السلوك الفردي في المكان العام

 

شبكة النبأ: تنم طبيعة الإنسان وسلوكه عن ثقافته ونوع شخصيته والسمات التي يتحلّى بها بوجه عام، وثمة نوعان أساسيان من السلوك الانساني، الأول يتعلق بالاماكن الخاصة كالبيوت التي تعتبر مساحة حرة تتيح للفرد أن يقوم بكثير من السلوكيات الخاصة الى لا تنسجم مع ما يتطلبه المكان العام من ضوابط واعراف وما شابه.

وهذا يؤكد على أن الأمكنة العامة ليست ملكا فرديا ولا خاصا بل هو ملك عام لعموم الناس، مما يقود الى أهمية التزام الفرد بالضوابط العامة التي تحكم سلوك المجتمع ككل، وهنا لا تفضيل لفرد او لشريحة على أخرى من حيث السلوك، أي لا يُسمح بالتباين السلوكي بين الافراد في الامكنة العامة، فهناك منظومة أخلاق وأعراق وتوجيهات دينية متفق عليها تقوم على ضبط الحركة العامة للمجتمع، ولابد للجميع أن يلتزم بها.

لهذا يعتبر أي خروج على هذه المتفقات الاخلاقية والعرفية والدينية خروجا على السلوك الجمعي المنظّم بضوابط معروفة ومتفق عليها بين أغلبية المجتمع ما يقود الى رفض أي سلوك يشذ عن هذه الضوابط والمتفق عليها بين معظم الناس، وحين يخرج الفرد عن هذه الضوابط يعتبر خارجا عما اتفق عليه المجتمع وهذا ما يؤدي الى نبذ الفرد الخارج على العرف والاخلاق والدين وما شابه.

ولكن كيف يمكن أن تترسخ منظومة القيم والاعراف والتعاليم الدينية في المجتمع ؟ وهل ثمة حاجة ماسة لذلك؟ ومن هي الجهات التي تقع على عاتقها مسؤولية توعية الناس ودفعهم نحو احترام الضوابط المتفق عليها.

إن الجهات المعنية بهذا الامر لا تنحصر بجهة دون غيرها، فالمؤسسات الرسمية التعليمية وغيرها معنية بتقويم وتعضيد سلوكيات المجتمع نظريا وفي جانب التطبيق من خلال دور المؤسسات والمنظمات المعنية بهذا الشأن، كما هو الحال بالنسبة للجهات غير الرسمية، إذ ينبغي أن يكون لها دورها الفعال في هذا المجال، كالمؤسسات الدينية التي لابد أن تقوم بدورها في زيادة ومضاعفة وعي الناس وانضوائهم تحت ضوابط السلوك المقبول، كما أن الفرد نفسه تقع عليه مسؤولية من هذا النوع تجاه نفسه وتجاه الآخرين أيضا، ومن تعاضد مجموع هذه العناصر يمكن أن تترسخ ضوابط السلوك الفردي والجمعي.

أما الحاجة لمثل هذه التوجهات والانشطة فهي حاجة قاطعة لا يمكن التخلي عن طلبها فيما لو كانت هناك نوايا صادقة لتكريس الفعل والسلوك الاخلاقي على نحو عام، فالشعب بلا اخلاق كالنهر بلا ماء تماما كما يقول احد المفكرين وما فائدة نهر جاف بالنسبة لحياة لابد لها من الماء كي تبقى فاعلة وحاضرة، وما فائدة فرد او مجتمع لا يتحلى بالسلوك الخلوق ؟

لذا لابد أن ترتبط قضية الاخلاق بقضية مواصلة الحياة والهدف منها، أي ثمة ترابط قطعي بين الاخلاق والحياة نفسها.

وفي الكلام عن الكيفية التي يمكن أن تترسخ فيها منظومة سلوك يستند الى الاخلاق والاعراف والقيم والتعاليم الدينية الانسانية، فإن ذلك كما هو معروف منوط بالجهات ذات العلاقة، وهي جهات مؤشرة ومعروفة مثلما تعرف هي واجباتها سواء على المستوى الرسمي الحكومي او على مستوى المجتمع المدني.

وفي العودة الى السلوك الفردي والتفريق بين القيام به في المكان الخاص او العام، لابد أن يفهم الفرد والمجتمع أن الكثير مما يصلح للبيت من افعال وانشطة لايصلح القيام به في الأمكنة العامة كالشوارع او الساحات او المقاهي او سيارات الاجرة وغيرها.

ولابد من ضبط السلوك الفردي خارج البيت، لأن جميع الامكنة التي تقع خارج الملك الشخصي هي ملك لعموم الناس وبهذا غير مسموح للفرد أن يتجاوز على ضوابط الملك العام وأخلاقياته وضوابطه، ومع أهمية وضرورة دور التربية البيتية والعائلية والمدرسية والتوجيهية للافراد بهذا الاتجاه، لكن لابد أن يكون للقانون دوره في هذا المجال.

وهنا نأتي بأحد الامثلة التي تتعلق بطبيعة السلوك الفردي والجمعي خارج البيت، حيث حددت الجهات المعنية أماكن ثابتة ومؤشرة لعبور الشوارع وذلك بتخطيطها بخطوط بيض واضحة ولا يُسمح لعبور الشوارع من قبل المشاة من أماكن أخرى، وحين كان يخالف أحد المارة فإن الغرامة الفورة تكون بانتظاره من قبل رجل المرور، حتى بدأ الناس يتعلمون ويعتادون العبور من أماكن العبور المخصصة لهم، وهنا كان دور القانون عاملا مساعدا على ضبط السلوك الفردي والجمعي معا.

وثمة الكثير من السلوكيات الفردية التي لا تنسجم بحدوثها في الاماكن العامة، نتيجة لضعف التربية في هذا المجال، وفي هذه الحالة لابد للتشريع أن يأخذ دوره القانوني في تعليم الناس واجبارهم على اعتياد السلوك الصحيح، وهذا ما يُعمل به حتى في ارقى الشعوب تطورا.

إذن هي دعوة للجهات الرسمية المعنية لضبط السلوك الفردي والجمعي في الاماكن العامة على أن لا يستثنى من ذلك أحد (كأبناء المسؤولين او المسؤولين أنفسهم) وهي دعوة لعموم الجهات المعنية بأخذ دورها الصحيح في نشر سلوك متحضّر ومعاصر بين الجميع يفرّق بين السلوك في الاماكن الخاصة والعامة، ويعمل على مساعدة المجتمع لكي ينتمي الى روح العصر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17/حزيران/2010 - 4/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م