رغم أن الحديث عن حكومة مثالية هو ضرب من الأحلام ولكن يبقى المثال
هو المثال الذي تطمح له الشعوب وتسعى إليه، فنحن نرغب في حكومة قوية
ملكوتية متآخية التكوين تحب السلام وترغب في السعادة والأمان تتعاون
فيما بينها ومع كل القوى الأخرى الشريفة في العالم من أجل أن تحقق
طموحات شعبها وتوفر له الخدمات بحيث يشعر المواطن أن حقوقه مصانة
وكرامته محفوظة وذلك عندما يطمئن أن الرجل المناسب في المكان المناسب.
وأما على أرض الواقع فنحن نتعامل بجدية عامِلِين مثابِرِين من أجل
المشروع الوطني العام الذي يقضي على الأزمات من خلال المرور بمرحلة
تغيير نوعي يخلق روح المواطنة الصالحة في الإنسان ويعالج حالة التردي
والهبوط في هذه الروح، ويحاول أن يجدد الهوية الوطنية للأفراد على أساس
التقوى ونكران الذات والشجاعة في الدفاع عن الحق.
وفي هذه المرحلة الحرجة من تأريخ المؤسسة الديمقراطية في العراق
لابد من معالجة أوجاع مفاصل العملية السياسية التي تئن من آلآم
المحاصصة والشراكة ناهيك عن المعاناة بسبب حالات الطائفية والعنصرية
وصعود طبقة المنتفعين من أصحاب المصالح الفئوية والحزبية وتسلق عصابات
البعث ذات الوجوه المتعددة.
وإنطلاقاً من مفهوم الديمقراطية فإنها بالمفهوم السياسي عليها أن
تفسح المجال لمجموعة تتصدى للحكم على أساس أنها تحمل برنامج ومشروع لحل
المشاكل العالقة والمؤسسة الديمقراطية الناشئة في العراق وهي أشبه
بسفينة تحمل معها كل غث وسمين وفيها من يصفق لليلى ليجلس في البرلمان
ويتكلم بإسم الشعب ويتطلع الى أن يبني لهم بيوت العناكب.
فهؤلاء ومن باب المحاصصة اللعينة فسروها بأهمية مشاركة البعثيين
والفئات المنعمة زمن صدام أولئك الذين تنهق لهم الدول الإقليمية ليل
نهار للحصول على الحصة والمغنم بحرمان الشعب العراقي المظلوم مرة أخرى
بإسم محاربة النزعة الطائفية والعنصرية وهي تكرس للطائفية والعنصرية من
جديد ليبقى العراق مرهوناً بهما بنفس اللون الذي عشش فيه صدام وحزبه
الذي سخر الكل لأجل البعض ولازال هذا البعض قائم لحد هذا اليوم يزرع
الفتنة دون جدوى.
وأما الكفاءة فهي غائبة مادامت تلك الزمر التي رفعتها أصوات ناخبيها
من خونة الشعب وجلاديه بعد أن سجل مقياس الوطنية درجة هابطة من الوطنية
قياساً الى مقياس الإهتزاز في درجات الحس الوطني خصوصاً عند بعض النخب
السياسية التي لاتفقه أن التعامل مع هذا الحزب محرم مادام هذا الحزب
لاينزع ثيابه الحمراء.
ولقد أستنزف أعداء الشعب كل الشعارات الوطنية للعدوان على الشعب
المظلوم الذي ظل يئن من فعل المتلبسين برداء المقاومة التي في حقيقتها
لاتقاوم المحتل إذ هي التاركة له في الميدان في الوقت التي توجه كل
بارودها وحديدها الى صدور العراقيين الشرفاء كما كان يفعل صدام في
الخفاء وهي صورة أفعال الجبناء وقد صدق الإمام الحسن بن علي عليه
السلام حينما قال أن الجبن هو الجرأة على الصديق والنكول عند العدو
فكيف بهؤلاء الغدرة وهم يوجهون أسلحتهم لأبناء الشعب كما فعل قابيل
حبيب صدام لأخيه هابيل والحقيقة التي يجب أن تقال أن شعب العراق ليس
شعبهم فهم مختصبون ومجرمون.
