المعارضة العراقية وعسل السلطة...

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: المؤتمر الأخير للاتحاد الوطني الكردستاني أعاد انتخاب جلال طالباني امينا عاما له من جديد والسيدة زوجته تفوز بأغلبية الأصوات في الكوتا النسائية متقدمة على الكثير من الأسماء المعروفة..

منذ انتخابات السابع من اذار وحتى الجلسة الاولى للبرلمان الجديد تحدث جميع السياسيين ويتحدثون عن تشكيل الحكومة والرئاسات الثلاثة والتوزير السيادي والخدمي ، وجميع الاحزاب والكتل الفائزة في الانتخابات تهرول نحو السلطة والوظائف المتعلقة بها ولا تسمع من هؤلاء حديثا عن معارضة سياسية قد يقودها هذا الفريق او ذاك داخل اروقة البرلمان لمراقبة عمل الحكومة ومحاسبتها.

وقد انشغلت بعض الاوساط الاعلامية بتصريح لصالح المطلك حول المعارضة والخوف من تصنيف الاخرين في خانة المعارضين وبأن هذه المعارضة سيكون ثمنها المادة 4 ارهاب او المطاردة او القتل.. في المقابل وفي لقاءه مع جريدة العالم والمنشور يوم الاثنين بتاريخ 14/6/2010 يذكر عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية ان السياسي في العراق اما ان يكون وزيرا او سجينا او خارج البلاد.

التصريحان متقاربان رغم صدورهما عن جهتين يختلفان في المواقع والتوجهات..

فصالح المطلك حديث عهد بالسياسة بعد العام 2003 وهو لم يستلم منصبا في الحكومة العراقية حتى الان ويطمح الى المنصب بعد الانتخابات الاخيرة..وعادل عبد المهدي عرف عنه العمل السياسي منذ عقود رغم تقلباته الفكرية والايديولوجية من اليسار الى اليمين ومن العلمانية الى الدين، وهو مارس السلطة وذاق عسلها بعد العام 2003 بمنصب نائب رئيس الجمهورية..

 في اغلب الديمقراطيات وبعد ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية فيها تقوم الكتل الفائزة بتشكيل الحكومة واذا تم استبعاد كتلة ما بسبب رفضها او بسبب عدم الاتفاق على البرامج او التحفظ عليها تلجأ تلك الكتل المنسحبة من التشكيلة الحكومية الى خانة المعارضة وهي لا تعد ذلك انتقاصا من قيمتها او من شأنها النضالي او السياسي فالمعارضة في تلك الديمقراطيات مصدر زهو وليس عيبا او فضيحة تحاول التستر عليه او التهرب منه..

فالمعارضة صوت الناخبين المستمر بالارتفاع ضد كل التجاوزات الحكومية وضد اخطاء الوزراء..

والمعارضة تحترم اصوات ناخبيها التي اوصلتهم الى قبة البرلمان ولاشئ يعادل الحفاظ على حيوية تلك الاصوات ومطالبها..

في العراق الوضع مختلف بسبب حداثة التجربة الديمقراطية وبسبب الارث الاجتماعي والثقافي والسياسي السابق لهذه التجربة والذي تنوء بأحماله كل خطوة لهذه الديمقراطية..

سنلقي نظرة سريعة على بعض الاحزاب والحركات السياسية العراقية من الداخل لنرى مدى استيعابها لمفهوم الديمقراطية والاختلاف داخل كياناتها وبالتالي اثر ذلك على نظرتها اتجاه بقية الاحزاب والحركات المعارضة لها..

ونصل ما انقطع في بداية حديثنا عن الاتحاد الوطني الكردستاني والذي اعاد انتخاب امينه العام جلال الطالباني مرة  جديدة مع عدم النظر الى تجربة الانشقاق التي حدثت في صفوفه قبل فترة والتي قادها نوشيروان مصطفى وحركته للتغيير وفي الضفة الاخرى من كردستان يتربع السيد مسعود البرزاني على قمة الهرم الحزبي للديمقراطي الكردستاني وايضا منذ مدة طويلة ورغم اختلاف المرجعيات الفكرية للحزبيين (اليساري للاتحاد الوطني والعشائري للديمقراطي) إلا إنهما التقيا عند نقطة استبعاد ظهور اي زعامة جديدة في اي من الحزبين..

المجلس الأعلى:

أسسه السيد محمد باقر الحكيم في ايران وبقي زعيما له حتى اغتياله ثم خلفه أخوه السيد عبد العزيز الحكيم وبعده خلفه ابنه السيد عمار الحكيم على الرغم من صغر سنه وحداثة تجربته السياسية ووجود شخصيات وأسماء لها حضور طويل في تاريخ المجلس (عادل عبد المهدي, بيان جبر الزبيدي, همام حمودي) وغيرهم.

حزب الدعوة

لا تظهر فيه زعامة جديدة إلا عن طريق الانشقاق والتي حدثت فيه أكثر من مرة حتى تعددت أسماؤه ووصلت حاليا إلى (تنظيم العراق – جناح الجعفري – جناح المالكي).

الحزب الشيوعي

أمينه العام حميد مجيد موسى منذ سنوات طويلة..

المؤتمر الوطني..

