اليمن: التخلف والنزاعات تقضي على التعليم والاعتدال الديني

 

شبكة النبأ: تمثل المخاوف الأمنية في اليمن اعتبارا أساسيا في وضعه القلق في الوقت الحاضر، كما يواجه هذا البلد الفقير أعمال عنف بين القوات الحكومية وانفصاليين في الجنوب، وأنهى لتوه جولة دموية من القتال مع الحوثيين المطالِبين بحقوقهم في الشمال.

وحيث أقفلت وهدمت عشرات المدارس في صعدة أثناء الحرب أعادت اليمن فتح مدارسها من جديد بعد وقف إطلاق النار. في حين تعاني من أكبر الفجوات بين الجنسين في مجال التعليم في العالم، حيث يحول الفقر والتخلف دون التحاق الفتيات بالمدارس بحجة إنها مضيعة للمال!

مدارس صعده تفتح أبوابها

وأفاد مسئولون محليون أن مئات المدارس بمحافظة صعده شمال اليمن أعادت فتح أبوابها من جديد بعد إغلاق دام حوالي خمسة أشهر. وجاء قرار إعادة فتح هذه المدارس إثر وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه في 11 فبراير بين الجيش اليمني والمتمردين الحوثيين. بحسب شبكة الانباء الإنسانية.

وحسب تصريح محمد الشميري، مدير مكتب التعليم بصعدة، تم استدعاء أكثر من نصف 121,000 طالب من طلاب الصف الأول حتى الصف الثاني عشر، الذين كان من المفترض أن يلتحقوا بالموسم الدراسي الحالي منذ شهر أكتوبر، للعودة إلى مدارسهم ابتداء من 27 فبراير. وجاء في قول الشميري: "أصدرنا منشورا نطلب فيه من معلمي هذه المدارس العودة إلى عملهم واستئناف العملية التعليمية. وقد أعدنا فتح المدارس التي نستطيع الإشراف عليها فقط، دون المدارس الموجودة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين".

تحديات افتتاح المدارس..

ويبين الشميري أن حوالي 220 مدرسة من بين مدارس صعدة البالغ عددها 725 مدرسة والتي كانت جميعها مغلقة خلال الحرب قد تعرضت لدمار كلي أو جزئي أو للنهب. وأضاف أن "قيادات محافظة صعدة ووزارة التعليم يعملان على الاتصال بالمنظمات المانحة لحثها على توفير خيام تستخدم كفصول للتدريس في الأماكن التي تعرضت مدارسها للدمار".

وفي هذا السياق، أخبر أبودو أدجيبادي، ممثل اليونيسيف في اليمن، مؤخرا أن منظمته قامت في إطار خططها للاستجابة الإنسانية، بمطالبة المانحين بتقديم مساعدات مالية لدعم استئناف التعليم في صعدة، وذلك من خلال توفير أماكن مؤقتة للتعلم مثل الخيام المدرسية، وأدوات التعليم والمستلزمات التعليمية الأساسية للأطفال. وأضاف أن المنظمة "تسعى أيضا للحصول على التمويل اللازم لإعادة تأهيل المدارس ونشر المعلمين بما في ذلك التركيز على نشر المعلمات أيضا قصد تعزيز التحاق الفتيات بالمدارس، بالإضافة إلى توفير فرص تنمية القدرات بالنسبة لموظفي وزارة التعليم والمكاتب المحلية للتعليم من أجل استئناف الدراسة إثر وقف إطلاق النار". وأشار أدجيبادي إلى أنه تم توفير خيام مدرسية للهيئات المعنية في محافظة حجة المجاورة حيث يعيش حوالي 120,000 نازح.

 من جانبه طالب عبد الله الضهبان، عضو المجلس المحلي بصعدة، الحكومة والمنظمات الإنسانية بتعجيل عودة آلاف الأطفال النازحين الذين لا يستطيعون الحصول على فرص التعلم في أماكن نزوحهم. وأوضح أن "عددا قليلا فقط من الأطفال يحصل على فرص التعلم في أماكن نزوحه. إذ أن اندلاع المواجهات في 11 أغسطس لم يسمح للأطفال الذين فروا مع أسرهم بالحصول على ملفاتهم المدرسية التي تمكنهم من التسجيل في مدارس أخرى".

