فوبيا الآخر وسوء الظن

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ثمة ظاهرة تنتشر بين أفراد ومكونات المجتمعات المنغلقة يمكن أن نطلق عليها ظاهرة فوبيا الآخر، وتعني خوف (الانسان فردا كان او جماعة) من الآخرين وتقديم سوء الظن بهم على كل شيء آخر، والسبب كما يراه المعنيون يكمن في حالة الانغلاق التي تعيشها بعض المجتمعات وتحاول أن تفتعل الخوف من الآخر، فتتحصَّن بما لديها من تقاليد وسلوكيات وأفكار قارّة لا تقبل الانفتاح على التجارب الانسانية الاخرى والتفاعل معها، لأن المجتمعات الساكنة تخشى التجديد والتنوع أيا كان مصدره أو جوهره طالما انه يشكل تجاوزا على الأنماط الحياتية الجامدة التي تطبع تفاصيل وحيثيات أنشطتها ذات البعد الواحد.

إن الفرد او الجماعة في المجتمع المنغلق غالبا ما يشعرون بعداء الآخرين لهم مع أن هذا الشعور لا يستند الى ركيزة واقعية ولا يُستَمد من الافعال او الافكار القائمة على الارض، بل هي سلسلة من التخيلات وردود الافعال الشعورية السيئة التي تفرزها عقول وشخصيات لم يتهيّأ لها نمط العيش والتربية والتعليم اللائق والمناسب لها، وأول الأسباب التي تصنع مثل هؤلاء الافراد او الجماعات هي سوء الظن بالآخرين مما يقود الى التخوّف المسبق والانغلاق الناتج عن حالات التخوّف غير المبررة.

وإذا كان الفرد منغلقا نتيجة لسوء البيئة التي يتحرك وينشط فيها ويستمد منها كثيرا من صفاته وقدراته، فإن واجب النخب الثقافية والاجتماعية والسياسية والدينية وغيرها أن تساعد الافراد على تجاوز هذه المحنة، وأقول محنة لأنها تساعد بل وتعمل على بناء الشخصيات السلبية في المجتمع مما يؤدي الى انتشار وتنامي مثل هذه الشخصيات لدرجة التأثير الكبير والمباشر على أكبر عدد من الناس وهذا ما يقود بدوره الى خلق مجتمع هش مهزوز متحجر لا يقوى على التفاعل مع المجتمعات الاخرى ولا يستطيع أن يتعلم منها أو يأخذ من خبراتها الانسانية الجيدة ما يساعده على تحسين أنماط الحياة القابلة للتطور والتنامي على نحو مضطرد.

لهذا لابد أن تأخذ النخب المذكورة دورها في هذا المجال، فما بالك لو كانت هذه النخب أصلا بحاجة الى تنقية وتطوير في المجالين الفكري والسلوكي، بمعنى إذا كان علاج الافراد متوفرا لدى النخب المتقدمة يمكنها آنذاك أن تسهم بطريقة او أخرى ببناء شخصية متفاعلة منفتحة تتواءم ومتطلبات العصر، ولكن ما هو السبيل لتطوير الفرد إذا كانت النخب نفسها بحاجة الى تطوير؟.

إن الخطورة تبدو هنا عالية جدا، فلو كان الامر يتعلق بأفراد أو جماعات محددة فإن سبل المعالجة تكون ممكنة، ولكن حين يتعلق الامر بمرجعيات التصحيح والتطوير ونعني بها النخب المذكورة آنفا فإن معالجة الامر قطعا سيكون أكثر صعوبة بأضعاف مضاعفة، لهذا لابد أن تعي النخب نفسها خطورة هذه الظاهرة وضرورة التنبّه لها، بدءً من النخب نفسها مرورا بالجماعات والافراد.

فلا يجوز قطعا أن تتضارب النخب فيما بينها وتتخوف من بعضها وتزرع سوء الظن في تربتها وتطلب في الوقت نفسه من الافراد أن يبتعدوا عن سوء الظن  بالآخرين، بمعنى إن الضرورة تكمن في إصلاح النفس أولا ثم العبور الى إصلاح الافراد وإبعادهم عن التعامل المسبق مع بعضهم او مع غيرهم وفقا لسوء الظن الذي غالبا ما يخلق حالات من العداء غير المبررة ويضع المعرقلات الكثيرة التي تقف بوجه الافراد او الجماعات نحو التطور والانطلاق في الفضاءات الفكرية والعملية المتحررة.

على أننا يجب أن نتفق بأن مسؤولية النخب في هذا الاتجاه لا تعفي الفرد من مسؤوليته تجاه نفسه، كما أن هنالك دورا هاما للمحيط العائلي ناهيك عن الدور الحكومي والمؤسساتي الذي لابد أن يقوم بدوره في حث الفرد والجماعة على ضرورة نبذ ظاهرة التخوّف من الاخر والتخلي عن سوء الظن المسبق به.

ولابد أن يكون التعامل مع الآخر قائما على التبادل المنفعي في مجال الخبرات الحياتية المتنوعة، على أن نضع سوء الظن المسبق جانبا، مع أننا لا ينبغي أن نلغي حالات الاختيار والتدقيق والحذر من التجارب غير الملائمة، بمعنى لا يمكن أن نقبل بتمرير ما يسيء لنا بحجة الانفتاح على الآخر، وهنا ثمة حالة من التوازن تُتَّبع من قبل المعنيين تهدف الى وضع الحدود الواضحة والمقبولة بين حالة الانغلاق والخوف من الآخر وبين حالة الانفتاح اللامحدود وهي حالة ربما تقودنا الى ما لا يصب في صالحنا، وهنا يأتي دور النخب المتقدمة أيضا وتظهر مسؤولياتها في الاختيار والتعليم الأصوب من غيره.

وعلى العموم تبقى المجتمعات الواثقة من نفسها في حالة دائمة من الانفتاح والتعامل مع الآخر بما يحقق لها فوائد جمة ويبعد عنها أضرار الانغلاق والتخوّف من الآخر، ليصبح هذا السلوك المنفتح والواثق منظومة حياة تسير وفقها عموم شرائح ومكونات المجتمع الناجح.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/تموز/2010 - 29/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م