات) وارتبطت مع إمرأة كانت تكبرني حينها بربع قرن، وعندما أقول إرتبطت أعني بأنني (أحببت وتعلقت بها) ولذلك يتجدد وجودها في كل ما كتبت وأكتب، مع انها فارقتني منذ أربعين عاما، ولا أعلم هل ماتت أم انها على قيد الحياة!!.

 * برأيك هل ترى ان فن القصة العراقية أحدث قفزة ام لا زال الشعر يهيمن على ساحة الادب العراقية ساحبا الاضواء عن القاصين العراقيين؟.

 - ببساطة أجيبك بنعم ولا في آن، فأن تكون القصة أحدثت قفزة في نشاطها وحضورها، أقول نعم أنها حاضرة ومتفاعلة بعيدا عن لغة القفزات، أما الشعر فبرغم خفوته وتراجعه في العقد الأخير، إلا انه لا يزال يمسك بالزمام، بمعنى أن الشعر حاضر بحجم أكبر لكن الخطورة تكمن في المستقبل القريب وربما الراهن، فالسرد كما هو ملاحَظ على الارض لاسيما الرواية أخذت تسحب البساط من تحت الشعر ليس هذا في العراق وحده بل على المستويين العربي والعالمي، لذا أصبح يقول بعضهم إن مستقبل الأدب يكمن في الرواية لا غيرها !!. وقد أفادت بعض الاستفتاءات القريبة عن إقبال متقدم للرواية على غيرها ليس في مجال الادب بل والفكر عموما، كما حدث في السعودية قبل شهور.

 * فوزك بالمراكز الثلاث الاولى في اكثر من مسابقة عراقية وعربية ماذا يشكل لك، هل هو تحد أم حافز لابداع أكثر؟.

 - إنه يجمع الاثنين طبعا، فهو يشكل تحديا قويا للتواصل المجدي والمختلف عما مضى، ويشكل أيضا حافزا لانتاج أكثر نضجا...

 * القصة العراقية ماذا تشكل برأيك أي جزء من هرم القصة العربية؟.

 - لا أعرف كيف أجيب بالضبط عن هذا السؤال، ربما يحدث بعض الانحياز في ذلك، ولكن أقول إن قصتنا الآن ربما تراجعت عما كانت عليه من قبل، مع اننا استطعنا ان نلج آفاقا أوسع من خلال شبكة الانترنيت، ربما أكون مخطئا وقد يكون شعورا لا أساس له على أرض الواقع، وعندما نتحدث عن مكاننا في الهرم القصصي العربي، أقول ربما نقف الآن في النصف الأعلى في الهرم وليس على قمته.

 * كيف بدأت انعطافة قلمك نحو كتابة القصة القصيرة؟.

 - يعرف بعض الاصدقاء الادباء أنني بدأت شاعرا ونشرت عددا من قصائدي في النصف الثاني من السبعينيات، لكن تحت هاجس اليوميات وكتابتها، وضمور مديات الشعر في احتواء خلجات النفس مقابل اتساعها في ميادين السرد الفسيحة جعلني أقفز من الشعر في بواكير رحلتي مع الادب الى ساحة السرد فوجدت مكاني الصحيح والمناسب الذي فتح لي ذراعية وأعطاني متسعا من الرؤية وتحويل ما تنطوي عليه الذات من افكار ورؤى الى صور سردية مختلفة.

 * أين تجد المنافسة أشد مع المرأة القاصة أم مع القاص الرجل؟.

 كلاهما يشكل منافسا قويا، لكن المرأة عندما تتفوق عليك، يحدث نوع خاص من الخوف لا يشبه خوف المنافسة مع القاص او السارد الرجل !! لا أعرف بالتحديد أين يكمن السبب في ذلك، ولكن عندما أقرأ مثلا للكاتبة لطفية الدليمي أشعر بالخوف منها، وهو الخوف الذي يدفع الى التخلص من الخطر، والخطر هنا يكمن في كتابتي لقصة او رواية فاشلة، بمعنى إنني حين قرأت آخر روايات الكاتبة الكبيرة لطفية الدليمي (نشرت منها فصول في موقع الكتروني/ بنات زحل) شعرت بالخطورة التي دفعتني الى التفكير بكتابة ما يفوق ذلك، وهذا نوع من (الخوف المفيد) كما يبدو، وفي ضوء ذلك بعثت برسالة تهنئة للكاتبة، وهكذا تبدو المنافسة مع المرأة القاصة ذات طابع خاص، مخيف ومفيد في آن، بقدر ما يتعلق الامر بي على الأقل. 

