ازمة المياه في العراق: مسلسل المساومات والصراعات الإقليمية

جفافٌ يهدد الاستقرار والأمن الغذائي

 

شبكة النبأ: وصفَ مسئول عراقي موقف المياه في حوضي دجلة والفرات في العراق بأنه مقلق جدا. وأن هناك مباحثات مستمرة مع كل من تركيا وإيران وسوريا على كافة المستويات سواء من قبل وزارات الخارجية والموارد المائية والكهرباء أو رئاسة الوزراء.

وفي هذه الأثناء تلوح في الأفق بوادر صراع مائي مضاف للصراعات الحالية بين سوريا والعراق بعد أن أعلنت دمشق مؤخراً عن مشروع لجرّ مياه نهر دجلة إلى داخل الأراضي السورية بهدف ري حوالي 200 ألف هكتار من أراضيها، وهو الأمر الذي اعتبرته بغداد مشروعاً مفاجئاً، ويؤثر جديا على مستويات المياه الداخلة للعراق والتي هي أصلا غير كافية..

وبموازاة ذلك اتهمت وزارة الموارد المائية العراقية تركيا وإيران مجدداً، بمواصلة حجب المياه عن نهري دجلة والفرات، رغم هطول الأمطار والثلوج في كلا البلدين، محذرةً من أن فصل الصيف هذا العام سيشهد جفافا أسوأ من السابق.

في حين تشير إحصاءات وزارة الموارد المائية العراقية إلى أن (42) رافداً ونهراً صغيراً دائمياً وموسمياً تم قطع المياه عنها أو تحويل مجاريها إلى داخل الأراضي الإيرانية لا سيما أنهار الكارون والكرخة والوند، ما أثّر بشكل كبير في نوعية المياه في شط العرب نتيجة ارتفاع نسبة الملوحة وكذلك تأثيراتها في الزراعة ومياه الشرب في المناطق التي تقع على امتداد هذه الأنهر والروافد إضافة إلى الأضرار الاجتماعية والصحية والبيئية المختلفة.

العلاق: وضع المياه مقلق جداً

وقال علي العلاق الأمين العام لمجلس الوزراء العراقي في تصريح لصحيفة الصباح" الحكومية أن موقف المياه في حوضي دجلة والفرات مقلق جدا وهناك مباحثات مستمرة مع كل من تركيا وإيران وسوريا على كافة المستويات سواء من قبل وزارات الخارجية والموارد المائية والكهرباء أو رئاسة الوزراء".

وأضاف أن المباحثات "تسير دائما باتجاه تثبيت رؤية واضحة للتعامل مع هذا الملف وإيجاد اتفاق بين جميع الأطراف" ، مشيرا إلى أن إجراءات هذه الدول في التعامل مع ملف المياه تشير إلى أنها "تستضعف العراق لاسيما أن المعايير التاريخية والجغرافية والسياسية تفرض على تلك الدول في أقل تقدير ألا تستثمر مياه الأنهار إلا بالتشاور والاتفاق بين الدول المتشاطئة". بحسب د ب أ.

وأوضح العلاق أن "هذه الدول تطلق كميات من المياه بين الحين والأخر وخصوصا عندما تتحرك الوفود العراقية وتمارس نوعاً من الضغط يثمر عن انفراج نسبي في الأزمة فيما تعود الأوضاع بعد مدة زمنية قليلة على ما كانت عليه في السابق ، العراق لا يمتلك سوى الضغط الاقتصادي على تلك الدول لضمان استحقاقه من الحصص المائية" ، مضيفا أن الاتفاقية العراقية التركية الاقتصادية لم تمرر حتى الآن بسبب إصرار العراق على ضرورة أن يكون الموقف التركي واضحا من موضوع المياه. وذكر ان وزارة الخارجية تتابع موضوع "المشروع السوري لاستثمار نهر دجلة داخل أراضيها وان الحكومة كلفت وزارة الخارجية للاستيضاح عن هذا الموضوع بغية الوقوف على حقيقته وصحة حيثياته وفي حال ثبوت صحة هذا الموضوع فان العراق يملك قوة الضغط الاقتصادي لضمان حقوقه لاسيما ان تنفيذ هذا المشروع من قبل سوريا سيؤثر بشكل كبير على مصالحه".

