يتصاغر ماسك القلم عندما يريد الكتابة عن شخصية تعملقت صفاتها، فهي
الإنسانية في مشاعرها والعلم في منابعه والدين في أكمل مصاديقه، والعفة
والعدالة في أعلى تطبيقاته، والشجاعة في إقدامها، والأبوة في حنانها
والخلافة الأصيلة لخاتم الأنبياء في منهجها, ولكن تتدارك الأفكار في
ذلك بأننا عندما نكتب عنها فإننا نرتشف منها تلك الصفات ونتلمسها في
زمن الجدب الإنساني علنا نرطب قلوبنا القاسية بتلك السيرة العطرة.
فلا احد بإمكانه أن يلم بشمائل تلك الشخصية العظيمة او البحث فيها
والغور في أعماقها فهو أصعب من الصعب، ولو إننا نهجنا من تلك السيرة
العطرة نفحات بسيطة لكنا الآن شعب الإنسانية الأول, ولعل خير ما اختصر
القائل بذلك وهو الباحث والأديب الارمني الدكتور (او اديس استانبوليان)
في وصفه مولد الإمام علي( عليه السلام) بقوله:
( لقد كانت ولادة علي بن ابي طالب فاتحة علاقة مميزة بين أهل
السماء والأرض).
واليوم ونحن في عالم تحولت فيه اغلب الأشياء فيه بما فيها المشاعر
والأحاسيس الإنسانية الى حسابات الربح والخسارة, هل نستطيع الارتواء من
علي؟, كي نرتقي بنفوسنا العطشى الى حلم الإنسانية الكبير بإشاعة دولة
العدل والإنصاف والإيثار.
علي بن أبي طالب كان روح الإنسانية المفعمة بمشاعرها كيف لا وهو وصي
رسول الإنسانية محمد(صلى الله عليه واله وسلم) حيث يقول احد الباحثين (لم
اعرف أحدا أكثر لحوقا والتصاقا وقربا في جميع المرويات التاريخية من
علي في الحرب والسلم في الحضر والسفر وفي الليل او في النهار من رسول
الله , فلقد كان يتبعه إتباع الفصيل لامه...), فما بالك بمن غذته رسالة
السماء واحتضنه حجر سيد الرسل والأنبياء.
إن عليا لم ولن يكون لطائفة ولا لفئة, بل هو للإنسانية جمعاء فهو
القائل ( الناس صنفان أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق), فمن لم
يجمعه معك الدين جمعتك معه الإنسانية, هذا البحر الذي أودع فيه الباري
(عزوجل) المشاعر الكبيرة والعظيمة لتتألف فيها القلوب والأنفس.
وهو صاحب الروايات التي ما تركت باب إلا وطرقته في تتبعه للفقراء
والمستضعفين وأخذه الحق من القوي ولو كان ذا قربه وعدله مع المظلوم ولو
كان ذا بعد, فأي الأوصاف تخفى منك سيدي يا (بالحسن).
أيها الإنسان الكبير ترى متى نعرف من أنت؟
ومتى نعرف بأنك كنت أنسانا قبل كل شيء؟
ومتى و متى......
لقد تلفظنا باسمك كثيرا ولكن فارقناك واقعا وتطبيقا, لم نعرف منك
سوى بعض ظلامتك التي أضفنا عليها ظلامات جديدة, ولم تحمل الإنسانية تلك
الراية التي حملتها كمشعل لتربية الناس و إخراجهم من عبادة النفس الى
عبادة الرب.
نعم , ذكرى ولادتك هي فرحة لكل الإنسانية المحرومة التي رأت في علي
مسكنها الدافئ وقلبها الواسع ومصداقها الرائع, ولكنها لم تستطع أن
ترتشف منك وتتزود من سيرتك وسجاياك , فمن حقها وحقنا أن نلوم أنفسنا
بأننا لدينا أكثر من شمعة ولا نستطيع إيقادها, بل نترك مصدر النور
ونبحث عن بدائل زائفة وننشغل بأسماء لم تقدم لنفسها شيئا فضلا عن
غيرها, وننبهر بأسماء لم تقدم النزر البسيط مما قدمت.
سيدي ولدت الإنسانية بولادة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) و
استنشقت عبق الراحة بولادتك لكنها بقيت يتيمة بعدك فلم نعرفك الا يوم
ولادتك ويوم استشهادك. |