الفتيات ومقاعد الدراسة

وتعاني اليمن من واحدة من أكبر الفجوات بين الجنسين في مجال التعليم في العالم، وقد بدأت الخطة الحكومية التي استمرت طيلة السنتين الأخيرتين، والقاضية بتقديم حوافز مالية للآباء في المناطق الريفية بمحافظتين من أفقر محافظات اليمن، من أجل إرسال بناتهم إلى المدرسة أو الحيلولة دون انقطاعهن عنها، تؤتي ثمارها في ظل ارتفاع معدل التحاق الفتيات بالمدارس بنحو 9 بالمائة في المدارس المستهدفة، وفقاً لمسؤولي التعليم.

فقد بدأت إدارتي التربية والتعليم في محافظتي لحج بالجنوب والحديدة بالغرب، في إطار برنامجهما للدعم المالي المشروط، إعطاء الفتيات مساعدة مالية سنوية قدرها 8,000 ريال يمني (35 دولاراً) على دفعتين، وفقاً لوكيلة وزارة التربية والتعليم لقطاع تعليم الفتاة لطفية حمزة. وأوضحت حمزة أنه "للحصول على هذا المال تلتزم الفتاة بحضور ما لا يقل عن 80 بالمائة من الحصص في كل فصل دراسي".

وتشكل الخطة جزءاً من مشروع وزارة التربية والتعليم لتطوير التعليم الأساسي بدعم من البنك الدولي وإدارة التنمية الدولية البريطانية والحكومة الهولندية. ويهدف المشروع لمساعدة اليمن في توسيع نطاق التعليم الأساسي الجيد ليشمل الجميع مع إيلاء اهتمام خاص للمساواة بين الجنسين.

ووفقاً لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 2007، فإن 43 بالمائة من الفتيات و67 بالمائة من الفتيان كانوا مسجلين في التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي في البلاد. كما لم تكن سوى 35 بالمائة من الفتيات يعرفن القراءة والكتابة مقارنة بـ 73 بالمائة من الفتيان.

وتهدف إستراتيجية الحكومة اليمنية في مجال التعليم إلى الوصول إلى 90 بالمائة من جميع الفتيات في المدارس بحلول نهاية هذا العام و95 بالمائة بحلول عام 2015. كما تهدف إلى تقليص الفجوة في الالتحاق بالمدارس بين الفتيان والفتيات إلى 11 بالمائة.

ويسعى نظام الحوافز للحد من الفقر ومعدلات النمو السكاني من خلال ضمان تعليم الفتيات، حيث أفاد أحمد العرشي، مدير وحدة تطوير التعليم الأساسي في وزارة التربية والتعليم أن "الفقر في اليمن مرتبط بالنمو السكاني السريع. فعندما تصل الفتيات إلى مستويات أعلى من التعليم يدركن أهمية تنظيم الأسرة والمباعدة بين الولادات، وهو ما يعد مفتاحاً لتخفيف حدة الفقر".

وأضاف أن العديد من المشاكل الاجتماعية بما فيها الزواج المبكر وسوء التغذية لدى الأطفال تنتج عن ارتفاع معدل الأمية بين الإناث في اليمن. وأوضح أنه "من خلال حصولهن على فرص التعليم أو باستكمال تعليمهن، سترفض الفتيات الزواج في سن مبكرة. كما لن يقوم الآباء بإجبارهن على الزواج في سن مبكرة عندما يرون أنهن يواظبن على الذهاب إلى المدرسة بدعم من برنامج الدعم المالي المشروط".

غير أن عملية إقناع الآباء بفوائد إرسال بناتهم إلى المدرسة لا تزال مهمة شاقة، حيث أفادت حمزة أن العديد من الأسر، خصوصاً في المناطق الريفية، ترى أنها "مضيعة للمال". وأضافت أنه "بعد الصف الخامس أو السادس، تبقى الفتيات في المنزل لطهي الطعام وجلب الماء والحطب حتى الزواج".

وأضافت أنه في ظل محدودية فرص العمل بالنسبة للمرأة في اليمن، فإن الأسر الفقيرة غالباً ما تشعر أنه من الأفضل تعليم أبنائها بدل بناتها لأنهم سيحظون بفرص أكثر للعمل. ولا تستطيع الآلاف من الأسر في المناطق الريفية في لحج تحمل تكاليف تعليم أطفالها.

من جهته، أفاد صلاح سليم، وهو أحد أعضاء المجلس المحلي في المحافظة، أن الفقر يشكل العقبة الرئيسية أمام التعليم بصفة عامة وتعليم الفتيات على وجه الخصوص. ففي العديد من المناطق الريفية، تعيش الأسرة المكونة من سبعة أفراد على أقل من 1,000 ريال يمني [4.5 دولار] يومياً، مما يجعلها تبقي بناتها خارج المدرسة". بحسب شبكة الأنباء الإنسانية.

