السجناء صنفان صنف ممن يستحقه لارتكابه حرام شرعا او جرم قانونا
وعرفا وصنف اخر بريء تلفق له تهمة سواء قصدا او من غير قصد المهم ان
هنالك سبب ادى الى السجن، بل وحتى في العراق زمن الطاغوت كان يعتقل
الابرياء ويعدمهم ومن ثم يعمل محكمة صورية ويصدر قرارات الاعدام ومن
هذا النحو اكتشف في العراق عشرات المقابر الجماعية.
الامام موسى بن جعفر عليه وعلى ابائه افضل الصلاة والسلام قبع في
سجون المهدي وهارون بضع سنوات والميزة التي يمتاز بها الامام الكاظم
عليه السلام دون سائر السجناء ان هارون القبيح لم يواجه الامام عليه
السلام وتوجيه التهمة له بل انه لم يعقد مجلس للقضاء لمحاكمة الامام
عليه السلام.
الرواية التي تتناقلها بعض الكتب وخطباء المنابر بان سبب الاعتقال
هو لما وجه هارون سلامه الى النبي محمد (ص) قال السلام عليك ياعم وكان
الامام عليه السلام حاضرا في المدينة فقال السلام عليك يا ابه الى
نهاية الرواية، هنا احتقن هارون غيظا على الامام وامر باعتقاله.
والمتتبع لتفاصيل حياة الامام عليه السلام يتضح له ان سبب اعتقاله
هذا ليس بصحيح حيث ان العداء لاهل بيت النبوة امر مفروغ منه ولكن هذا
العداء كثيرا ما يفصح عنه المبغضون بانهم يزاحمونهم على الخلافة وكثيرا
ما يبعثون الجواسيس للايقاع بهم.
بعض كتب النواصب تدعي ان سبب اعتقال الامام عليه السلام هو هشام بن
الحكم عندما ادعى ان الامام موسى عليه السلام هو الاحق في الخلافة في
مجلس يحيى بن خالد وكان هارون متخفيا في المجلس وعلى اثر ذلك اعتقل
الامام وقتل في سجنه اعتمدوا في قولهم هذا على كتاب رجال الكشي حيث فيه
عبارة ان هشام بن الحكم ضال مضل ص226)،ولتوضيح ذلك ورفع الطعون عن هذ
الصحابي الجليل للائمة عليهم السلام نقول:
ان كتاب رجال الكشي لمؤلفه المتوفي عام 350هـ كان مفقودا وانه تم
تحريفه بعد ان اعيد طباعته وقد حذفت وادخلت معلومات لا تتفق والمذهب
الامامي من الإشكالات على الكتاب: يقول النوري الطبرسي: (إن الكشي
كثيراً ما يعوّل في الجرح والتعديل على غير الإمامية، فلاحظ)، خاتمة
مستدرك الوسائل (5 / 78)،والروايات في الرواة متناقضة كثيراً حتى في
أوثق الرواة عند الشيعة وهو (زرارة بن أعين).
الكتاب تعرض للكثير من العبث والتحريف باعتراف أحد علماء الإثنى
عشرية، يقول النوري الطبرسي: (واعلم أنه قد ظهر لنا من بعض القرائن أنه
قد وقع في اختيار الشيخ - أيضاً - تصرف من بعض العلماء أو النساخ
بإسقاط بعض ما فيه، وأن الدائر في هذه الأعصار غير حاو ٍ لتمام ما في
الاختيار، ولم أرَ من تنبه لذلك، ولا وحشة من هذه الدعوى بعد وجود
القرائن).
كما أن الكتاب الأصل مفقود والموجود هو مختصره للطوسي، فالأصل مفقود
وهو والمختصر مليئان بالتحريفات، فكيف يعتمد القوم على مثل هذه الكتب
الساقطة علمياً ؟ وروى الكشي حديث وشاية محمد بن اسماعيل على عمه بما
يقرب من رواية هشام وهذا التناقض يسقط الرواية
والاصل المعتمد لدى الشيعة الامامية في الوقت الحاضر هو كتاب معجم
رجال الحديث للسيد ابي القاسم الخوئي قدس سره.
من جانب اخر هنالك كثير من الروايات التي تتحدث عن علم الامام عليه
السلام بمن سيقوم بالوشاية به ظلما فقد جاء في رواية الكليني قال علي
بن جعفر مخاطبا الامام الكاظم عليه السلام: قد جئتك في أمر ان تره
صوابا فالله وفق له وان كان غير ذلك فما اكثر ما نخطيء، قال: وما هو؟
قلت: هذا ابن أخيك يريد ان يودعك ويخرج الى بغداد، فقال لي ادعه،
فدعوته وكان متنحياً فدنا منه وقبل رأسه وقال: جعلت فداك، أوصني، فقال:
اوصيك ان تتقي الله في دمي، فقال مجيباً له: من ارادك بسوء فعل الله به
وجعل يدعو على من يريده بسوء، ثم عاد وقبل رأسه وقال: يا عم اوصني
فقال: اوصيك ان تتقي الله في دمي، ثم تنحى عنه ومضيت معه، فقال لي اخي.
مكانك فوقفت مكاني ودخل منزله، ثم دعاني فدخلت اليه فتناول صرة فيها
مائة دينار وقال: اعطها لابن اخيك يستعين بها على سفره، قال علي بن
اسماعيل: فأخذتها، ثم ناولني مائة اخرى وقال لي: اعطه اياها، وناولني
صرة ثالثة وقال: اعطه اياها، فقلت: جعلت فداك اذا كنت تخاف منه مثل
الذي ذكرت، فلم تعينه على نفسك، فقال: اذا وصلته وقطعني قطع الله اجله،
ثم تناول مخدة أدم فيها ثلاثة آلاف درهم وقال: اعطه هذه ايضا، قال علي
بن جعفر: فخرجت اليه وأعطيته المائة الأولى ففرح بها ودعا لعمه، ثم
اعطيته الثانية والثالثة ففرح بهما حتى ظننت انه سيرجع ولا يخرج
لبغداد، ثم اعطيته الدراهم...لاحظوا منحة الامام (ع) للواشي علي وحتى
لاتكون له حجة امام هارون اذا اغراه بالمال، فمضى على وجهه حتى دخل على
هارون فسلم عليه بالخلافة وقال: ما ظننت ان في الأرض خليفتين حتى رأيت
عمي موسى بن جعفر يسلم عليه بالخلافة، فأرسل اليه هارون مائة الف درهم
فرماه الله بالذبحة فما نظر منها الى درهم ولا مسه، وفي بعض الروايات
ان الواشي هو علي بن اسماعيل. |