بوادر معركة مائية بين سوريا والعراق

معركة مائية عراقية سورية تلوح في الأفق بعد أن أعلنت دمشق مؤخراً عن مشروع لجرّ مياه نهر دجلة، الذي ينبع من هضبة الأناضول، إلى داخل الأراضي السورية بهدف ري حوالي 200 ألف هكتار من أراضيها، وهو الأمر الذي اعتبرته بغداد "مشروعاً مفاجئاً"، ودعت سوريا إلى اجتماع عاجل لتوضيح "حقيقة" هذا المشروع.

فقد قال مدير عام مشاريع الري والبزل في وزارة الموارد المائية العراقية، علي هاشم، في تصريح عبر الهاتف لوكالة "آكي" الايطالية للأنباء: "لقد طلبنا مؤخراً من السوريين وعن طريق وزارة الخارجية العراقية عقد اجتماع مشترك للبحث في حقيقة المشروع الإروائي الذي تعكف سوريا على تنفيذه عبر جّر مياه نهر دجلة إلى أراضيها لغرض الإرواء."

وأوضح قائلاً "حتى الآن لم يتم تحديد أي موعد لهذا الاجتماع لكننا دعونا إلى الإسراع في عقده خلال أقرب وقت ممكن"، مضيفا أن "أي سحب من مياه النهر سيؤثر بلا شك على الحصة المقررة للعراق والتي بالأصل هي متدنية، وهو ما يعني بالتالي حدوث انعكاسات خطيرة على الواقع الزراعي والاقتصاد المحلي" في البلاد.

وحث المسؤول العراقي على ضرورة "تفعيل" أعمال اللجنة الثلاثية المعنية بتقاسم المياه بين الدول المتشاطئة العراق وتركيا وسوريا. بحسب سي ان ان.

من جانبها، لم تعلن دمشق بعد عن موقفها من الدعوة العراقية للاجتماع مطلع حزيران/يونيو المقبل لمناقشة القضية، وفقاً لـ آكي.

واعتبرت مصادر إعلامية سورية أن المشروع الذي أقرته الحكومة لجر مياه نهر دجلة مشروعاً قديماً يعود لعشرات السنين وليس "مفاجئاً" كما يقول العراقيون، مشيرة إلى أنه ثمرة من ثمرات تحسن العلاقات السياسية بين سوريا وتركيا وتطورها إلى الحد الذي دفع الأخيرة إلى إعطاء الضوء الأخضر للمباشرة بتنفيذ هذا المشروع.

ورأت المصادر غير الرسمية أن عدة عقبات واجهت المشروع وأجلته من أهمها تلك المرتبطة بالولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، بالإضافة إلى العقبة الأساسية الكامنة في الاختلاف في المفاهيم والمصطلحات مع الجارة تركيا التي تعتبر نهري دجلة والفرات من الأنهار العابرة للحدود، كونهما ينبعان من حوض الأناضول بتركيا ويعبران سوريا والعراق، اللتين تعتبرهما نهرين دوليين يخضعا للقسمة المتساوية.

وقالت المصادر السورية إن الحكومات التركية السابقة ظلت ترفض توقع أي اتفاقية لتقاسم المياه مع سوريا والعراق بتشجيع واضح من الخارج الذي خدع الحكومات التركية من خلال إقناعها بأن تركيا يمكن أن تجد قوتها في المياه.

يذكر أن كلاً من العراق وسوريا اتهمتا تركيا في أيلول/سبتمبر الماضي بتقليل حصتيهما من المياه من 500 متر مكعب في الثانية المتفق عليها عام 1987، إلى أقل من 120 متراً مكعباً في الثانية، بحسب الخبراء، بينما عزت الحكومة التركية السبب إلى قلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض مناسيب المياه في سد أتاتورك.

ويبلغ طول نهر دجلة 1718 كيلومتراً، ويمر في سوريا لنحو 50 كيلومتراً ليدخل بعد ذلك أراضي العراق، وينتهي بالتقائه جنوب العراق بنهر الفرات مكونين شط العرب الذي يصب بدوره في الخليج.