أسسه احمد الجلبي بدفع من الولايات المتحدة الأمريكية ليكون جامعا لفصائل المعارضة العراقية في عهد صدام حسين وبقي زعيما له حتى اللحظة الراهنة رغم انسحاب جميع الأحزاب الأخرى..

حركة الوفاق:

لم تكن للسعوديين أية علاقات من أي نوع مع المعارضة العراقية، بسبب علاقاتهم المتينة والحميمة مع صدام ونظامه، وعلى إثر غزو صدام للكويت وإقدامه على حشد قواته على الحدود السعودية، ومهاجمة كتيبتين مدرعتين من الحرس الجمهوري العراقي  لمدينة الخفجي السعودية، أصبح السعوديون في أمسّ الحاجة إلى جسور جيدة مع المعارضين العراقيين. وكانت أغلب تنظيمات المعارضة قد وزعت ولاءاتها على دول أخرى سبقت السعودية، وخاصة حكومات إيران وسوريا وأميركا..

في نهاية العام 1990 تقرر تأسيس الوفاق. بزعامة صلاح عمر العلي وكان إياد علاوي مساعده الإداري والمالي لكن الخلاف لم يلبث أن تفجر بين إياد وصلاح في أواسط شباط 1991. فما كان من إياد علاوي ومؤيديه، تحسين معلة ونوري البدران واسماعيل القادري، إلا اقتحام مكاتب جريدة الحركة (بغداد) في لندن، والسيطرة عليها، مع معداتها وأختام الاسم الرسمي للحركة، الأمر الذي جعل صلاح يقدم على إنشاء حركة جديدة باسم "الوفاق الديمقراطي"، وإصدار جريدة أخرى باسم "الوفاق".

ولم تصبح "حركة الوفاق الوطني العراقي" جزءاً أساسياً من نظام المحاصصة في القيادة العليا للمعارضة إلا بعد أن أصبحت حركتين؛ الأولى بقيادة الدكتور إياد علاوي الذي تمت إضافته، فورا ودون عقبات،  إلى نادي القادة الستة الكبار، ليصبح عددهم سبعة بعد اضافة المجلس العراقي الحر والذي تأسس أيضا بالمال السعودي، إضافة إلى الخمسة الذين شكلوا لجنة العمل المشترك في دمشق والتي أسست في عام 1990، وُشكلت أمانتها العامة من خمسة أعضاء لقيادة العمل العراقي المعارض وهي:

- الجبهة الكردستانية.

- المجلس الأعلى للثورة الإسلامية.

- حزب الدعوة الإسلامية.

- حزب البعث العربي الاشتراكي- التنظيم السوري.

- الحزب الشيوعي العراقي

التيار الصدري..

زعيمه مقتدى الصدر انتقلت اليه الزعامة بعد العام 2003 كونه الوريث الوحيد لوالده السيد محمد صادق الصدر ..

لم تشهد تلك الحركات والاحزاب السياسية وطيلة وجودها وعملها في المعارضة ايام صدام حسين او في السلطة بعد العام 2003 مراجعة علنية لتجربتها او انتخابات تأتي بزعامات جديدة لها فأما الزعامة مستمرة منذ التأسيس واما انها تصل عن طريق الوراثة وفي حالات اقل عن طريق الانشقاق وهو انشقاق يحول رفاق الأمس إلى أعداء اليوم وكل يتهم الاخر بالخيانة والخروج عن مبادئ الحزب والتنكر لها..

بعد تلك اللمحة السريعة (للمعارضات) العراقية حيث لم تكن يوما موحدة رغم وجود عدو واحد ، نقلت اخطاءها وخطاياها وسلبياتها الى داخل الجسد السياسي بعد تسلمها السلطة، ونقلت تلك السلبيات ايضا الى الحركات والاحزاب الجديدة التي تاسست بعد العام 2003 وخاصة ما يتعلق منها بالزعامة الواحدة الابدية، وعدم ممارسة الديمقراطية بما تعنيه من تبادل للأدوار والمواقع داخل صفوفها ومراجعة برامجها وعقائدها الإيديولوجية ومدى ملاءمتها للواقع السياسي الذي تفرضه اللحظة السياسية الراهنة.. وكل تصوراتها تنصب على فهم ان الديمقراطية تعني الانتخاب وحده دون توفر الشروط الموضوعية لمثل هكذا انتخاب..

هذا الفهم المغلوط للديمقراطية ولممارستها قاد الى هذا الجمود السياسي الذي عنوانه الصراع على السلطة وليس التنافس مستعينة بكل الأسلحة والأدوات غير الديمقراطية..

ويمكن لنظرة فاحصة لتاريخ الدورة السابقة أن تقدم الكثير من الشواهد على صراع المصالح بين الكتل والأحزاب داخل قبة البرلمان حول الكثير من مشاريع القوانين التي يفترض ان تقرّ لخدمة الناخبين بعيدا عن مساومات وتنازلات متبادلة لتلك الكتل والاحزاب..

لا نجاة من الغرق في عسل السلطة إلا بفهم جديد للديمقراطية وممارستها والبدء من داخل الأحزاب نفسها وترميم سقوفها التي قد تسقط يوما على رؤوس من تحتها..

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/حزيران/2010 - 6/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م