في يوم الصحافة العراقية: هل من ضوابط مهنية؟

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: هل من علاقة بين كثرة وسائل الإعلام (إذاعة مسموعة – إذاعة مرئية – صحافة مطبوعة – صحافة الكترونية) وبين الحرية؟

ثم هل هناك من ضوابط ومعايير مهنية لهذه الوسائل الاعلامية في تعاطيها مع الشأن العام بكل اهتماماته وتنوعاته؟ ونستبعد إعلام الفضائح عن هذه السطور رغم أهميته أحيانا فيما يتعلق بالشؤون الشخصية لأفراد المجتمع التي يحميها القانون..

تشكل الوسائل الإعلامية في زمننا الحاضر وفي وقت واحد، صناعة، وخدمة عامة، ومؤسسة سياسية..

 ويرى متعهدو الوسائل الإعلامية و(المعلنون) إن الإعلام والترفيه هما أدوات يستثمرون بها موردا طبيعيا هو المستهلك ويجهدون للحفاظ على نظام قائم يوافق مصالحهم.. من جهة أخرى يرى المواطنون أن الإعلام والترفيه سلاح يستخدمونه في نضالهم من اجل السعادة التي لا يمكنهم بلوغها دون اجراء تغيير في النظام القائم كما يرى جان كلود برتراند في كتابه (أدبيات الإعلام).

لا يمكن ان يقتصر هدف الوسائل الإعلامية فقط على ربح المال ولا ان تكون مجرد حرة فالحرية هي شرط ضروري ولكن غير كافي والهدف المرجو هو حيازة وسائل اعلامية تخدم بشكل جيد جميع المواطنين.. ففي جميع انحاء الغرب الصناعي تتمتع الوسائل الاعلامية الخاصة بالحرية السياسية منذ زمن طويل.

 مهام وسائل الإعلام كما يراها الخبراء والباحثون في هذا المجال:

1- دراسة البيئة المحيطة بالانسان: من خلال تقديم تقرير سريع وكامل عن الاحداث التي تجري في الجوار.. ويكمن دورها في الحصول على الخبر وعلى تدقيقه وترجمته والى تداوله فيما بعد كما يتعين عليها مراقبة السلطات الثلاث ( التنفيذية والتشريعية والقضائية)

2- تحقيق الاتصال الجماعي: وهو ما نلاحظه في المجتمعات الديمقراطية حيث يتم تهئية التسويات عن طريق الحوار بغية حل المشاكل الكبرى..

3- تقديم  صورة عن العالم الذي نحن فيه: ليس لأحد معرفة مباشرة بكل ما يدور في الكرة الأرضية فما يعرفه المرء علاوة على خبرته الشخصية يأتيه من المدرسة ومن المحادثات بل من وسائل الاعلام بشكل خاص..

4- نقل الثقافة المجتمعية: وهو تراث المجموعة المنقول من جيل الى اخر وهو نقل التقاليد والقيم التي تمنح الفرد هويته العرقية او الدينية فالإنسان بحاجة الى ان يستوعب ما يفعل وما لا يفعل وما يدعو للتفكير وما لا يدعو.

5- الإسهام بالسعادة والترفيه: يعتبر الترفيه في مجتمع عامة الناس اكثر ضرورة اليوم منها في الماضي للتخفيف عن حالات التوتر التي تعرض المرء الى اصابته بالمرض او بالجنون .

6- الحث على الشراء: تعتبر الوسائل الإعلامية المحركات الأساسية للدعاية هدفها الاول في معظم الأحيان هو جذب جمهور معين لبيعه للمعلنين..

أنماط الوسائل الإعلامية

1- الصحافة المكتوبة

2- الوسائل الإعلامية السمعية والمرئية

3- الوسائل الإعلامية العامة  (الخاضعة لرقابة الدولة)

4- الوسائل الإعلامية التجارية الخاضعة للرقابة المالية

5- الوسائل الخاصة ذات الهدف غير الربحي.

بالنسبة للضوابط المهنية تكون صحافة الإعلام العام محايدة نسبيا والتي تستند اليها معظم القوانين ..

وصحافة الرأي (الدينية والعرقية والحزبية) يمكن لها ولأسباب إيديولوجية ان تشوه الواقع وان تكتم الأفكار المناهضة كما يمكن ان تبدو ظالمة ومهينة ومدفوعة حتى دون ان يطلب اليها احد لان تكذب مثلا وان تثير الكراهية العنصرية او العنف..

