يحكى أن معاوية بن ابي سفيان حينما أراد أن يختبرَ أولادهُ لولايةِ
العهد بعثً اليهم, فجاءه عبد الله ويزيد فسأل الأول وكان أبلهً قال له
: أي بني إني أردت أن أعطيك ما أنت أهله فقل ما تريد , فقال: اريد كلبا
ً فارها ً وحمارا ً قويا ً فقال له معاوية يابني أنت حمار!!! وأشتري لك
حمار!!!! , أخرج.
فدخل عليه يزيد فبادره معاوية بنفس السؤال السابق لأخيه فخر يزيد
ساجدا ً (والعهدة على الراوي) ورفع رأسه فقال: الحمد لله الذي أوصلك
الى هذا القرار يا ابتي , وأني والله لا اريد الخلافة ولكنَ اريد أن
تعتقني من النار لأن من أصبح خليفةً (رئيسا ً) على المسلمين ثلاثة أيام
أعتقه الله من النار ثم راح يزيد يعدد الامتيازات والإنجازات التي
سيحققها للناس وهو يبكي , فقال يا أبتي والله لا أقبل ولاية العهد إلا
بعد تأذن لي وللفقراء بالحج وتزيد لأهل الشام كل رجل عشرة دنانير وو......
الخ, وباصطلاحنا العراقي ( سواها كمره وربيعة لكن طلعت شوك وعاكول) ,
ففي العام الأول قتل الحسين وفي الثاني ضرب الكعبة المشرفة بالمنجنيق
واستباحها لجنوده، وفي الثالث واقعة الحرة التي قتل فيها أكثر من700
صحابي وقارئ للقرآن، فهل سيعتقه الله من النار؟
هذا الكلام ينطبق على بعض السياسيين فكم من هؤلاء على شاكلة عبد
الله ؟ وكم منهم على شاكلة أخيه؟ الذين يتباكون على العراق ليلا ً
ونهارا ًويعددون المنجزات التي سيحققونها فيما لو كانوا في الحكم,
ويهددون بالحرب الأهلية والتداعيات الأمنية إن لم يكونوا في السلطة
وكأن الحكومة مختزلة في السلطة فقط والعجيب أن هؤلاء يدعون بأنهم
ديمقراطيون متناسين في الوقت ذاته أن هناك في النظام الديمقراطي شيء
أسمه حكومة الظِل أو المعارضة وهي السلطة الرقابية على أداء الحكومة
ولعلها أكثر تأثيرا ً من السلطة التنفيذية وأكثر فاعلية ولكن العقل
السياسي العراقي لا يزال يعيش في العقلية الآنفة الذكر وهي عقلية
السلطة وخداع الناس, ولعلهم آمنوا بالمقولة السالفة الذكر (مَنْ أصبح
رئيسا ً لأربع سنوات أعتقه الله من النار).
ولهذا بقيت جلسة البرلمان مفتوحة حتى يحظى أحدهم بالعتق من النار
ويوزع على الفقراء بعض الدنانير ولعله يمُنُ عليهم بالحج الذي أصبح
أمنية بل حلم كثير من كبار السن والفقراء, وشبيه هؤلاء السياسيين بعض
خطباء الجمعة الذين يوصون الناس بالعزوف عن الدنيا ويصفونها بأنها حفت
بالشهوات وأنها حلوه زينها الشيطان لأوليائه ويوصون بتقوى الله وهم على
العكس من ذلك, ولكن الله سبحانه يقول ( كبُر مقتا ً عند الله أن تقولوا
ما لا تفعلون). فهؤلاء الذين ملئوا الدنيا ضجيجا ً من أجل الوطن
والمواطن لماذا لا يتنازلون لبعضهم البعض ويريحون الوطن والموطن من
العناء , فالمواطن هو مَنْ سيعتَّقهم من النار وليست الرئاسة.
* كاتب وإعلامي |