لقد ضرب الذين يدعون المقاومة مثالاً نادراً ليس له نظير في تأريخ
البشرية إذ لم تقاتل هذه المقاومة الجبانة غير الشعب ولم ترفع عياراً
خفيفاً أو ثقيلاً بوجه المحتل والعجيب أنها لاتستحي أن تسمي نفسها
بالمقاومة فأية مقاومة هذه عندما تقارن بالمقاومة في أفغانستان وهي
حالة شبيهة تماماً بحالة العراق فهل تحس ممن يدعي المقاومة في العراق
له حساً؟
وبعد أن مر العراق بمرحلة صعبة جداً لابد للشعب أن يعي جيداً أن كل
ماجرى كان خدعة إلتفَّتْ على جميع العراقيين وطعنتهم في ظهورهم وسرقت
منهم فرحة إسقاط النظام وموت الطاغية إذ لم تكن هذه إلاّ لعبة حرقت
الأخضر واليابس من البقية الباقية من أبناء شعبنا المظلوم ولابد أن
نحدد أعدائنا من أصدقائنا ولتكن المعركة ذكية وعلى كل العراقيين أن
يأتلفوا إئتلافاً وطنياً نوعياً ويوحدوا صفوفهم لمواجهة الهجمة الغادرة
وليوقفوا الرياح الصفراء التي تهب عليهم من الخارج وأصبح من الواجب
عليهم أن تسودهم الوحدة والإنسجام وأن يقدموا المصالح العليا للشعب
العراقي بالشكل الإيجابي وحماية المشروع الديمقراطي بدرء خطر الحزبية
وهو أبسط متطلبات العمل السياسي الذي لابد له أن يتمتع بالمرونة
والجدية في التعامل مع القضايا والمشاكل الآنية.
إن ما كنا ننتظره بعد سقوط النظام الفاسد هو تقارب الكتل
والإئتلافات والأحزاب باعتبار انتهاء حالة النضال السلبي والبدء
والشروع بعملية الإصلاح وتوحيد الجهد والكلمة دون النظر الى تحديد
النسب والمقاعد وكنا نأمل التنافس على الإصلاح السياسي النوعي بدفع
الكفاءات المهنية وتشكيل حكومة افعال لا أقوال فهل كانت الأحزاب حريصة
فعلاً على مثل هذا الإتجاه؟
إن البرنامج الحكومي يعني الإتفاق على المشروع والخطة التي تحقق
الأهداف المرجوة ومنها تحقيق سعادة الشعب بإنهاء البطالة وبسط القانون
والمحافظة على النظام وتلبية المطالب الشعبية وفي العراق فإن من
الأولويات تذكرالأرامل والأيتام وعوائل الشهداء والفقراء والمحرومين
وتوفير الخدمات الضرورية ومنها الكهرباء لما لهذه الطاقة من شأن كبير
في الحياة اليومية.
ولقد شاءت الأقدار أن يواجه العراقيون الكثير من الأعداء والضغوط
الخارجية التي مابرحت تحاول تعطيل المسيرة وتحرض على إستعداء العراق
وشعبه ولقد مارست الدول دعايتها السياسية الكاذبة في أوقات المحنة
خصوصاً في مراحل مواجهة الفساد السياسي بسبب تغلغل وإندساس فرق النظام
السابق داخل المؤسسات الدستورية وفي مختلف أجهزة دوائر الدولة الحساسة.
إن المرحلة القادمة تحتاج الى تطور نوعي في سبيل إلغاء الإتجاهات
السياسية العنصرية والطائفية والحزبية ومحاولة تذويب تلك الإتجاهات على
أن تصب في مصلحة البلاد وتمنع الممارسات الإقصائية لأي طرف مع أحترام
الأطياف والعمل على غرس روح المحبة والتعاون وعدم التمييز.
وأما بالنسبة للدور الإقليمي السيئ فلابد من العمل على إيقافه
وتهدئه الضغوط الخارجية التي مافتئت تكيد للعراق لتعطل مسيرته السياسية
ولتجني منها الأرباح أفعالهم المشينة.
وبودنا أن نشير الى ضرورة الخروج من نفق الإعتماد على رأي المرجعية
لأن إعتمادهم في كل مرة دليل على عدم إرتقاء السياسيين الى حالة الوحدة
والترابط والإنسجام فيما بينهم وحسم أمورهم بالإتجاه الذي يكسبون فيه
رضا الشعب. فلندع المرجعية صمام الأمان من ربق الفتن الخارجية
والداخلية على وجه الخصوص، وعلى سياسي العراق أن يحلوا مشاكلهم بالسرعة
الممكنة دون أن يرهقوا المرجعية بتوافه الأمور.
إننا نحتاج الى وزارات تستطيع أن تدافع عن العراق وتحمي شعبه وتعزز
مكانته، ونريد أن نشهد أداءاً يستطيع أن يخنق الأزمات ويقضي عليها في
مهدها ويرتقي الى عمل جاد ورصين ولن يكون ذلك إلاّ بالقضاء على الفساد
بكل أنواعه.
وفي الختام نأمل أن تشهد المرحلة القادمة تعميقاً للممارسة
الديمقراطية الفتية لإختيار الرئاسات الثلاث وأن نختار حكومة قوية تقوم
على مبدأ الكفاءة والإخلاص دون النظر الى أية إعتبارات أخرى لاتخدم
الشعب ومستقبل العملية السياسية، وفق الله جميع العاملين المخلصين
وعليهم إبتغاء مرضاة الله الذي ليس لنا منقذ من هذا الواقع سواه، وبه
نستعين. |