شبكة النبأ: ان تربية الأطفال في بيوت
صحية سليمة، وفق أساليب التربية الحديثة، منذ نعومة أظفارهم لها أثر
كبير في تكوين شخصياتهم، في نشأتهم النشأة الصحيحة. كما ان التفكك
الأسري والبيوت المحطمة broken homes نتيجة عدم الوفاق بين الوالدين
والخلافات المستمرة بينهما، العراك، الجدل الذي لا طائل منه، أو نتيجة
فقدان أحدهما، خاصة الأم أو كليهما بسبب الموت، المرض، الطلاق،
الانفصال، أو الزواج بأكثر من امرأة واحدة. كل هذه تعد من الأسباب
المهمة في زيادة الانحراف والجنوح، نتيجة لما لها من تأثير سيء على
سلوك الطفل الصغير الذي يتربى في محيط عائلي غير مستقر يسوده القلق
والشعور بعدم الطمأنينة، كذلك يتربى بدون ضبط وبدون حب وحنان، فتؤدي به
الى صراعات لا يمكن حلها، من ثم الى حرمان عاطفي، بالتالي الى سلوك
منحرف.
ان من أهم تلك البيئات الحاضنة للجناح:
1ـ البيئة العائلية:
دلت دراسات اجتماعية كثيرة على أن تأثير وفاة أحد الأبوين في تسبب
الجناح، هو أقل من تأثير الانفصال عن بعضهما بسبب الطلاق حيث وجد ان
نسبة الجناح تزداد ثلاثة أضعاف في العائلة التي تفقد الأم أو الأب،
بينما ترتفع هذه النسبة الى خمسة أضعاف في حالات الطلاق أو الانفصال
seperation.
ان الأطفال المشردين في الطرقات، المحرومين من رعاية الأبوين،
يكونون بؤرة الفساد والنزعة نحو الجناح، الإجرام، هم بحاجة ماسة
للرعاية الكافية. ان هؤلاء الأحداث الجانحين غالبا ما يشتركون بعوامل
سببية متعددة حيث ينحدرون من عائلات ذات حجم كبير، التي يكون فيها
الاشراف الأبوي رديئا، يكونون ذوي مستوى واطئ من الذكاءdull فاشلين
دراسيا، وضعهم الاجتماعي منحطا، غالبا يترعرعون في مناطق ينتشر فيها
الإجرام.
2ـ حجم العائلة size of family
ان غالبية الجانحين delinquents ينحدرون من عائلات ذات حجم كبير اذا
كان عدد أفرادها متكونا من خمسة، هم الأب، الأم، ثلاثة أطفال العدد
الاعتيادي، أما في المجتمع العراقي فان حجم العائلة يعد كبيرا، اذا
كانت العائلة متكونة من الأب والأم وخمسة أطفال فأكثر.
3ـ الحالة المعاشية والاجتماعية:
ان نسبة الجناح تكون أعلى بين أفراد الطبقة الاجتماعية الدنيا
المتمثلة في العائلات الفقيرة، التي تعيش الفاقة والعوز، تحت خط الفقر
الذي تشير اليه أدبيات الأمم المتحدة، يكون مركز تلك العائلات
الاجتماعي والثقافي واطئا. ان المناطق الفقيرة والمزدحمة بالسكان أو ما
تدعى مدن الصفيح وأحزمة المدن، المدافن والمقابر القديمة، تعد من بؤر
المناطق التي تؤدي الى السلوك المنحرف في أنحاء كثيرة من الوطن. اذ
تتفشى فيها البطالة unemployment الأمراض الجسدية والنفسية،الأمية،
يكثر فيها تعاطي المسكرات والمخدرات، تناول حبوب الهلوسة. تكثر فيها
أيضا المشاجرات،السرقات، الانحرافات الجنسية، التحرش بالصبية، حمل
السكاكين والحراب والآلات الجارحة، لعب القمار..
4ـ الأصدقاء الجيران:
تعتبر الجيرة، الأقران في الشارع من أول البيئات التي يلتقي فيها
الطفل بعد مغادرة المنزل، تكون حاضنة لكل سلوك جيد أو سيء. فاذا كانت
مجموعة أصدقاء الجيرة جيدة الأخلاق والتربية تقمص منها الطفل كل
سلوكياته، تكون له عونا على مواجهة الشواذ، اما اذا كانت المجموعة لها
خصوصيات شاذة فانها تؤثر سلبا على شخصية الطفل بما تفرضه قوة المجموعة
على الواحد لضعف مقاومته. ينسب إلى الإمام علي (عليه السلام) القول:
وللناس على الناس مقاييس وأشباه
يقاس المرء بالمرء إذا ما هو ماشاه
5ـ البيئة المدرسية:
المدرسة هي من البيئات الخارجية التي ينتقل اليها الطفل من بيئته
العائلية، يلتقي فيها بعدد كبير من الأطفال الذين نشئوا في بيئات
متباينة، من حيث تكوينها البيولوجي والاجتماعي، فاذا قدر لتلميذ مصاحبة
الأخيار من زملائه وتشرب بفضائلهم كان ذلك إيذانا بنجاحه في حياته
المقبلة، أما اذا انقاد للأشرار من زملائه فان سلوكه سوف ينحرف، قال
الشاعر:
لا تربط الجرباء حول صحيحة خوفا على الصحيحة أن تجرب
كما ان للمدرس دورا مهما في توجيه التلاميذ الى سبل الفضيلة أو
الرذيلة تبعا لمجرى سلوكه لأنهم ينظرون اليه كمثل أعلى لهم ويندفعون
شعوريا وغير شعوري للاقتداء به وتقليده. ان التعليم غير المنظم الناتج
عن فقدان الرعاية والرقابة له دور مهم أيضا في تسبب سلوك الجانحين.