وهذا ما أكده عبد الله الصبيحي، وهو عامل يومي من مديرية طور الباحة بمحافظة لحج، الذي يرسل ابنيه فقط إلى المدرسة، حيث قال: "لا تذهب بناتي الثلاث إلى المدرسة لأننا لا نملك ما يكفي من المال لذلك".

من جهته، أفاد أندرو مور، المدير القطري لمنظمة إنقاذ الطفولة باليمن، أنه لا زال من الضروري العمل على رفع الوعي في المجتمعات الريفية حول فوائد التعليم بالنسبة للفتيات. وجاء في قوله: "نحن نستخدم أمثلة محددة مثل العلاقة بين سوء التغذية والتعليم، فكلما ارتفع مستوى تعلم الأمهات في الأسر بشكل عام، انخفض معدل سوء التغذية لدى الأطفال".

مدارس العربية

وما زال العاملون في مركز اللغات الذي أصبح مهجورا الآن والذي كان يدرس به يتعافون من أثر ما قام به النيجيري الذي يشتبه في محاولته تفجير طائرة كانت متجهة الى الولايات المتحدة يوم عيد الميلاد في الخامس والعشرين من ديسمبر كانون الأول بعد أسابيع فقط من مغادرته اليمن. بحسب رويترز.

وقال عادل بديع معلم اللغة العربية في معهد صنعاء ان متشددين إسلاميين مثل عبد المطلب وهو طالب من أسرة غنية وليس له أي سجل جنائي استغلوا دورة اللغة العربية التي تدرس في اليمن كحجة لدخول البلاد لمقابلة أقرانهم من المتشددين هناك. وأضاف بديع "كان هناك شيء اخرر يقومون به في اليمن لكن حجتهم كانت دراسة العربية."

ويشتهر اليمن بسبب رخص تكلفة المعيشة ونقاء لهجة السكان بأنه وجهة يفضلها كثيرون من دارسي اللغة العربية. لكن على مدى السنوات وفد عدد من المقاتلين الأجانب الى اليمن متظاهرين بأنهم من دارسي اللغة العربية بهدف الانضمام الى معسكرات تدريب تنظيم القاعدة.

ويقول مسؤولون ان أول مرة حضر فيها شريف موبلي وهو مواطن أمريكي محتجز حاليا في اليمن للاشتباه في انتمائه للقاعدة الى اليمن كانت لدراسة اللغة العربية في معهد للغات قبل أن يلتحق بجامعة يديرها رجل دين متشدد هو الشيخ عبد المجيد الزنداني.

وكان عبد المطلب في ثاني زيارة له الى اليمن عندما التحق بالمركز في أغسطس اب عام 2009 . وعندما انتهت تأشيرته في سبتمبر أيلول اختفى لنحو شهرين ويعتقد مسؤولون أنه خلال هذه الفترة انتقل الى مخبأ رئيسي للقاعدة هناك.

وبعد أربعة أشهر من محاول التفجير أظهر تصوير فيديو للقاعدة عبد المطلب وهو يحضر معسكر تدريب تابعا للقاعدة في الصحراء كما أظهر لقطات له في رسالة وداع فيما يبدو.

وخلال هذا الوقت التقى أيضا طالب الهندسة السابق بأنور العولقي وهو داعية متشدد أمريكي المولد تطلب واشنطن القبض عليه حيا أو ميتا.

ولليمن تاريخ طويل مع القاعدة التي تجعل من البلاد مقرا لجناحها في شبه الجزيرة العربية كما أنه ما زال يجتذب متشددين إسلاميين من الخارج.

ويراقب معهد سليم عن كثب الطلبة وسجلاتهم الأكاديمية ويتابع تحركاتهم أثناء وجودهم في البلاد ويجعلهم يوقعون إعلانا يقولون فيه أنهم سيلتزمون بلوائح المركز.

ومن بين تسعة آلاف طالب اجتازوا اختبارات المدرسة على مدى العقدين المنصرمين قال سليم ان واحدا منهم فقط كان متشددا وهو جون ووكر ليند.

المدارس الدينية..

ترك الماليزي محمد فطري بن كازه بلاده وقطع مسافة كبيرة لتحقيق حلمه بدراسة الإسلام واللغة العربية في مدرسة دينية يمنية.

وبن كازه واحد من مئات الطلاب الوافدين من آسيا وإفريقيا على تريم وهي بلدة تاريخية تشتهر بأنها المركز الديني في منطقة حضرموت اليمنية الفقيرة حيث تضعف سلطة الحكومة فيها وتتولى القبائل السيطرة وينشط تنظيم القاعدة.