إيران وتركيا تستمر بحجب المياه

واتهمت وزارة الموارد المائية العراقية تركيا وإيران مجدداً بمواصلة حجب المياه عن نهري دجلة والفرات رغم هطول الأمطار والثلوج في كلا البلدين، محذرة من أن فصل الصيف هذا العام سيشهد جفافا أسوأ من السابق.

وأوضحت الوزارة أن "المياه المتدفقة في الفرات ما تزال متدنية وشديدة الانخفاض في سد حديثة وبحيرة الحبانية، رغم تساقط الأمطار والثلوج في الأراضي التركية". بحسب فرانس برس.

وأضافت أن "كميات المياه الواردة عند الحدود العراقية-السورية في منطقة حصيبة اقل من الحد الادنى بحيث لا يتجاوز معدلها 250 مترا مكعبا في الثانية بينما المطلوب بحدود 500 متر مكعب". وتابعت ان "العراق تعرض في السنتين الماضيتين الى جفاف حاد وربما سيكون الصيف القادم أسوأ في حال استمر" الامر على هذا المنوال.

واشارت الى ان "المعلومات المتوفرة تؤكد تحسن سقوط الامطار داخل الاراضي الايرانية التي تخدم احواض أنهر الزاب الاعلى (شمال) وديالى (وسط) وكافة الانهر الحدودية نزولا الى نهري الكرخة والكارون". واكدت ان كميات "المياه المتدفقة في نهر الكرخة قليلة (...) وكذلك الحال بالنسبة الى نهر الكارون حيث ما تزال محدودة جدا".

وينبع نهرا دجلة والفرات من الجبال التركية ويعبران العراق من الشمال والغرب الى الجنوب قبل ان يشكلا شط العرب الذي يصب في مياه الخليج.

ويعبر الفرات سوريا قبل العراق، ويمر دجلة على الحدود السورية-التركية قبل دخوله العراق، لكنه يتلقى مياه انهر صغيرة تنبع في ايران، التي اقامت سدودا على روافدها فيما يتهمها مسؤولون عراقيون بتحويل مسار بعض هذه الانهر الى الداخل الايراني بدلا من بلادهم.

وبموجب اتفاق يعود الى عام 1987، وافقت تركيا على ان يكون معدل تدفق مياه الفرات 500 متر مكعب في الثانية. وتتهم بغداد ودمشق انقرة بتقنين المياه وخصوصا خلال فصل الصيف بسبب مشروع غاب الضخم للري وبناء السدود على الفرات لتنمية منطقة جنوب شرق الاناضول. بالمقابل، تأخذ تركيا على سوريا عدم بناء السدود اللازمة للاستفادة من المياه التي تتلقاها.

المزارعون النازحون يتطلعون إلى العودة

وتسببت الأمطار التي هطلت في جميع أنحاء إقليم كردستان بشمال العراق الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي، بعد غياب دام عامين، في عودة المزارعين الذين كانوا قد هجروا أراضيهم، وفقاً لتصريحات المسؤولين.

وقال بلدار محمد أمين، رئيس مديرية الزراعة بأربيل: "لقد أضر الجفاف الذي ضرب المنطقة خلال الموسمين الماضيين بمصادر الري الرئيسية الخاصة بنا من المياه السطحية ومياه الآبار، وكان لهذا أثر سلبي على جميع محاصيلنا -- خاصة القمح والشعير".

وقال أمين لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "نحن متفائلون هذا الموسم لأن البداية جيدة إلى الآن. يمكن لبعض المزارعين زراعة أراضيهم بدءً من هذا الشهر، في حين سيبدأ آخرون في شهري يناير وفبراير".

وأضاف أنه إذا استمر الطقس على هذا المنوال طوال الموسم سوف يتخطى الإنتاج 350 ألف طن من القمح والشعير في المحافظات الثلاث التي تشكل إقليم كردستان. وفي العام الماضي، أنتج المزارعون ثلث هذه الكمية فقط، وخلال عام 2007 تم حصاد 12 ألف طن فقط.

وقال أمين أن السلطات ستساعد المزارعين من خلال دعم البذور ومعدات الري وتقديم القروض للمساعدة في حفر الآبار وتوفير المعدات، دون تقديم المزيد من التفاصيل.