الأفضل ان السلوك الذي نرغبه لأولادنا ينبغي أن يكون جزءا من شخصياتهم
وليس مفروضا عليهم.
6ـ بيئة العمل:
هي البيئة الخارجية التالية للمدرسة التي ينتقل اليها الشخص بعد
اجتيازه مرحلة الدراسة، ذلك بالنسبة للذين تمكنهم ظروفهم وقابلياتهم
على الدراسة. تزداد أهمية بيئة العمل بالنسبة لمن لا تمكنهم ظروفهم من
الدراسة ويضطرون الى العمل مباشرة لكسب المال اللازم لتوفير حاجاتهم
المعاشية، فيلتحقون في سن مبكرة بعمل أو حرفة ويقوم المشرف على العمل
بدور يماثل الدور الذي يؤديه المدرس والمعلم في المدرسة، يكون بمثابة
القدوة والمثل الأعلى لهم. فان كان مستقيما صالحا أرشدهم الى الاستقامة
والصلاح، ان كان منحرفا طالحا دفعهم الى مزالق السلوك السيء. ان قول
الله سبحانه وتعالى: (وهديناه النجدين) سورة البلد يتضمن ما معناه: ان
نفس الإنسان قابلة أن تكون خيرة أو شريرة. هذان، الخير والشر مكتسبان
عن طريق التعليم والتربية. فالعمل الذي يختاره الفرد يجب أن يكون
ملائما لقدراته الجسمية والنفسية، منسجما مع رغباته الشخصية ليتسنى له
انجازه باتقان.
أما اذا كان العمل غير متناسب مع الاستعدادات الجسمية والنفسية
للشخص، غير ملائم لميوله الذاتية، أو يجبر على اداء عمله، فان ذلك يؤدي
الى نفوره من عمله، تقاعسه عن ادائه مما ينجم عنه رداءة وضحالة حصيلته،
قد يؤدي في الأخير الى البطالة التي تتبعها مشاكل اجتماعية خطيرة.
7ـ البيئة الترويحية:
هي البيئة التي يقضي فيها الفرد فراغه بممارسة نشاط معين للحصول على
ما يحتاجه من انتعاش وبهجة للترفيه عن نفسه. يمكن تصنيف النشاطات
الترويحية الى ثلاثة أنواع:
أـ النشاط المفيد:
كممارسة الألعاب الرياضية، المطالعة المفيدة، الخط والرسم، المشاركة
في المخيمات والرحلات الاستكشافية، الصيد، برامج الحاسبات اللألكترونية،
دخول دورات التقوية في كافة المجالات الأدبية والعلمية واللغات، دورات
اصلاح الأجهزة مع الحصول على شهادة تأهيلية في مجالات السيارات،التكييف
والتبريد..
ب ـ النشاط العقيم:
كممارسة بعض الألعاب والتردد على المقاهي والتسكع في الطرقات العامة،
ارتياد مناطق السباحة في الأنهار بعيد عن الأنظار..
جـ ـ النشاط الضار:
كتناول المسكرات وتعاطي المخدرات، المقامرة بأنواعها المختلفة،
التردد على دور البغاء ومشاهدة الأفلام والتمثيليات الاباحية
والتلفزيونية والمسرحيات الفاسدة ومطالعة الكتب المثيرة والمفسدة.
8ـ البيئة الثقافية:
من المعروف انه كلما تعلم الإنسان نضج التزامه باتباع القواعد
القانونية المنظمة للعلاقات الخاصة والعامة، تجنب القيام بما يخل بها،
التخفيف من خشونة طباعه، لكن لكل قاعدة شذوذ. اذ أحيانا تزداد بعض
الجرائم بازدياد تعلم الإنسان لها والتتلمذ على محترفي الاجرام من خلال
الأنترنت، الموبايل..
9ـ البيئة الدينية:
من المعروف ان جميع الأديان السماوية تدعو الى أعمال الخير وتنهي عن
أعمال الشر والابتعاد عن المنكرات لذلك يجب الالتزام بقواعد الأديان
وشرائعها واقتباس سلوك النبي محمد صلى الله عليه وآله من مكارم
الأخلاق، كذلك اتخاذ الأئمة الأطهار من أهل بيت النبي عليهم السلام
نموذجا يقتدى به في التعاملات الحياتية المختلفة، انتهاز الأوقات في
تعلم وتعليم الصلاة لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، الاستماع الى
محاضرات علماء الدين ان تعذّر الحضور، كلها تصب في الشخصية تمنحها
القوة والصلابة ثم الإشراق والقبول في المجتمع. |