حالتان متعاكستان تعيشها الكرة الأرضية عموما تتمثل الأولى في حالة
الرقي المدني والعلمي والسياسي في جانبها الغربي الذي وصل حد علوم
الفضاء وتجاربه, فيما تعاني جهة الشرق الاسلامي والعربي منها حالة
مغايرة تماما, من انحدار وانحسار وتراجع في ابسط مقومات الحياة اليومية
فضلا عن باقي المرافق الأخرى.
الوضعية المتناقضة التي تعانيها المنظومة البشرية لم تكن وليدة
الفطرة الطبيعية وإنما هي نتاج لأفعال الإنسان العشوائية واللاعقلانية,
ففي عصور سابقة كانت الحالة معكوسة بكون شعوب الشرق أوسطية هي صاحبة
الثقافة والعلوم والاختراعات والحياة الحضرية فيما كانت شعوب الغرب
تعاني من حالة حروب بلا هوادة وانقسامات وحالة فوضوية ومعارك ضارية
استمرت لقرون.
غير إن النتائج الحالية تكشف عن استفادة الشعوب الأوربية من تجاربها
السابقة في معالجة الأخطاء وإبدالها بالخطوات الصحيحة للبناء والرقي,
قابلها تراجع الشعوب الشرقية في اغلب مرافق الحياة ولم تستطع حتى من
المحافظة على ما لديها من تاريخ زاخر بآلاف التجارب الناجحة, وبعيدا عن
الشرق والغرب فالنجاح يستحقه جميع بنو البشر وهذه حقيقة أزلية كون
النجاح حليف المثابر والمجد.
الفشل و النجاح
يعرف البعض النجاح بأنه الرغبة العميقة والشديدة في نفس الوقت أو
المتعة أو الواقعية فيما يقوم به الإنسان، وهو لا يقف عند حد تأدية
وظيفة أو عملاً وإنما إنجاز ما يحلم به الإنسان والمثابرة على ذلك مهما
واجهه من عناء أو صعاب أو رفض, وهو أيضا رحلة الاكتشاف التي تلازم
الإنسان منذ ميلاده حتى مماته ولا يقف أو يرتبط بعمر محدد وخير مثال
على ذلك اختيار (تشرشل) وهو يبلغ من العمر (66) عاماً ليكون رئيساً
لوزراء بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية في عام 1940 بالرغم من
انتهاء حياته السياسية فى عام 1932, ويمكن تعريف الفشل بأنه خلاف ما
ورد أعلاه.
يقول احد الباحثين في الفرق بين الناجح والفاشل بـان (الناجح ينظر
إلى المستقبل ويتطلع إلى ما هو ممكن... والفاشل ينظر إلى الماضي ويتطلع
إلى ما هو مستحيل) فيما يقول آخر(الناجح يقول: الحل صعب لكنه ممكن...
والفاشل يقول: الحل ممكن لكنه صعب).
أهم ما يعتري المجتمع الشرقي عموما:
1- الانهزامية النفسية، فالحالة التي تعيشها المجتمعات الشرقية
عموما هو الانهزاز الداخلي والخوف من المجهول, وهذا الخوف والقناعة
بالموجود أدى الى الجمود والاستلقاء على قاعدة (ليس بالإمكان أفضل مما
كان) وهي في الحقيقة موت سريري بطيء.
2- رؤية الفشل كنهاية لا كبداية، حيث تعتقد اغلب المجتمعات الشرقية
إن التجربة الفاشلة علامة سيئة في تاريخها تحاول التهرب منها او
نسيانها, غير إن العكس هو الصحيح فالفشل لم يأتي إلا في طريق البحث عن
النجاح وهو دليل على وجود الحركة والعمل التي تشمل كلا العنصرين، ولو
استمر الجهد سيصل بالنتيجة الى الهدف المبتغى في آخر المطاف, لان تحديد
الفشل يعني البحث عن نظيره.
3- ثقافة الاعتمادية واللامبالاة, قبال المهام والمسؤوليات التي يجب
أن يتحمل كل فرد جزء منها بقانون الحقوق والواجبات وهو قانون أخلاقي
اجتماعي ولد فطريا مع الإنسان قبل أن يُنظم بدساتير وتعليمات.
4- ضعف العمل الاجتماعي والتطوعي عموما وفقدان الشعور بوحدة النسيج
الإنساني, مما سهل حالة التجاوزات على الحقوق الإنسانية وارتكاب أبشع
المجازر بحقها.
5- الانشغال بالجزئيات وترك الأساسيات, وهذا بدوره شكل حلقة مفرغة
من الدوران في نقطة واحدة حول أهداف يومية وترك الأهداف الإستراتيجية.
6- غياب التخطيط والتنظيم الأساسيان، والتعامل مع الموضوعات بانية
ووقتية.
7- العمل بردود الأفعال وفقدان زمام المبادرة في أكثر الأعمال أهمية.
