التكافل والإنفاق أهم سبل معالجة الفقر

قبسات من أفكار المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: تتضخم ظاهرة الفقر في العالم أجمع ولم تسلم منها حتى المجتمعات التي تقود الحضارة والثراء العالمي المعاصر، فالدول الرأسمالية الثرية التي تتكدس في خزائنها أموال العالم هي أيضا تعاني في بعض شرائحها من الفقر حيث الطبقة الثرية أقل بكثير من الطبقات الفقيرة وحيث النهج الاقتصادي يقوم على تركيز الأموال بأيدي الأقلية على حساب الأكثرية، في وقت لاتسلم النظم ذات الطابع الاشتراكي من الفقر ايضا.

ويرى سماحة المرجع الديني آية الله العظمى صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) أن الجانب الاخلاقي له دوره الفاعل في معالجة حالات الفقر التي تستشري بين المجتمعات لاسيما الاسلامية منها، إذ يعتمد القضاء على الفقر تربية نفسية راكزة في هذا المجال حيث تسمو النفس على الصغائر التي تدفع بها الى الطمع والاستحواذ على المال وغيره، وبهذا فإن الاخلاق ستقود النفس بالاتجاه الصحيح إذ يرى سماحة المرجع الشيرازي  بهذا الصدد في كتابه الثمين الموسوم بـ (العلم النافع):

إن (غاية الأخلاق تتلخّص في مسألة واحدة وهي تربية النفس وإصلاحها، وهي من أعقد المسائل وأصعبها، لأنّ كثيراً من الناس قد ينجحون في مسائل صعبة ولا ينجحون في هذه المسألة، بل يمكن القول إنّها ركيزة أساسية ضمن ركائز الهدف من خلق الله تعالى للكون والحياة والإنسان وبعث الرسل والأنبياء وجعل الأوصياء).

إذن فالتركيز على تربية الذات الانسانية واضح هنا وهو أمر هام يقود الى نجاحات متواترة في عموم مجالات حياة الانسان، فحيثما تصح النفس وتصلح ستكون الافكاروالافعال الناتجة عنها صحيحة وسليمة أيضا ولابد أنها تصب في اطار الإصلاح البشري الشامل.

وهنا لابد أن نفرق في الانفاق بين ما هو رديء وجيد حيث يستطيع الانسان أن ينفق مما يملك، لكن الصحيح هو الانفاق مما هو جيد ويصل بالانسان نفسه الى مراتب عليا عند الله تعالى، وهنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في كتابه نفسه على:

(إنّ الإنسان إذا أنفق الرديء أو ما فاض من ماله فهو وإن كان إنفاقاً لبعض المال وقد ينفع من أنفق عليه، غير أنّه لا يمكن أن يصل بصاحبه إلى ساحل البرّ والإحسان، بينما لو كان إنفاق الإنسان ممّا يحبّ ولا يستغني عنه، فهذا بعينه هو الذي يربّي النفس).

بمعنى أن الانفاق مما يحبه الانسان هو الذي يسهم بصورة أهم وأسرع في مساعدة الفقير على تجاوز محنته.

لقد عالجت كثير من الامم والشعوب مشكلة الفقر بهذه الطريقة التي دعا إليها الاسلام وهو أول من بدأها في هذا المضمار ونعني بها التكافل والانفاق، ففي الدولة الاسلامية ابان قيادة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام غاب الفقر تماما وشاع الغنى بين الناس وكثر الانتاج وانتشرت حالة التكافل والانفاق وتعاون المسلمون فيما بينهم بصورة رائعة ومستمرة، بل حتى من غير المسلمين كالنصارى واليهود الذين كانوا يعيشون في كنف الاسلام وبين المسلمين، فقد كفل لهم الاسلام حياة كريمة كما في القصة المعروفة عن الرجل اليهودي الطاعن في السن الذي أمر له الامام علي (ع) قائد الدولة الاسلامية في حينها براتب تقاعدي لكي يعيل به نفسه وعائلته بعد أن شاخ اليهودي وعجز عن العمل.

بيد أن المشكلة تكمن في جانب تربية النفس على الانفاق، فالانسان بطبيعته يحب المال ويرغب بادخاره وتكديسه ولابد له من أن يصارع نفسه لكي ينفق المال على من هو بحاجة إليه للمساهمة بالقضاء على الفقر، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا المجال:

(إنّ الإنفاق أمر حسن ومفيد، ولكن الأهمّ أن يربّي الإنسان نفسه لأجل ذلك).

هذا يعني أن الانسان الغني قد يكون في كثير من الاحيان غير مستعد للانفاق على الفقراء والمحتاجين، متناسيا بذلك تبادل الادوار في الحياة، إذ ربما يدور دولاب الحياة فيصبح فقيرا بعد غناه، لذا عليه أن يربي نفسه على الانفاق ويدربها على التكافل وقد أكد سماحة المرجع الشيرازي على هذا الجانب في كتابه نفسه إذ قال:

(إنّ من أهمّ الأمور في المقام هو أن يربّي الإنسان نفسه، فهذا هو الشيء الأساسي، وإن كانت الفضائل الأخلاقيّة في حدّ نفسها جيّدة ولازمة).

وحين يتمكن الانسان من ترويض نفسه وتربيتها على منهج الانفاق والتكافل والوقوف الى جانب الفقراء، فإنه يؤدي بذلك خدمة كبيرة في طريق القضاء على الفقر.

ويبقى سعي الانسان في هذا الاتجاه مطلوبا لأنه يصبّ في صالحه بالدرجة الاولى إذ يسهم ببناء مجتمع مستقر وقابل للتطور أيضا، ناهيك عن المرضاة الإلهية التي تتحقق نتيجة لهذا العمل، مع أن الله تعالى هو الغني حيث يقول المرجع الشيرازي بهذا الصدد:

(إنّ الله لا يحتاج إلى الإنفاق ولا إلى المنفق، لأنّه تعالى قادر على إغناء الناس فلا يكون فقير واحد محتاج للإنفاق، ولكنّه سبحانه جعل هناك فقيراً وآخر غنيّاً، ومحتاجاً ومنفقاً، لكي يكون هناك امتحان وتربية).

وهكذا لابد من تربية النفس على التكافل والمساهمة الفعالة في القضاء على الفقر تحقيقا للأهداف الفردية والجماعية والدنيوية والأخروية في آن واحد.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 3/تموز/2010 - 20/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م