 * قصصك الفائزة بجوائز هل كانت حواء محورها أم طغيان آدم القبلي؟.

 - لا هذه ولا ذاك، ما فزت به مؤخرا يتعلق تحديدا بتجربة التهريب التي خضتها قبل أعوام، وما تخللها من مآس تتعلق بحاضر الانسان ومصيره والنهايات المؤسفة التي تنتج عن بحثه وسعيه الدؤوب للارتقاء الى حالة عيش أفضل، هنا لا يتعلق الامر بمقدار السعي والجهد ومشروعيته وأصالته وصحته وخطأه، وكأن الاقدار تتحكم بنا حسبما يحلو لها بغض النظر عن درجة او طبيعة السعي وما ينتج عنه، إنها باختصار حالة الذهول والأسف ازاء نتائج مؤذية بل وقاسية لا تتفق مع المقدمات مطلقا!!.

* ملامح الشرق في القصة العراقية هل تعتقد انها سترتقي بها للعالمية خصوصا وان اعظم كتاب القصة في العالم تكمن سر عظمتهم في كتابة ملامح شعوبهم بلغتهم الادبية؟

 - أظن أن العراقيين لم يتوصلوا بعد الى كتابة القصص العظيمة، وهذا ليس انتقاصا لأحد، بل هو التطور المتدرج للحياة وللأمم عموما، فمن كتبوا قصتهم العظيمة لم يحدث هذا لديهم بين ليلة وضحاها ولم يخرج عن قانون التدرج في طبيعة نمو الاشياء، لذلك أقول أن القصص التي كتبت عن الاجواء العراقية المحلية كقصص الاهوار والواقع الاجتماعي العراقي او القصص التي اعتمدت الاساطير العراقية القديمة وغير ذلك لم تصل الى درجة العظمة ليس لقصور فيها إنما لا تزال في مراحل تطورها نحو الافضل، وهو أمر لا ينتقص من واقع القصة العراقية، ولعلها غير معنية بملامح الشرق، فهذا عنوان واسع وفضفاض، قد لا يُتاح للقصة العراقية احتوائه، وعلى العموم نحن نسير في الطريق السردي الصحيح.

 * إلامَ تعزو سبب عدم استحقاق القصة العراقية حقها الشرعي؟ هل سببه قلة اجتهاد القصاصين العراقيين أم مزاحمة القصة العربية لها؟

 - لا أعرف ماذا تعنين بحقها الشرعي، وهل هناك من تجاوز على هذا الحق، فالقصاصون العراقيون سواء الرواد منهم أو من تلاهم، قدموا ولا يزلون صورة فاعلة للقصة او السرد العراقي، ودليلنا، ما يُعلن في المحافل العربية، صحيح إن السرد العراقي لم يصل الى غايته او ما يستحقه الى الآن، والسبب لا يكمن بقصور السرد فقط، بل في آليات التوصيل والاعلان وصنع النجم الكاتب والكتاب النجم وما شابه من هذه الآليات التي باتت تتحكم في عرض الابداع وتوصيله ونشره وجعله مقبولا او مشهورا دون غيره، لكنني استطيع أن أقول أن السارد العراقي له حضوره وأن القصة والسرد العراقي لهما حضورهما ايضا، وهذا ما لمسته على الأقل من احتفاء الادباء المغاربة بي حين أسهمت بشهادة عن السارد المغربي الراحل محمد زفزاف في ذكراه الرابعة (أي قبل ثلاثة اعوام من الآن) وكيف كانوا ينظرون الى القصة والى الادباء العراقيين ومكانتهم بينهم.

لذا وإن كانت ثمة مزاحمة بين القصتين العراقية والعربية فهي لن تصب بالاتجاه المضاد بل ستسهم في تطوير هذا الفن من خلال صنع أجواء التحفيز الجيدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 14/تموز/2010 - 1/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م