8- التعامل مع الأمور بأزمنة مفتوحة وعدم وضع أي قيمة للوقت.
9- تدني المستوى الثقافي فضلا عن مستوى التعليم الأساسي وشيوع ثقافة
المظاهر والدعاية, فالثقافة والعلوم هي التي ترسم للأجيال مسيرتها، وهي
التي تحدد طريقة تعامل الأمة مع الأحداث والوقائع، وهي التي تعين
مستقبل الأمة.
10- شيوع ثقافة الاستبداد والدكتاتورية والشمولية كثقافة اجتماعية
وأسرية إضافة للسياسة الحاكمة.
11- انتشار واتساع ثقافة العنف والتعصب والتطرف بشكل واسع.
12- فقدان الثقة المتبادلة بين الأفراد والمجتمعات عموما واستشراء
سوء الظن كأساس للتعامل مع الآخرين.
13- عدم فسح المجال للعلماء و أصحاب الاختصاص في ممارسة دورهم
الريادي في بناء المجتمع علميا واجتماعيا.
النجاح مكفول في:
1- الرجوع لحالة التوحد الإنساني واعتماد الإنسان كحالة عليا في
جميع المواقع ومن يتعد على هذه القيمة فهو متجاوز على وحدة ونسيج
الشخصية الإنسانية.
2- الترفع عن التوصيفات والتقسيمات الدينية والمذهبية والانطلاق في
عالم المشتركات والمتلاقيات.
3- التأكيد على الوعي بنوعيه العام والخاص، فالتوعية العامة (هي
التي تعمل على إعطاء الرشد الفكري لعامة الناس)، فيما تكون الخاصة (إعطاء
الوعي المركز العميق لكل أفراد التنظيم والمشرفين على العام.
4- احترام الإنسان لذاته وللآخرين.
5- العمل على جعل النظام والقانون فوق الجميع واقعا لا شعارا.
6- دفع الأفراد للتخصص في المجالات المختلفة وتسهيل طلب العلوم.
7- تجسيد مبدأ المساواة في جميع الجوانب, وتكون القيادات المثل
الأعلى في التطبيق.
8- الصراحة والمصارحة مع الجميع وتحمل المسؤولية بكل شجاعة.
9- العمل على جعل الوقت قيمة ثمينة ومهمة جدا في الحياة اليومية.
10- البدء ببناء الذات الإنسانية والعمل على إعادة الثقة لها
بقدرتها على تجاوز النكبات والترفع بها الى عالم الإبداع والنجاح
بالتركيز على المناطق المضيئة في المرحلة الحالية والسير نحو تصحيح
الأخطاء وأعمار ما هدمته سنوات الفشل والتخبط.
11-التنظيم والتخطيط نظريا وسلوكيا, ومن الضروري جدا أن يكون
التنظيم استشارياً، لا استبدادياً وان يكون حيويا لا صنميا، حيث يقول
المرجع الراحل الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في
كتابه (السبيل الى إنهاض المسلمين) إن (.. الاستشارية ما وضعت على شيء
إلا سببت تقدمه وازدهاره، بينما الاستبداد ما وضع على شيء إلا سبب
تأخره وانهياره..).
12- إتباع العلماء وأصحاب الاختصاص في جميع الميادين بشكل ترابطي
حيث تقول الجاسوسة البريطانية (مس بيل) في مذكراتها: (إننا وجدنا أن
الذين حاربونا في العراق إبان الحرب العالمية الأولى كانوا هم السبب
وراء فشلنا، وكان محركهم العلماء، وقد رأينا أن القضاء على هذه
المقاومة لا يتم إلا عبر فصل الشعب عن العلماء، بحيث لا يتبع الشعب
قيادته).
13- العمل على رفع مستوى الدخل اليومي للمواطن بشكل يتماشى مع
احتياجاته الإنسانية على اقل تقدير ففي الحديث النبوي المشهور( النفس
إذا أحرزت قوتها أطمئنت) والاطمئنان هنا سيوفر الثقة بالنفس والدفع نحو
الإبداع.
في إحدى الجلسات النقاشية أثار انتباهي احد المتحدثين وهو سماحة
السيد مهدي الشيرازي (دام عزه) بالتفاتة جميلة في إطار حديث موسع تفضل
به حول (لماذا فشل الشرق ونجح الغرب) بقوله (... إذا كنا لا نستطيع أن
نجسد أفكار الإسلام كمسلمين ولا يمكننا أن نكون مصاديق حقيقية لما
أراده رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وال بيته فلنر كيف نجح
الآخرون ولنعمل مثلهم على اقل تقدير...), هذه الالتفاتة كانت بحق قاعدة
مهمة يمكن أن نرتكز على خطوطها العريضة للانطلاق نحو التصحيح والنجاح
علنا في يوم من الأيام نجد أنفسنا قد نجحنا وهو بلا شك (صعب... ولكنه
ممكن ومتاح).
* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com |