قراءة في كتاب: الهوية والثقافة والتعبئة الجماعية للعنف

 

 

 

 

 

الكتاب: النزاعات الأهلية.. من منظور اجتماعي–اقتصادي

المؤلف: بيت س. دوما

ترجمة: حسني زينة

الناشر: معهد دراسات عراقية

 

 

 

 

شبكة النبأ: يقدم الكاتب في هذا البحث منظورا اجتماعيا اقتصاديا مستندا إلى دراسة حالات مختلفة من النزاعات التي تمت بلورتها في غرب أفريقيا وجنوب آسيا وأمريكا الوسطى وخلال ذلك يقوم بتحليل العوامل الاجتماعية-الاقتصادية التي من شأنها الإفضاء إلى نزاع عنيف..

داخل الدوائر الأكاديمية كما داخل الدوائر السياسية ثمة قناعة قوية بأن الفقر واللا مساواة الاجتماعية والاقتصادية سببان جذريان يؤديان الى النزاعات العنيفة  ولابد من فهم الطريقة التي تتولد فيها الموارد وتوزع بين الجماعات لفهم طبيعة التفاعل السياسي داخل هذه الجماعات وفيما بينها وترتكز بنية هذا البحث على هذه المسلمة الأساسية..

من المفترض إجمالا أن الهوية والثقافة مهمتان في فهم ديناميكية التعبئة الجماعية للقيام بعمل جماعي عنيف، وتحاول هذه الدراسة ان تربط التنوع الثقافي بأنماط التعبئة الجماعية وبروز النزاع العنيف ويركز التحليل على العمليات الاجتماعية–الاقتصادية المؤثرة في القوى الفاعلة الادنى من الدولة والمعرّفة بأنها جماعات محدودة تسكن منطقة متميزة او جماعات لغوية اثنية تعيش بين ظهرانيي ثقافات اخرى ورغم ذلك لا تزعم هذه الدراسة انها استقصت العوامل المتعلقة بالهوية والثقافة الى مدى يتجاوز الصلات المباشرة بأنماط التنمية الاجتماعية– الاقتصادية.

وقد تم في هذا البحث اختبار فرضيات العمل الثلاث المتصلة بالعوامل الاجتماعية– الاقتصادية اختبارا تجريبيا في ثلاثة أقسام منفصلة بغية التحقق من العلاقات السببية بين الفقر والتفاوت الاجتماعي والاقتصادي والديناميكيات الاقتصادية على التوالي وبين نشوب النزاع العنيف ويتخطى التحليل داخل كل قسم التحقق من العلاقات البسيطة المباشرة..

أ‌- الفقر والنزاع..

المسلمة الأساسية التي يرتكز عليها هذا التحليل تربط الفقر مباشرة بالاندلاع المحتمل للنزاع مفترضة أن ازدياد الفقر يزيد من احتمال النزاع والعكس بالعكس..

وقد ركز التحليل أصلا على إحصائيات الفقر الذي عرف بأنه يتمثل في جماعات الدخل الأدنى كما ركز على تواتر النزاع وعموما فأن الاتجاه الطويل المدى للفقر يكشف أنماطا متنوعة بالنسبة إلى مختلف المناطق التي خضعت للتحليل..

الكوابح الاجتماعية والثقافية...

الفقر سمة شائعة لدى أكثرية السكان في مختلف البلدان التي كانت حالتها موضع دراسة وما أظهرته الأمثلة من وضوح كاف هو أن أهمية الفقر والركود الاقتصادي كأسباب للعنف السياسي تتباين بين حالة نزاع وأخرى علاوة على ذلك قد يكون رد الفعل على الحرمان المزمن هو الاستكانة أحيانا بدلا من الغضب والتمرد ففي الكثير من البلدان يقصّر مفهوم الفقر المطلق عن الاعتراف بمسؤولية آليات التعامل الاجتماعية والثقافية السائدة في المجتمع المحلي التي ترافق بعض مستويات التنمية المادية..

خلاصة حول الفقر والنزاع...

ختاما, يمكن ان نستدل مؤقتا على أن الإحصائيات التي تظهر تزايدا في مستويات الفقر لا تترابط بصورة متماسكة مع نشوب النزاع العنيف او اشتداد حدته فالتغيرات في مستويات الفقر مثلما يعبر عنها في الأرقام الإحصائية لدخل الفرد لا يمكنها في ذاتها ان تفسر وجود النزاع العنيف او عدمه تفسيرا كافيا ولابد من تحديد عوامل إضافية بغية تفسير النتائج المتناقضة لهذا التحليل.

ب‌- التفاوت الاجتماعي– الاقتصادي والنزاع..

التفاوت الاجتماعي – الاقتصادي أو اللامساواة والفقر ظاهرتان مترابطتان ترابطا وثيقا ذلك ان اللامساواة تعكس في أحوال عديدة أنماطا من الفقر الإقليمي والجماعي داخل الدول ويمكن تمييز مستويات مختلفة بالنسبة إلى اللامساواة كتلك القائمة بين المستوين الفردي والجماعي بين كيانات إقليمية مختلفة بين جماعات أثنية ولغوية مختلفة وبين مختلف الشرائح ( الطبقات ) الاجتماعية – الاقتصادية في المجتمع ويركز هذا التحليل اساسا على اللامساواة بين الشرائح الاجتماعية – الاقتصادية وعلى اللامساواة الاقليمية البينية وعلى اللامساواة داخل الجماعة حيثما توافرت البيانات اللازمة وقد تم التسليم بعلاقة مطردة linear  بين اللامساواة والنزاع اي اعتبار ان احتمال نشوب النزاع يتزايد مع تزايد اللامساواة والعكس بالعكس...

ملاحظات ختامية:

آثار السياسات الاجتماعية – الاقتصادية في التنافس بين المجموعات والنزاع العنيف..

ان وجود جماعات ذات امتيازات وبالتالي وجود تفاوت بين الجماعات يؤدي اذا ما نظر اليه من منظور العلاقات بين تلك الجماعات الى الغيرة والاحتجاج من قبل الجماعات المتظلمة فهذه الاخيرة تريد تمثيلا متناسبا وأكثر إنصافا في مختلف مجالات القطاع العام.

علاوة على توزيع متوازن للمنافع العامة والواقع ان أنماط النمو والانحطاط وما يليها من فقدان مواقع نفوذ لجماعات معينة امور جوهرية في مسارات بناء الدولة، والجماعات المتأثرة بتغيرات كهذه لا تنظر إلى وضعها باعتباره وضع حرمان نسبي بل كفقدان حقيقي ومباشر لنفوذها او فقدان للوضائف في القطاع العام لذلك كانت السياسات التي تهدف الى اصلاح التفاوت والتدابير المتخذة لتحقيق توزيع أكثر إنصافا للموارد بين الجماعات المكونة للدولة تحمل في طياتها أسبابا جديدة لنشوب النزاع ومن شأن مثل هذه السياسات ان تتدخل في ميزان القوى القائم بين الجماعات وتستجر آثارا جانبية غير مقصودة اذ قد تعمل على تمكين جماعات معينة على حساب جماعات اخرى وبذلك تساعد على انتقال النفوذ.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/حزيران/2010 - 8/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م