ووفقاً لتقرير صادر في 13 أكتوبر 2009 عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، نزح أكثر من 100 ألف شخص منذ عام 2005 بسبب الجفاف.

وكانت قنوات جوفية من صنع الإنسان معروفة باسم "كارز" توفر بالعادة إمدادات مائية يمكن الاعتماد عليها، ولكن الكثير منها قد جف.

وقال التقرير أن ما يقرب من 40 بالمائة من 683 قناة في خمس محافظات شمالية (وهي دهوك وأربيل والسليمانية وكركوك والموصل) قد تم هجرها في عام 2005، بينما تقلصت تدفقات الـ 116 قناة التي لا تزال تستخدم هذا الصيف، مما يعرض حوالي 36 ألف شخص آخرين لخطر النزوح.

وقال ديل لايتفوت من قسم الجغرافيا في جامعة أوكلاهوما في التقرير الذي يتكون من 56 صفحة: "ستضيع أجيال من الأسر والتاريخ المشترك والتعلق بالمكان عندما تموت القرية، كما سيؤدي تشريد الناس إلى مشاكل اجتماعية واقتصادية إضافية".

"وقد اتخذت الأسر القرار المؤلم ببيع مواشيها ومغادرة القرية إلى مكان آخر، حيث لا تكون المياه شحيحة إلى هذا الحد"، حسبما ذكر التقرير الذي أضاف أن "معدل تراجع عدد السكان قد بلغ 70 بالمائة تقريباً في القرى المتضررة منذ الجفاف والإفراط في ضخ المياه الذي أدى إلى جفاف العديد من القنوات الجوفية".

وقد تم تطوير تقنية القنوات الجوفية "الكارز" في بلاد فارس القديمة، وتضم سلسلة خطية من الآبار التي تم ربطها عن طريق نفق منحدر تحت الأرض يجمع مياه الآبار المتراكمة ويوصلها إلى قنوات سطحية عند سفح التلال.

فلاحو الديوانية يطالبون بتعويضات..

وجنوباً قال رئيس اللجنة الزراعية في مجلس محافظة الديوانية، إن تأخّر حصة الديوانية المائية سيؤثر بنحو كبير على موعد زراعة المحاصيل الشتوية بالمحافظة، مطالبا بتعويضات للفلاحين في حال عدم زراعتهم أراضيهم، في حين اتهم فلاح الحكومة بالتقصير وعدم إدارة الموارد المائية بنحو جيد.

وأضاف باقر الشعلان لوكالة أصوات العراق أن المزارعين بالديوانية “أعدو العدة لزراعة أكثر من 700 ألف دونم بالمحاصيل الشتوية من حراثة وبذور وأسمدة ومبيدات كلفتهم ملايين الدنانير”، مستدركا “لكننا فوجئنا اليوم بأن منسوب نهر الفرات ما يزال منخفضا وغير مناسب لسقي هذه المساحات”.

وأوضح “في حال تأخر إطلاق الحصة المائية للديوانية خلال أسبوعين سينتهي موعد زراعة المحاصيل الشتوية لاسيما الحنطة والشعير”، مبينا أن عدم توفر الحصة المائية الكافية مؤخرا “اضطر وزارة الموارد المائية الإيعاز لمديريات الري في حوض الفرات بعدم الزراعة واستخدام الماء المتوفر لسقي البساتين والشرب فقط بينما كانت التعليمات تنص على أن الزراعة على حوض دجلة 100%”.  وتابع أن هذا التعليمات “وصلت متأخرة جدا مما سيوثر سلبا على الوضع الاقتصادي والمعيشي للمزارعين والفلاحين بالديوانية علما أن نسبة العاملين بالزراعة أكثر من 50% من مجموع سكان الديوانية”.

وأفاد الشعلان أن “تعذر إيصال المياه إلى المزارعين وعدم تمكنهم  من زارعة محاصيلهم يوجب على الدولة تعويضهم بما يناسب مستوى معيشتهم”، مطالبا الحكومة بـ”إعفاء المزارعين من أجور بدل الأرض والسقي التي سوف تثقل من كاهلهم لاسيما أن أغلب الأراضي لم تزرع  لموسمين متتالين (بالحنطة والرز)”.