والمنطقة النائية هي مسقط رأس عائلة أسامة بن لادن زعيم القاعدة الذي ولد أبوه في واد ليس ببعيد عن تريم قبل أن ينتقل الى دولة السعودية المجاورة.

وقال بن كازه "أي شخص يريد أن يقوي لغته العربية (عليه) أن يأتي الى البلاد التي تستخدم فيها اللغة العربية. في ماليزيا توجد جامعة ومعاهد تدرس باللغة العربية لكن بالنسبة للبيئة لكي نحصل على تعليم اللغة العربية بشكل قوي لابد أن ندرس في بلاد عربية." وأضاف أن وجوده في اليمن ممتع وأنه يتمنى الانضمام الى مدرسة أبيه الدينية عندما يعود الى بلاده بعد التخرج. بحسب رويترز.

وتريم مركز قديم لتعليم الصوفية أيضا لكن كل المدارس الدينية في البلاد تخضع للمراقبة بعدما أعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مسؤوليته عن محاولة فاشلة لتفجير طائرة أمريكية يوم 25 ديسمبر كانون الاول.

ويعتقد أن المفجر النيجيري المتهم عمر الفاروق عبد المطلب تبنى الفكر المتشدد في اليمن حيث كان يدرس اللغة العربية.

ويجلس الطلاب حول المعلمين في حلقة دراسية صوفية وينصتون بعد صلاة العشاء الى دروس في الشريعة والقيم الإسلامية والنحو العربي.

وقال عبد الله محمد بن شهاب وهو أستاذ في التعليم بجامعة حكومية محلية "مدرسة حضرموت تنبذ العصبية بكل أشكالها والتطرف بكل أشكاله وتنبذ الغلو بكل أشكاله وتتعامل مع المخالف برفق ومعاملة حسنة أي كيف تتعامل مع الشخص غير المسلم كما كان يتعامل الرسول مع الذين لم يدخلوا الإسلام. كيف تتعامل معهم.. تعامل معهم بالتسامح."

ويقول محللون ان المدارس الدينية الكبرى تتعاون مع الحكومة اليمنية لتدريس الإسلام المعتدل لكن هناك مدارس سلفية تروج للتفسير المتشدد للإسلام السني الذي يعتقد أنه يفرخ التعصب.

وقال المحلل عبد الغني الارياني أن هذه المدارس هي المشكلة فمن الصعب الإشراف عليها. وأضاف أن هناك العديد من مدارس تعليم اللغة العربية والمعاهد الدينية الأصولية في أنحاء اليمن مثل جامعة الإيمان في صنعاء التي لها فرع في مدينة المكلا عاصمة حضرموت.

تجنيد الأطفال..

وقال فهد صبري، الباحث في دراسة خاصة بالطفولة، أن عدد الأطفال الذين استغلوا كجنود يمكن أن يكون أعلى بكثير من النسبة المشار إليها في التقرير حيث قال: "لقد واجهنا صعوبة في تحديد الأطفال دون سن 18 بسبب عدم وجود شهادات ميلاد"، مضيفاً أن 8 بالمائة فقط من المواطنين اليمنيين يملكون شهادات ميلاد.

وقال صبري أنه يمكن أيضاً أن يكون عدد الأطفال الذين لقوا مصرعهم جراء القتال أعلى بكثير بسبب عدم التمكن من الوصول إلى العديد من المناطق التي ضربتها الطائرات المقاتلة التابعة للجيشين اليمني والسعودي". بحسب شبكة الأنباء الإنسانية.

بدوره، قال جورج أبو الزلف، مسؤول حماية الأطفال في اليونيسف أن المنظمات الإنسانية تواجه منذ أغسطس 2009 صعوبات في الحصول على معلومات شاملة عن تأثير الحرب على الأطفال، مضيفاً أنه يبدو أنه لم يتم احترام معظم القوانين المتعلقة بحقوق الأطفال أثناء القتال.

ودعا أبو الزلف أطراف النزاع لإطلاق سراح الأطفال الجنود حتى يتمكنوا من العودة إلى المدرسة مطالباً "بتحقيق نزيه" في أثر الحرب على الأطفال.

في الوقت نفسه دعا القرشي رئيس منظمة سياج اليمن لتحديث قانون حقوق الطفل رقم 45 لعام 2002 ليشمل إنزال عقوبات واضحة بحق الأفراد الذين يستغلون الأطفال في النزاعات المسلحة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/حزيران/2010 - 8/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م