التربية السليمة طريق بناء المجتمع الناجح

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: لم يغفل العلم المتخصص أهمية البناء النفسي والجسدي للطفل بل طالما ركّز المختصون في هذا المجال على أهمية أن تُبنى شخصية الطفل بصورة متوازنة كونها تشكل اللبنة الاساسية لبناء المجتمع، لكننا للأسف لم نلحظ جهدا كافيا ينصب على هذا الجانب من الجهات ذات العلاقة لاسيما المؤسسات الحكومية المختصة ناهيك عن تضاؤل دور الاسرة في هذا الخصوص.

ومن المزايا التي تتمتع بها الرؤى والافكار القيمة للإمام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) أنه لم يترك مجالا هاما إلا وخاض فيه وقدّم رؤيته الدقيقة الهادفة الى تنوير الآخرين في هذا المجال او ذاك، ومن بينها أهمية البناء النفسي والمادي للاطفال كونهم يمثلون البناء الأساس للمجتمعات نجاحا او إخفاقا.

فقد اهتم الامام الشيرازي بكيفية تربية الطفل وقدم عددا من التوصيات والملاحظات المنهجية القابلة للتطبيق حفاظا على المجتمع وترصينا لبنائه، وقد انطوت كتابات الامام الشيرازي بهذا الخصوص على الوضوح واليسر في التطبيق لاسيما ما ورد في كتابه الثمين الموسوم بـ (الفقه: الاجتماع ج2) حيث وردت مضامين تربوية بالغة الوضوح تحث العائلة والمعنيين جميعا على أهمية البناء السليم للاطفال كونه الخطوة الاولى التي تقود الى بناء المجتمع السليم أيضا. إذ (ذكر بعض علماء النفس أن مخ الطفل من أول يوم ولادته، يسجل كل ما حوله من الأحداث، ويؤثر ذلك في لا وعيه، مما يعطيه لوناً في حال كبره) كما يقول الامام الشيرازي (رحمه الله).

وقد جاء في كتابه موضوع مقالنا هذا بعض الخطوات التي لابد أن تُعتمَد من لدن الاهل في تربية الطفل حيث ذكر الامام الشيرازي خطوات تساعد على تأهيل الطفل للمستقبل ويتم ذلك من خلال:

1ـ ملاحظة صحته الجسدية، بعدم سوء التغذية وعدم تركه وشأنه معرضاً للأخطار، وعلاجه بمجرد إصابته بمرض، ووقايته عن الأمراض المحملة، فربما سبب الإهمال في الجملة، تحطم مستقبل الطفل الصحي.

2 ـ وملاحظة صحته العقلية، بأن لا يصيبه خلل حتى لا يتمكن من تقييم الأشياء حسب موازينها الطبيعية، وإنما ينشأ منحرف الفكر كثير التردد، أو كثير الجزم فإن الطفل إذا عاش في جور الشك والريب، أو في الاعتباط في الحكم على الأمور خرج كذلك، مما يفسد مستقبله.

3 ـ وملاحظة صحته العاطفية، بان لا يكون جامد العاطفة، أو سيال العاطفة، فإن الطفل الذي يرى عطوفة زائدة، أو خشونة زائدة، يربى على ذلك، فينضح منه ما غرس في عقله الباطن، من الخشونة والانسياب، بما لهما من الآثار السيئة حتى في معاملته مع نفسه، حيث أن معاملة الإنسان مع الناس ومع نفسه تنشآن من منبع واحد، ولذا نجد أناساً يتشددون حتى على أنفسهم وآخرين يعطفون عطفاً متزايداً حتى على أنفسهم، وكلا الأمرين نوع من المرض النفسي والانحراف الخلقي).

وقد أكد الامام الشيرازي على أن طبيعة البدايات لابد أن تؤدي الى النتائج المتوقعة وبيّن أن التربية القائمة على المنهج التربوي السليم ستقود الى النتائج المتوخاة من لدن المربي والعكس يصح بطبيعة الحال وقال في كتابه نفسه بهذا الصدد:

(إن عمل الإنسان وفكره، وقوله، نواة يزرعها، فكيف ما زرع، أخذ الثمر وفي المثل -لا يجتني الجاني من الشوك العنب-) وهذا يؤكد بأن التربية السليمة للطفل تبني شخصية متميزة وهذه بدورها تبني مجتمعا متميزا أيضا.

ويحذرنا الامام الشيرازي من اللامبالاة في تعاملنا مع أطفالنا، وينبّه على ضرورة إعطاء الاهتمام الكافي بذلك وعدم التكاسل او التماهل في التعامل مع مثل هذه القضايا الحساسة التي يقف عليها مستقبل الفرد والمجتمع معا، إذ يقول الامام الشيرازي:

إن (الطفل الذي لم يتوجه إليه توجهاً كافياً من ناحية الأبوين، يكون في مستقبل عمره سيئ العمل، ويفرط في الخشونة مع أولاده ومع غيرهم، كأنه يريد بذلك ملأ فراغه النفسي، حيث يحس بعدم الأمن وبالخطر المطارد له).

هكذا يمكن أن ينعكس التعامل الخشن من لدن الابوين مع طفلهما وهو أمر لايقود الى أضرار فردية للطفل فقط وإنما يمتد الضرر ليشمل العئلة والمجتمع كله، ولكن هذا لايعني التعامل برعاية مبالغ بها مع الطفل، فلهذا التعامل سلبياته ايضا حيث يقول الامام الشيرازي بهذا الصدد:

(إذا توجه الأبوان إلى الطفل برعاية زائدة عن الحد، يصبح مهزوز الشخصية، ومتزلزل الإرادة ولا يتمكن من الاستقامة في مستقبل أمره، وغالباً ما يكون مثل هذا الشخص عاطلاً، ولا يتمكن من التقدم). إذن لابد من التوازن هنا، بمعنى لاينبغي التطرف في تعاملنا مع اطفالنا، فالاسلوب التربوي الصحيح كما يؤكد الامام الشيرازي ينبغي أن يكون معتدلا إذ جاء في كتابه المذكور نفسه:

(أما الأبوان المعتدلان في التربية بلا مسامحة، ولا إفراط، بدون عصبية وليونة، فهما يهيئان المناخ الملائم لنمو الطفل نمواً صحيحاً خالياً عن التعقيد والانفلات).

مما تقدم، تظهر الاهمية القصوى للتعامل مع الاطفال وتظهر ايضا أهمية الموازنة في التعامل معهم من لدن المعنيين لاسيما الابوان، وأهمية التعامل مع هذه القضية الحساسة التي يقف عليها حاضر ومستقبل الاطفال والمجتمع عموما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 29/حزيران/2010 - 16/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م