وبالنسبة للصحافة الاختصاصية قان مادتها تأتي في جزء كبير منها من الناشرين الذين يصعب التحقق من صحة معلوماتهم وترد عائداتها من المعلنين الاختصاصيين..

وأخيرا صحافة الإعلانات المؤلفة من الدعاية فحسب وصحافة المشاريع والتجمعات المحلية التي تعنى بالعلاقات العامة.

الضوابط المهنية: يمكن تعريفها بأنها مجموعة من المبادئ والقواعد أنشأتها المهنة أفضلها ما سنّ بالاشتراك مع مستخدميها بغية تلبية حاجات مختلف فئات الشعب بشكل أفضل...

والضوابط المهنية: التي تطبق ضمن مهنة ما غالبا ما تكون عرفا غير مكتوب يحدد بالتوافق ما يجوز فعله وما لا يجوز..

فيما يتعلق بالقوانين والأنظمة فأنها تحدد إطارا عاما يمكن لكل ممارس ان يختار ضمنه ما يناسبه من السلوكيات المنوعة.. وتستمد فاعلية اي قانون من البيئة الاجتماعية والسياسية..

أما الضوابط المهنية فترسم إطارا آخرا أكثر ضيقا ولكنا تترك أيضا خيارا يقوم به الفرد حسب قيمه الشخصية.

يمكن للوسائل الإعلامية أن تسبب أذى خطيرا دون ان تخرق القانون ويمكن لأفعال يسمح بها القانون ان تكون مخالفة للضوابط المهنية كقبول صحفي مثلا لدعوة من يد سياسي لقضاء عطلة ترفيهية راقية..

ويحدث على العكس من ذلك الا تتساهل الضوابط المهنية حيال افعال غير مشروعة كتزوير هوية شخصية او سرقة او سرقة وثيقة لإثبات فضيحة تسيئ بشكل خطير للمصلحة العامة.

ويمكن مشاهدة ذلك في الكثير من وسائل الإعلام عبر مقدمي البرامج الذين يتجاوزون الأعراف المهنية المعمول بها والذين اطلق عليهم تسمية (كلاب الحراسة الجدد) وهو عنوان كتاب أصدره سيرج هاليمي في باريس عام 1997 عن مقدمي البرامج الذين يعتبرون نجوما في الصحافة المرئية والذين يعتبرون الأكثر انتهاكا للضوابط المهنية..

في العراق وبعد العام 2003 تأسست الكثير من الواجهات الإعلامية ( صحف – اذاعات – فضائيات) مستفيدة من مناخ الحرية الذي فاجأها بعد عقود طويلة من الحجر على الاراء والأفكار.. قسم منها استمر في عمله وقسم آخر توقف لأسباب عدة لا مجال لذكرها وبين هذا وذاك استمرت عملية الظهور والاختفاء للكثير من العناوين..

تعددت طرق تأسيس هذه الواجهات الإعلامية وتنوعت مصادر دعمها وتمويلها فقسم تأسس عبر جهود شخصية وهو لم يستطع الاستمرار وقسم تأسس عبر الأحزاب والجهات السياسية او عبر تمويل خارجي من قبل بعض الدول..

القسم القليل من هذه الواجهات الإعلامية حافظ على مهنيته وان بصورة بسيطة والقسم الاعظم منها تبنى وجهات نظر وسياسات الداعمين لهذه الواجهات ..فترى في خطابات هذه الواجهات الكثير من صور التشكيك بالآخرين والتحريض على العنف والكراهية وتحربف المواد الإخبارية بما يخدم توجهات تلك الواجهات.. وكثيرا ما ساهمت في ارباك المتابع العراقي للأحداث بسبب عدم حياديتها في نقل الأخبار وتحليلها او بسبب الوجوه والأقلام والأصوات التي تفسح مجالا لها للظهور الإعلامي..

وكثيرة هي المحطات التي يمكن الاسترشاد بها للتدليل على ما ذهب اليه كاتب السطور وأقربها إلى الذاكرة التغطية الاعلامية للانتخابات العراقية الاخيرة.. حيث تخلت تلك الواجهات الإعلامية عن مهنيتها وتحولت الى منابر انتخابية للمرشحين حتى المستقلة منها للترويج لقائمة معينة ضد القوائم الأخرى.. مستعينة بحجم كبير من التلفيق والديماغوجية الإعلامية، وتخلت عن رسالتها الإعلامية في الحياد وتقديم الحقائق للموطن العراقي..

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 16/حزيران/2010 - 3/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م