تدوير النفايات لإعادة بناء الحياة

منازل عديمة الانبعاثات.. من حلم إلى حقيقة

شبكة النبأ: صرفَ مايكل رينولدز – المهندس الثائر ومناصر البيئة والرؤيوي – السنوات الأربعين الماضية وهو يناطح المؤسسة الهندسية المعمارية وقوانين التخطيط والفرز ويتحداها لبناء منازل "خارج الشبكة" لا تحتاج إلا لمقدار ضئيل من الطاقة، أو لا طاقة بالمرّة، ولا تصدر عنها أي انبعاثات للغازات المسببة للاحتباس الحراري. ويسمي رينولدز تلك المنازل "سفن الأرض." فهي مبان مكتفية ومستدامة ذاتيا تفيد إلى أقصى حد ممكن من المصادر المتجددة – كالشمس والرياح والمطر والثلج – للتدفئة والتبريد والإضاءة وجمع الماء وضخه ومعالجة مياه الصرف، وحتى إنتاج المواد الغذائية في مستنبتات داخلية. ويعود الفضل لمشاركة الأفراد والبلديات والحكومات المحلية في تمكنه من بناء 2,000 "سفينة أرضية" مأهولة وقيد الاستعمال اليوم في أنحاء مختلفة من العالم. بحسب موقع أميركا دوت غوف.

ويصف رينولدز سفنه الأرضية بأنها "منازل صفر الكربون" (لا تصدر عنها أي انبعاثات كربونية بالمرة) بنيت في معظمها من مواد توجد في مكبّات النفايات والمطامر المحلية كإطارات السيارات المستهلكة وعلب المشروبات والقوارير البلاستيكية والزجاجية وحتى الألواح المنتزعة من الثلاجات وآلات غسل الملابس. ويقول رينولدز إن "نسبة ما بين 30 و50 بالمئة من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون تصدر عن المباني مباشرة. ولذا فإنه لا بد من مسارعة التطوير الأخضر، التطوير القائم على صفر الكربون (لا كربون) إذا كان لنا أن نواكب تغير المناخ العالمي."

نشأ رينولدز، وهو ابن أم ربة بيت وأب حلاّب موزع للحليب، في مدينة لويفيل في ولاية كنتاكي ودرس الهندسة المعمارية في جامعة سنسيناتي. وانتقل بعد تخرّجه في العام 1969 بقليل إلى شمال ولاية نيو مكسيكو. وكردّ فعل له على التقارير الإخبارية التي تناولت آنذاك أزمة الطاقة والمكبات والمطامر القومية الفائضة عن سعتها، بنى أول بيوته من علب الجعة (البيرة) المطروحة المدوّرة في مدينة تاوس في نيو مكسيكو في العام 1971.

ولم يطل به الوقت حتى كان يختبر ويجرب البناء بإطارات السيارات وعلب المشروبات والزجاجات التي يعبئها بالتراب كمادة عازلة ويصفها في الجدران كمادة عازلة ثم يجصصها ويكسوها بالطوب المصنوع من الطين. أما طاقة بيوته فصارت تستمد من الشمس والرياح وابتكر تعبيرا هندسيا جديدا هو Biotecture” أي الهندسة الأحيائية – وهو تعبير يعني مهنة تصميم المباني والبيئات التي تأخذ في اعتبارها كفايتها واستدامة بقائها ذاتيا – ويجمع بين البيولوجيا الأحيائية والهندسة."

وعندما حاول رينولدز بناء مجمعات من سفن الأرض خارج مدينة تاوس ارتكب مخالفات لقوانين البناء ففقد رخصتيه الولائية والقومية لممارسة الهندسة اللتين سحبتا منه (واستردهما في ما بعد). ويعلق رينولدز على ذلك بقوله "لم تكن القوانين موضوعة لما نحن بصدد عمله". فقد كانت القوانين تستوجب وصل المنازل الجديدة بشبكة المنافع الخدمية – أي أنه لا يمكن أن يكون أي منها خارج الشبكة وغير متصل بها. واستغرق الحصول على الموافقة القانونية لبناء سفن الأرض سبع سنوات من الجدل والصراع البيروقراطي.

أدرك رينولدز الحاجة إلى وجود موقع لاختبار المنازل يستطيع أن يجرّب فيه التصاميم دون أن تعرقله وتعيقه قوانين البناء. ويصوّر فيلم وثائقي بعنوان "محارب النفايات" أنتجه صانع الأفلام البريطاني أوليفر هودج، أربع سنوات تقريبا من الصراع الذي خاضه رينولدز وصولا إلى قانون اختبار التطوير المستدام الذي أصبح قانونا ساريا في نيو مكسيكو سنة 2007.

واستُقبلت أفكار رينولدز المحطِّمة للمفاهيم القديمة بترحاب في الخارج لا سيما في العالم النامي. وبعد أن دمرت موجة المد البحري، التسونامي، المنازل ومصادر المياه في جنوب شرق آسيا تلقى رينولدز دعوة من جزر أندمان التابعة للهند لبناء منزل نموذجي للعرض كمثال على الاكتفاء الذاتي والاستدامة من الحطام الذي خلفته العاصفة. وتجهز البيوت السفن الأرضية بوسائل جمع وترشيح مياه الأمطار. ويقول رينولدز إن "أهل الجزيرة لا يزالوان يحصلون على الماء في ذلك المنزل المكون من غرفة واحدة."

في أيار/ مايو سافر رينولدز وفريقه إلى هايتي التي ضربها زلزال مدمر سعيا للحصول على موافقة حكومة هايتي على بناء أربعة صفوف من مربعات المدن تتألف من "مساكن دائمة من الركام العضوي." ويقول رينولدز إن مجموعات من عاملي هايتي ستنضم إلى فريقه عندما يبدأ البناء وذلك كي يتعلم العاملون المحليون أساليب فن البناء ويواصلوا عمليات الإنشاء بعد مغادرة رينولدز وفريقه.

وحتى مع عدم وجود الكوارث، يرى بعض الحكومات المحلية حكمة في أساليب رينولدز. فمدينة لوس كابوس التي تقع في طرف شبه جزيرة باها في المكسيك تكاد تصبح مطمورة بالنفايات فيما تعاني أيضا من نقص في المساكن. ويقول رينولدز إن "الحكومة البلدية تريدنا أن نبني مساكن لذوي الدخل المنخفض من النفايات الموجودة في المكبّ. والموقع أرض جميلة محاذية للشاطئ، ثم إن الحكومة تملك المال." وبما أن قوانين البناء في المكسيك أقل تقييدا فإنها تجعل إنشاء المشروع أسهل وأقل تكلفة وأسرع تنفيذا.

ويود رينولدز أن يرى البلدان المتطورة كاملة النمو تعطل قوانينها التي تقيد البناء وتنحيها جانبا تشجيعا "لاستقبال التطوير صفر الكربون." وفي حين يقر رينولدز أن الفكرة جدلية يقول "لكن مجازفات السعي إلى تطوير أخضر ليست لها نفس الشدة والخطورة التي تترتب على عدم التطوير بالمرة."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/تموز/2010 - 22/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م