شراكة الآباء والأبناء في تحقيق التربية السليمة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يدرك الآباء بالفطرة أنهم ملزمون بتحقيق النجاح في تربية أبنائهم وإيصالهم الى أرقى درجات التطور من خلال بناء الشخصية المستقلة لهم والقادرة على استخدام مواهبها وقدراتها على الوجه الأمثل، بل يرى الآباء نجاحهم في الحياة وقد تحقق وتجسد لهم بالنجاحات التي يحققها أبناؤهم على مستوى التفكير والسلوك والعمل والانتاج في جميع مضامير الحياة.

لذلك لابد أن ينجح الآباء في تربية أولادهم لكي يتحقق دورهم الأصوب في الحياة وخلافه سيكون الانسان فاشلا بطبيعة الحال بل غالبا ما يشكل عبءً على المجتمع بشكل عام وعلى نفسه أولا، بيد أن نجاح الآباء في التعامل مع اولادهم بصورة جيدة وبما يحقق أفضل النتائج لا يتحقق عشوائيا، بل لابد أن تكون هناك خطوات مخطط لها سلفا يسير على وفقها الأب لكي يصل الى مبتغاه، ومن يفشل منهم لابد أنه يفشل في الوصول الى غايته في رؤية أولاده ناجحين متفوقين.

ويجب أن يتفق الآباء جميعا على أن (تربية أطفال ذوي سلوك قويم ليس بالامر السهل، فالعديد من الآباء يفشلون في اداء تلك المهمة، ولا يرجع ذلك الى عدم توافقهم او قلة حبهم لابنائهم او لأنهم لا يتمنون لهم كل خير ولكن يرجع ذلك الى أنهم متناقضون مع أنفسهم ومن أشكال هذا التناقض أنهم يتصفون بالمماطلة حيث يوجهون العديد من التحضيرات ثم لا يتابعونها، أو يتفوهون بأشياء لا يقصدونها، إنهم يتصفون بنفاذ الصبر، ويوقعون العقاب على الأبناء لحظة غضبهم) كما يرى ذلك د . سال شيفر.

إذن من الواضح أن الخطأ يبدأ من سلوك الأب وخطواته الاجرائية التي قد لا تقود الى الهدف المبتغى بسبب إهماله وتقاعسه عن عمد او خلاف ذلك في طريقة التعامل مع أبنائه، حيث غالبا ما يميل الآباء غير الناجحين الى السلبية لا الى الايجابية حيث تكثر لديهم حالة الانتقاد المتواصل والتركيز على الأخطاء مهما بلغت من الصغر وعدم التأثير فيعطونها حجما أكبر من تأثيرها الواقعي بكثير وبهذا يصاب الابناء بحالة إحباط لا مناص منها بسبب التركيز الدائم وغير المناسب للاباء على أخطاء أبنائهم بدلا من التركيز على حالات التصويب والتقويم واطلاق الملكات الجيدة التي يمتلكها الابناء في شخصياتهم وقدراتهم التي يستطيع الآباء اقتناصها من خلال الدقة والتركيز على متابعة سلوكيات وأفكار أبنائهم ومن ثم تشجيعهم على المزيد من الاعمال الجيدة التي تتوافق مع قدراتهم وهواياتهم وتطلعاتهم في آن واحد.

وهنا يتساءل د . سال شيفر في كتابه التربوي المهم " كيف تكون قدوة حسنة لابنائك" عن العوامل التي تدعم الأبوة الناجحة ويجيب عن ذلك بقوله:

)ان الآباء والابناء شريكان في عملية ضبط السلوك، فالآباء الناجحون يدركون ان عملية ضبط السلوك عبارة عن عملية تعليمية وليست عملية عقاب، فهم يفهمون ان سلوكهم وانفعالاتهم يكون لها الاثر الاكبر على سلوك وانفعالات الابناء، والآباء الناجحون يضطلعون بالقدر الاكبر من المسؤولية فهم يقومون بتركيز انتباههم وطاقاتهم على الجوانب الايجابية فقط من سلوك الابناء، بل ويعملون على استبقائها، وليس التحكم فيها والتأثي عليها، كما يعلم الاباء الناجحون ابناءهم أن يتدبروا أمورهم بانفسهم ويعلمونهم كيفية ضبط النفس وكيف ينبع الأي من داخلهم).

وبهذا يكون الابن قد حقق درجة عالية من الاستقلالية والثقة بالنفس من خلال مساعدة الاب له في خلق وبناء الشخصية الفاعلة والمتوازنة في آن، ولا يوجد ضير حين يتعلم الآباء من أبنائهم ايضا، طالما كانت العلاقة بينهما تبادلية، فليس الاب هو الصحيح دائما وليس الابن هو الخاطئ على الدوام، فقد يخطئ الاثنان وقد يصيبا في كثير من الاحيان، ولهذا نقرأ في الكتاب المذكور آنفا:

(ان الاباء الناجحون يكتسبون خبرتهم من ابنائهم ويطورون انماط تفاعلاتهم التي تقلل من السلوك السيء، فالاباء الناجحون لديهم ثبات على المبدأ، فهم لا يتنحون عما اتخذوه من قرارات ويواصلون حياتهم بهذا المبدأ حتى يتم انجاز ما يريدون وهم يصفون بقدرتهم على كبح غضبهم).

وقد أكد المصلحون والمعنيون دائما على أهمية التحكم بحالة الغضب ليس لدى الاب فحسب بل لدى الانسان عموما، لأن جميع القرارات الفعلية واللفظية التي تُتّخذ في حالة الغضب تكون خارج إطار الحكمة كونها خرجت من الانسان كرد فعل لحالة الاهتياج والغضب التي هيمنت عليه ودفعته لاتخاذ مثل هذه القرارات التي غالبا ما تكون خاطئة ومؤذية الى حد كبير.

لهذا تبقى العلاقة بين الآباء الناجحين وابنائهم علاقة تبادلية قابلة للاستفادة المتبادلة ايضا، ولكن يبقى زمام المبادرة لدى الآباء دائما، وهكذا يرتبط نجاح أبنائهم بنجاحهم في تحقيق درجة عالية من قرارات وخيارت الشخصية الايجابية المتفائلة والحكيمة في آن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 8/تموز/2010 - 25/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م