رفع الحصار أم إعادة رسم الخريطة

الجغرافية والسياسية لفلسطين والمنطقة ؟

د. إبراهيم أبراش

ستة أحداث تملأ فضاء المشهد السياسي الفلسطيني في المرحلة الراهنة:

 1) فشل التسوية المؤسَسة على اتفاقات أوسلو التي تتعامل مع الضفة وغزة كوحدة جغرافية وسياسية واحدة.

2) توقف المقاومة في كامل ربوع فلسطين باستثاء المقاومة المشرفة وغير الحزبية لأهلنا في 48.

3) فشل المصالحة الفلسطينة الهادفة لإعادة توحيد غزة والضفة أو الدولة المُفترضة.

4) تكثيف الحديث عن رفع الحصار عن غزة بحيث بات مطلب رفع الحصار أو تخفيفه مطلبا فلسطينيا عاما وعربيا وإسلاميا ودوليا وحتى أمريكيا.

5) تصاعد التهديدات ضد فلسطينيي 48 وتعاظم المطالبة بطردهم من إسرائيل.

6) التخوفات التي تعبر عنها أوساط أردنية من مخططات قادمة تتعلق بالتسوية.

فهل التزامن أو التعاقب المتسلسل لهذه الأحداث جاء مصادفة أم يربطها رابط ما بحيث يمكن أن تؤسس مجتمعة أرضية لتسوية جديدة ؟وهل سيؤدي رفع الحصار عن غزة لاستنهاض الحالة الوطنية الفلسطينية من خلال رد الاعتبار للسلام العادل وللمقاومة وللمصالحة الوطنية ؟أم سيؤسس رفع الحصار لحالة جديدة تعيد صياغة تعريف القضية الفلسطينية وقد تعيد رسم الخارطة السياسية والجغرافية في المنطقة ؟.

قد تبدو هذه التساؤلات في نظر البعض خارج سياق حدث جزئي وإنساني وهو رفع الحصار عن قطاع غزة، ولكن كل من يعود لجذور الحصار وملابسات حدوثه، ومَن يلم بالاستراتيجية الإسرائيلية خلال السنوات القليلة الماضية، ومَن يقرأ جيدا تصريحات ومواقف المسؤولين الامريكيين والأوروبيين حول الحصار وشروط رفعه، سيلمس أن هناك توجهات لتوظيف رفع الحصار عن قطاع غزة بما يتجاوز تصورات ونوايا ذوي النوايا الحسنة من المتعاطفين مع اهل غزة. يمكننا وضع اليد على ستة تصورات أو رؤى حول الحصار وشروط رفعه:

1. الرؤية الإسرائيلية: رفع الحصار مقابل تكريس الانقسام ووقف المقاومة وتسليم شاليط.

2. الرؤية الأمريكية: ربط رفع الحصار بتسوية قادمة تؤسَس على واقع الانقسام.

3. الرؤية الأوروبية: رفع الحصار الاقتصادي في إطار سلام اقتصادي كما هو الحال في الضفة مع ضمان أمن إسرائيل.

4. الرؤية العربية: ردود أفعال ارتجالية وإعلامية بدون استراتيجية واضحة.

5. رؤية الرأي العام العالمي: دوافع إنسانية ورفع الحصار بدون شروط.

6. الرؤية الفلسطينية: رؤية شعبية مُغَيبة، ورؤية رسمية غائبة.

إذن هناك عدة رؤى للحصار وشروط لتخفيف الحصار أو رفعه وسيرتبط مصير قطاع غزة والقضية الفلسطينية بشكل عام بغلبة إحدى هذه الرؤى على غيرها أو توافق بعضها على حساب الرؤى الأخرى. وعندما نتحدث عن رؤى فليس المقصود مجرد تصورات نظرية لمثقفين أو مفكرين أو رجال سياسة بل كل رؤية تعبر عن مشروع سياسي للصراع ولمستقبل القضية الفلسطينية.

