لماذا نتجاهل النقد ونخشاه؟!

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هل النقد وتأشير مكامن الخلل في الذات أو خارجها أمر خاطئ أو يضر بالانسان؟ واذا كان معظم الناس يتفقون على أهمية النقد الايجابي، لما يتيطيّر منه كثيرون لاسيما في مجتمعاتنا الاسلامية؟ ولماذا يفسّر المنقود أو يؤول النقد الى فعل مضاد له يُراد به الانتقاص من شخصيته وقيمته؟.

نعم هناك كثير من الناس لا يحبذون النقد حتى لو كان سليما وذا نوايا طيبة وصادقة، ويفضلون التستر على أخطائهم بدلا من معرفتها وتصحيحها بل هؤلاء لايرعبون بالنصح والتصويب وغالبا ما ينظرون إليه على انه تجاوز لحقوقهم، بيد أن الامر ليس كذلك مع النقد الهادف الذي لايبغي سوى الفائدة للآخر والنفس معا. فلو لم تكن هناك مرآة نبصر فيها وجوهنا ، هل كان بإمكاننا أن نعرف مواطن الجمال فيها أو مواطن الخلل؟ هل كنّا نستطيع أن نصلح من ترتيب شعرنا وهندامنا، أو نرى ما قد يظهر على سحنة الوجه من اصفرار أو بثور؟ كيف كنّا نستطيع أن نتجمّل؟

قد يجيب أحدهم بالقول: إذا لم تكن المرآة فربّما كان سطح الماء الساكن مرآة نرى فيه وجوهنا، وإذا لم يكن الماء فالسطوح المعدنية اللاّمعة الصقيلة، وإذا لم تكن هذه ولا تلك فعيون الناس مرايا، فإذا رأوا ما يسرّهم من مظهرنا شعّت إبتسامة الارتياح على وجوههم كعلامة على إنّنا مرضيون في نظرهم.

اذن فالنقد البناء كالمرآة التي تكشف للانسان ما لا يراه في نفسه واذا كانت المرآة تكشف المظهر الخارجي فإن النقد البناء يحاول أن يكشف الخلل الداخلي في شخصية الانسان سواء كلن قولا او سلوكا، وهو يختلف تماما عن القذف والتشهير الذي يهدف الى التسقيط على نحو واضح، حيث تختلف الاهداف والوسائل معا، فالتشهير يقوم على الكذب والسب وتأشير ونشر الاخطاء واختلاقها في معظم الاحيان وهو يتأتى من حالة صراع على مصالح او مكاسب معينة تدور بين طرفين سواء كان فردا او جماعة.

لذا فإن النقد الهادف يختلف تماما عن اسلوب القذف والتشهير وما شابه، فلماذا نخشاه او يخشاه البعض ويحاول أن يتجاهله؟ مع أنه يصب في صالح الانسان اولا وأخيرا، بل غالبا ما يدعو المصلحون والمعنيون الى ضرورة الاحتكام الى النقد الذاتي قبل نقد الآخرين، وهنا لابد أن نعي بأن النقد الذاتي والنقد الايجابي يلتقيان في جوانب عدة أهمها سلامة الهدف المقصود من النقد، كما أن المراد بـ (النقد الذاتي) نقدك لنفسك بنفسك، فأنت حينما تتردد على المرآة بين الحين والحين، تتفرّس في عيوبها وثغراتها ونواقصها لتصلح ما يمكن إصلاحه من قبل أن تخرج إلى الناس وقد تركت تلك العيوب على حالها فلا يسكتوا عن انتقادك .

هذا يعني أ نّك أوّلُ ناقد لنفسك، وبقدر ما تكون دقيقاً وصريحاً معها تتقلص دائرة النقد الخارجي، فالناس ينتقدونك إذا أهملت نفسك، أمّا إذا كنت قد هذّبتها جيِّداً، وتعبت في تربيتها جيِّداً، فإن ذلك سيكون موضع ثناء الناس وليس انتقادهم .إذن ، فالقاعدة الأولى في النقد هي :(انقد نفسك بنفس).

وهذا يعني عدم التخوف والخشية من النقد، بل لابد أن نعوّد أنفسنا على قبول النقد الخارجي بعد النقد الذاتي، والحقيقة ربما يفوق النقد الآخر نقدنا لأنفسنا في بعض الأحيان، إذ ربما يغفل الانسان كثيرا من السجايا الخاطئة في نفسه في الوقت الذي يستطيع الآخرون ملاحظتها بوضوح في سلوكه وأقواله معا.

لهذا لابد أن نتعاطى مع النقد الآخر بروح رياضية لاتضع الخطر والتسقيط والانتقاص أمام عينها وتغفل نواقصها الفعلية المؤشرة، ولعل الشعوب والمجتمعات التي حققت قفزة حضارية واضحة لم تصل الى ما وصلت له لو لا تعاملها مع النقد بروح معاصرة ومتطورة، على العكس ممن يتخوف من النقد ويعتبره حالة غير سديدة او مضرة بالفرد والمجتمع، وقد جاء في تراثنا الاسلامي المشرق (رحم الله من أهدى لنا عيوبنا).

وكم كان التركيز قويا وواضحا على أولوية إصلاح الذات قبل الآخر في عموم التراث الاسلامي على مستوى التوجيه والتربية والنقد وهذا لا يتحقق من دون الاخذ بنظر الاعتبار الى ما يصوبه الآخرون لك من أفعال او أقوال او توجهات قد تكون غير مناسبة او لا تتسق مع الفكر والسلوك الانساني المقبول.

لذا من الاهمية بمكان أن يتنبّه الانسان والجماعات أيضا الى ضرورة انتهاج مبدأ النقد والقبول به بل ومراعاته وتطويره كمنهج حياة ومنظومة سلوك نحترمها جميعا، لأن نجاحنا يكم في احترامنا للنقد لا أن نحاربه ونعتبرة وسيلة معادية لنا او لطموحاتنا.

ومتى ما أصبح أنساننا قادر على سماع الآخر وهو يؤشر أخطاءه وزلاته من دون أن يتطيّر أو يتعصّب او ينزعج، فإننا يمكن أن نعبر الحافة الحرجة التي قد تدفعنا الى التفرد والاستبداد والتمسك بالرأي الذاتي وتعظيمه من دون وجه حق، لذا نحن بحاجة ماسة الى النقد وعلينا تطويره والحفاظ عليه كاسلوب حياة معاصر وقابل للتطور أيضا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 1/تموز/2010 - 18/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م