على صعيد متصل اتهم المزارع عماد إبراهيم في حديثه لوكالة أصوات العراق الحكومة بـ”التقصير وعدم إدارة الموارد المائية بنحو جيد”، داعيا إياها لـ”إعانة الفلاحين والمزارعين بسبب سوء إدارتها المياه في العراق”. وذكر أن الحصة المائية “كانت ستكفي لزراعة المحاصيل الشتوية بل وكل المساحات الزراعية في العراق لو كانت تدار على وفق أنظمة الري الحديثة”، مستطردا أن هذه “مسؤولية الدولة وعليها إيقاف الهدر الكبير للمياه لأنها وبعد أربع سنوات لم تقم باعتماد وسائل الري الحديثة”.

وأردف إبراهيم أن أكثر من الأراضي الزراعية بالديوانية “لم تزرع لمدة موسمين الصيفي الماضي والشتوي الحالي مما يجعل الموضوع يأخذ أبعادا كارثية على الفلاحين الذين يعتمدون بشكل رئيس على الزراعة وهي مصدرهم الوحيد لرزقهم”.

وكان مدير زراعة الديوانية صالح الموسوي قال في وقت سابق  إن المديرية أعدت عدتها لزراعة 385 ألف دونم بالحنطة و313 ألف دونم شعير، مشيرا إلى أن المديرية غير ملزمة بتوفير حصة مائية لتلك المساحات بحسب كتاب وزارة الزراعة من جراء شحه المياه في نهري دجلة والفرات. وتقع مدينة الديوانية، على مسافة 180 كم جنوب العاصمة بغداد.

بلاد الرافدين متعطشة للمياه العذبة

في يوم صيفي حار ببغداد يجلس قاسم دخيل القرفصاء في فنائه وينظر في ترقب إلى خرطوم منتظرا تدفق المياه منه.

في الحي الفقير الذي يسكنه دخيل توصل اللجنة الدولية للصليب الأحمر 140 ألف لتر من المياه يوميا بشاحنة لولاها لما وجدت 7500 أسرة المياه.

وتستهلك عائلة دخيل المكونة من 27 فردا بينهم عشرة أبناء و15 حفيدا ألف لتر من المياه يوميا من التي يوفرها الصليب الاحمر. لكنها تغطي احتياجاتهم بالكاد.

وقال دخيل (47 عاما) "اعتمادنا على شاحنة الماء هذه وإذا لم تأت لأي سبب يكون ذلك اليوم قدح الماء يساوي روح الإنسان... نبقى بدون اي شيء لا غسل ولا شرب."

وتقول إحصاءات حكومية تشير اليها اللجنة الدولية للصليب الاحمر إن واحدا من كل أربعة من سكان العراق البالغ عددهم 30 مليون نسمة لا يستطيعون الحصول على مياه الشرب الآمنة وهي مشكلة مستمرة بعد مرور سبع سنوات على الغزو الأمريكي الذي أسقط الدكتاتور السابق صدام حسين.

وتركت عقود من الحرب والعقوبات الدولية البنية التحتية العراقية في حالة يرثى لها. وفي مناطق كثيرة مثل التي يسكنها دخيل لا تصل مواسير المياه التي تمدها الحكومة للاحياء المبنية حديثا حيث بنى السكان منازلهم.

وأدى الصراع الطائفي في الاعوام السابقة الى نزوح اكثر من 1.5 مليون عراقي. وترك دخيل وهو شيعي منزله في منطقة ابو غريب التي يغلب على سكانها السنة على المشارف الغربية للعاصمة في عام 2006 ليجد ملاذا امنا في حي البلديات الذي يغلب على سكانه الشيعة في شرق بغداد.

وتبدأ شاحنات الصليب الاحمر مهمتها في وقت مبكر من الصباح وتستمر في العمل حتى السادسة مساء لتعويض أنظمة توزيع المياه القديمة او التي لا تتم صيانتها بشكل ملائم وتزداد ضعفا بسبب الوصلات غير القانونية ومواسير المياه السيئة في المنازل. بحسب رويترز.

وتقول وزارة التخطيط العراقية ان 84 بالمئة من المياه التي تخرج من الصنابير نظيفة بما يكفي للشرب وان الستة عشرة بالمئة المتبقية ملوثة.

