أيهما أفضل في ساعة نضالك السياسي: أن تكون "غنمة" أم"خروفا"؟
وهل تظن إذا ما خلت حياتك السياسية من سلوك "غنمي" أو "خروفي" فأنت
في ألف عافية ومنعّم بحياة نضالية سليمة ذات قيمة وطنية مطهرة؟
هذه مناوشة للأغنام في لغتنا المحكية، نحاول من خلالها التجرد من
المعنى اللغوي الحاد أو التمايز المنطقي بين جنس ونوع وفصل وخاصة، كي
نعني في لهجتنا البحرانية بـ"الغنمة" ماعزا بلا قرنين، وبـ"الخروف"
خروفا" بلا إلْية، حسدا من عند أنفسنا من بعد ما تبين لنا أن هذا
الماعز ذو قرنين رهيبين لا يكتفي من مرعاه إلا بأكل العشب وجذوره – وأن
هذا الخروف ذو إلْية عظيمة تزهّده في جذور العشب وتقنعه بما ظهر منها
على التربة!.
لو شمرت عن ساقيك حذرا من "خياس نقعة الخمك" الممزوجة ببقايا الخضرة
والفواكه المتعفنة في الطرق الفاصلة بين "جبرات"سوق الخضرة، ثم اقتربت
من سوق اللحم وقطعت ممراتها الملساء بمشية لا تخرق مشية فتاة "تمتطي"
كعبا عاليا؛ ستجد الأسعار متفاوتة بين لحم "الغنمة" والخروف، ولكن إياك
إياك والشك في سياسة جزيرتنا الديمقراطية وأنت تمشي بتلك المشية ؛ لأن
سلطة جزيرتنا حتى الآن لم تعد تفرق بين نوعي "الغنمة" و"الخروف" حفظا
لوحدتهما السياسية وإن اختلف سعرهما أو عادتهما وسلوكهما الاجتماعي، بل
وستبالغ سلطتنا أمامك في نفي وجود أي تمايز بينهما التزاما منها بقضايا
المنطق السياسي من وجه حيث كلاهما من جنس "الأغنام" ولا من ثمرة سياسية
ترجى ابتغاء استبانة الفارق بينهما..
واما السر "الوطني"في عدم التفريق بينهما عند سلطتنا، فيكشفه لك
موقف السلطان العثماني عبد الحميد الثاني.
يقال بأن السلطان العثماني عبد الحميد أخذته العزة والحمية الوطنية
بعد أن عاب الأوروبيون الجدد حجم الدمار الكامل الذي أصاب الأحراش
والزراعة التركية على مدى ستة قرون من العهد العثماني المتخلف.. فكان
جوابه لهم: "إن العدو الأكبر لغاباتنا على مر العصور هو الماعز الذي
تعود الناس على تربيته، فالغنم يكتفي بأكل الأوراق. أما الماعز فلا بد
أن يقلع النبات من جذوره ليأكله، وبذلك يكون سببا في القضاء على
النباتات. فإذا أردنا أن تنجح محاولاتنا في تربية الغابات من جديد
فعلينا أن نقلل من تربية الماعز ونحد منها"!.
ولأن السلطان عبد الحميد الثاني ابتلي بالشك المنطقي قبل الطبيعي
ففرق بين "الغنمة" و"الخروف" من حيث عاداتهما في الصراع من أجل البقاء،
ثم أرجع سبب دمار الخضرة التي ورثتها السلطنة عن الإمبراطورية
البيزنطية إلى الماعز"الغنمة"، وحصر الحل في وجوب مكافحة " الغنم"
وإطلاق "الخرفان" في غابات العشب بلا حساب ؛ فكان عبد الحميد الثاني
آخر سلطان عثماني مارس في عهد السلطنة سلطة فعلية..
ومنذ أفول نجم هذه السلطنة بسبب الشك الخطير الذي أفصح عنه عبد
الحميد ؛ لم تعدل "الغنمة" عن سلوكها وكذلك الخروف.
لو ألقيت نظرة فاحصة على كل ما أنجز حتى الآن على مستوى الحريات
العامة في دائرة لم تفرق بين"الأغنام" سياسيا، سترى نفسك مواطنا محاطا
بمظاهر تبد لك أنها حركة سياسية وقانونية تسعى من أجل ترميم ما دمرته
العقود الخوالي لتستحث فيك موقف المشاركة على حساب المقاطعة إن كنت
محترفا منتميا إلى جمعية سياسية ما أو مستقلا، ثم لك أن تختار: بين أن
تتعاطى مع هذه الحركة بطريقة "الخروف" ذي الحس البسيط فتناضل من أجل
تحقيق مطالب خدمية سطحية لا تنال من أي ثابت سياسي أو أمني قديم خاص
بالسلطات ولو بالإشارة- أو تتعاطى معها بطريقة "الغنمة" الماعز ذي الحس
الجدي فتناضل من أجل قلع جذور الفساد السياسي والقانوني ونظمه ورجاله.
الخياران كلاهما – بحسب منطق المتفائلين - متاحان في العهد الجديد
من خلال مرحلية تقدمتها أولا مرحلة "الخرفان" التي قيدت المعارضة
بِهَمٍ خدمي بسيط لم يتجاوز حتى الآن مبدأ البحث في أملاك الدولة
وسجلاتها تمهيدا لتدشين مرحلة "الغنم" اللاحقة التي ستطلق للمعارضة حق
العمل النضالي السياسي الجذري تبعا لنسبية الرقابة الدولية والتحولات
الإقليمية.. وبحسب المتشائمين: هناك مظاهر لمرحلتين يشك في طهرهما في
أحسن الأحوال، ولكنهما يشترطان في المشاركين بقاءهم على جنس "الأغنام"
حتى يساقوا إلى حيث يشاء الهم الاستبدادي لا إلى حيث يشاء التطور
الديمقراطي وموجبات تراكم خبراته! |