وقال مهدي العلاق وكيل وزير التخطيط "خطة التنمية الوطنية للاعوام 2010 الى 2014 سوف تحقق تطورا جيدا بالنسبة للماء الصالح للشرب للسكان. نأمل أن ترتفع النسبة الى اكثر من 90 بالمئة."

وبدأت اللجنة الدولية للصليب الاحمر امداد حي البلديات بالمياه في عام 2004 لكن في ظل تزايد أعداد السكان يزداد الوضع سوءا.

وطلب السكان 80 ألف لتر إضافية في اليوم. وقال رائد محسن رئيس بلدية الحي الذي يسكن به دخيل ان الشعب العراقي لا تصله إلا قطرات من ثروة البلاد النفطية.

وأضاف وهو ينظر الى شاحنة الصليب الاحمر فيما بدأت تضح المياه بخزان سعته عشرة الاف لتر في الشارع "هذا تقصير ليس من احد لكن من الدولة نفسها ومن المسؤولين لان لحد الان لم يأت احد وتفقد أحوالنا وكأننا لسنا محسوبين على سكان العراق. "مع الاسف نحن خلصنا من حالة اضطهاد ووقعنا في حالة اضطهاد ثانية... كنا نتوقع حالة افضل من الحالة السابقة واذا بنا نغرق بحالة مأساوية."

ويقول مسؤولو بغداد انهم يواجهون مشاكل في انتاج المياه وتوزيعها ايضا. ويحتاج سكان المدينة البالغ عددهم سبعة ملايين نسمة الى 3.5 مليون متر مكعب من المياه في اليوم لكن حكومة المدينة لا توفر الا 2.7 مليون.

نقص المياه يهدد الاستقرار

وينحي عبد الله حسن، باللائمة في فساد محاصيله على نقص المياه المزمن ولا يثق كثيرا في أن الحكومة الجديدة ستستطيع إحياء قطاع الزراعة بالعراق الذي دمرته الحرب ويعاني من قلة الاستثمارات.

عبد الله (50 عاما) أب لخمسة أبناء ويعيش بالفلوجة في محافظة الانبار بغرب العراق وقد اضطر للتخلي عن زرع أفدنته الخمسين والحصول على عمل بقطاع البناء بعد أن قضت سنوات الجفاف على محاصيله من القمح والشعير والطماطم ( البندورة) والخيار والبطيخ.

ولا يحدوه امل كبير في العودة الى الزراعة التي كانت مصدر دخله الاساسي على مدى 35 عاما وينوي بيع جزء من أرضه مع استمرار تراجع مستويات المياه في الانهار والخزانات مما يرفع تركيز الملوثات في المياه. وقال "يسوء وضع التربة يوما بعد يوم لان مستوى الملوحة يزيد والخصوبة تقل. هذا مثل السرطان الذي يصيب جسم الانسان." بحسب رويترز.

وبعد الأضرار التي سببتها عقود من الحرب والعقوبات يعاني العراق من نقص حاد في المياه يتوقع أن يتفاقم مع نمو سكانه الذين يبلغ عددهم نحو 30 مليونا.

وتغلب على العراق مساحات من الصحراء القاحلة لكن به أحد اكثر أنظمة الري اتساعا في العالم غير أن سنوات الحرب ونقص الاستثمارات والعقوبات حالت دون استغلاله القليل الذي تبقى من المياه.

ويوفر نهرا دجلة والفرات وهما النهران الرئيسيان بالعراق القليل من الغوث للسهول الجافة لان السدود الكهرومائية في تركيا وايران وسوريا المجاورة قللت من تدفق المياه.

والاستثمار في البنية التحتية المتهالكة مثل مضخات المياه ضروري لقطاعات رئيسية كالزراعة والنفط فضلا عن جهود اعادة الاعمار الاوسع نطاقا بعد سبع سنوات من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح بالدكتاتور صدام حسين.

وكانت محافظة الانبار وهي منطقة صحراوية شاسعة من المناطق التي تضررت بشكل خاص. وأصبحت مساحات كبيرة من الاراضي التي كانت صالحة للزراعة على نهر الفرات غير مستخدمة لعدم كفاية طرق ضخ المياه النظيفة في التربة.

وتقول الامم المتحدة انه يتم صرف نحو 83 في المئة من مياه الصرف الصحي دون معالجة في المجاري المائية فيما تقدر الحكومة أن 24 بالمئة من العراقيين لا يحصلون على مياه امنة.

وتعمل الحكومة مع خبراء أمريكيين محاولة انشاء محطات للمعالجة وبحيرات صناعية لتنقية المياه الملوثة.

وأنفق فريق اعادة اعمار محافظة في الانبار- وهي وحدة أنشأتها الولايات المتحدة للمساعدة في اعادة بناء العراق- اكثر من 100 مليون دولار لبناء وصيانة منشآت المعالجة ويتوقع أن تتوفر المياه النظيفة لنحو 97 بالمئة من السكان بحلول نهاية العام.

ويعيش نحو 90 بالمئة من سكان الانبار البالغ عددهم 1.4 مليون نسمة على امتداد نهر الفرات حيث انخفضت مستويات المياه انخفاضا حادا. وكان متوسط معدل التدفق بالنهر الف متر مكعب في الثانية قبل اقامة سدود وتباطؤ معدل التدفق فيه الى 290 مترا مكعبا في الثانية في أغسطس اب الماضي وهو أدنى مستوياته منذ ستة أعوام.

ويقول مسؤولون عراقيون ان منشات الصرف الصحي غير كافية ويشيرون الى أن تكلفة انشاء نظام للصرف الصحي في بلدة الرمادي تبلغ 400 مليون دولار على الاقل.

وتساءل ابراهيم مدلول مدير ماء الانبار "أين سنجد المستثمرين الذين سيأتون ويستثمرون 400 مليون دولار في مشروع كهذا.."وأضاف أنه يتطلع الى مساندة الحكومة المركزية لدعم مشاريع بهذا الحجم.

وقد يطول الانتظار.. فالعراق يعيش حالة من التشكك السياسي منذ انتخابات السابع من مارس اذار التي لم تسفر عن فائز واضح.

تهديدات غير ذات جدوى..

وكان العراق قد هدد مطلع العام الحالي بقطع علاقته مع إيران وتركيا إذا استمرتا في حجب المياه عنه، حيث قال الأمين العام لمجلس الوزراء علي العلاق في تصريح صحافي ان علاقة الحكومة مع كل من تركيا وإيران في الجوانب التجارية والسياسية والاقتصادية ستتوقف مراعاة لضمان حقه في المياه..

ووصف وزير الموارد المائية العراقي عبد اللطيف جمال رشيد الوضع أيضا بـ «الصعب جداً جراء الشح الشديد للمياه الذي تشهده البلاد لأكثر من سنتين».

لكن عضو لجنة الزراعة والموارد المائية البرلمانية، عضو كتلة القائمة العراقية النائب جمال البطيخ شكك بجدية الحكومة. وقال إن هذه مطالبنا منذ البداية لكن الحكومة لم تكترث لها ولا أعتقد أنها ستنفذ تهديداتها. وأضاف، على الحكومة اذا كانت جادة في هذه المسألة استخدام الضغط الأميركي والأوربي والمنظمات الدولية ضد تركيا على وجه الخصوص لأنها حليفة لأميركا وتسعى للدخول إلى الاتحاد الأوربي..

وفي إحصاءات وزارة الموارد المائية العراقية أن 42 رافداً ونهراً صغيراً دائمياً وموسمياً «تم قطع المياه عنها او تحويل مجاريها الى داخل الأراضي الايرانية لا سيما أنهار الكارون والكرخة والوند، ما أثر بشكل كبير في نوعية المياه في شط العرب نتيجة ارتفاع نسبة الملوحة وكذلك تأثيراتها في الزراعة ومياه الشرب في المناطق التي تقع على امتداد هذه الأنهر والروافد إضافة الى الأضرار الاجتماعية والصحية والبيئية المختلفة». وتؤثر هذه الروافد بشكل مباشر في المحافظات الجنوبية والشمالية لا سيما محافظة ديالى التي تعتمد بشكل كبير على نهر الوند..

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/حزيران/2010 - 8/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م