وللاسف فإن الرؤى والتصورات محل البحث تصدر عن الامريكيين والاوروبيين وهي تلتقي بدرجة كبيرة مع الرؤية الإسرائيلية، أما الفلسطينيون فليس لهم رؤية خاصة بهم بسبب الانقسام، صحيح ان الجماهير تريد رفع الحصار في إطار المصالحة، ولكن هذه الرؤية مُغَيبة عن ساحة الفعل، أما بالنسبة للمواقف الرسمية العربية، فباستثناء التصريحات النارية، كنيران ألعاب الأطفال، للقادة العرب والاكتشاف المتأخر للقادة وللسيد عمرو موسى بأن غزة محاصرة وان القضية الفلسطينية في خطر مما يتطلب رفع الحصار، فلا توجد رؤية أو استراتيجية عربية لرفع الحصار ولمرحلة ما بعده، حتى زيارة السيد عمرو موسى الامين العام للجامعة وهي زيارة تأخذ طابعا شخصيا وجاءت نتيجة إحساسه بالحرج بعد ما قامت به تركيا وبعد إبداء أردوغان استعدادا لزيارة القطاع، فلا قيمة لها ولن تبيض وجهه ولا وجه الجامعة العربية، غزة وفلسطين لا يحتاجا لزيارات إعلامية وتصريحات بدون مضمون، بل لقرارات مصيرية. كان باستطاعة السيد عمرو موسي أمين عام جامعة الدول العربية الدعوة لقمة وانتزاع قرار منها حول رفع الحصار والمصالحة، وخصوصا أن فلسطين، وليس غزة، عضو كامل العضوية في الجامعة العربية، لو كانت زيارة عمر موسى في إطار قرار قمة عربية أو في إطار تفويض وتكليف بالمصالحة الوطنية، أو كان لديه رؤية عربية حول رفع الحصار ومستقبل قطاع غزة والضفة والقدس بعد رفع الحصار، لكانت زيارته أكثر قبولا وترحابا، أما أن يأتي بزيارة ثم يترك ترتيبات رفع الحصار للأمريكيين والاوروبيين والإسرائيليين، فهذا ما لا نقبله لأمين عام جامعة دول عربية. كنا نتمنى لو أن احد مستشاري عمرو موسى نصحه بعدم زيارة غزة الآن.

نأمل في النهاية أن تتغلب الرؤية الوطنية الفلسطينية العقلانية الحريصة على المصلحة الوطنية، مصلحة كل الشعب وكل الوطن على الرؤى الأخرى، ولا نعتقد أن شعبنا تعوزه العقول القادرة على اجتراح حلول إبداعية لرفع الحصار عن غزة ومواجهة الاستيطان والتهويد في الضفة من خلال تقاسم وظيفي وطني مؤقت، يبدأ بجهود فلسطينية مشتركة ومتزامنة تعمل على رفع الحصار عن غزة في إطار توافق وطني، وفي نفس الوقت تشكيل جبهة مشتركة لمواجهة الاستيطان والتهويد في القدس، وعندما نقول تقاسم وظيفي مؤقت لان هذا الجهد لن يكون بديلا عن الاشتغال على إعادة بناء المشروع الوطني.

يجب عدم الاستهتار بما يحاك من مخططات تحت عنوان رفع الحصار عن غزة، فبعيدا عن الشعارات الإنسانية والعاطفية فهناك محاولات حثيثة ليكون رفع الحصار عن غزة جزءا من مخطط لإعادة رسم الخريطة السياسية والجغرافية في المنطقة، مخطط سيؤثر على أوضاع فلسطينيي 48 و على كيان الأردن وعلى حدود مصر وعلى هوية الضفة وغزة وعلى فلسطيني الشتات. اليوم تتوفر فرصة تاريخية لا تعوض لمواجهة الإرهاب الصهيوني ودعم القضية الفلسطينية في كل أبعادها ووقف ما يحاك من مؤامرات.

نعم هناك إنقسام فلسطيني وتردي في النظام السياسي العربي، ولكن هناك فرصة تاريخية تتمثل في المأزق الصهيوني وحالة الرفض الشعبي الدولي لسياساته والتعاطف المتزايد مع عدالة القضية الفلسطينية، والعالم مستعد ليخطو خطوات أكثر أهمية لرفع الحصار إذا ما وجد حاضنة وطنية فلسطينية تمثل الكل، هذه الحاضنة هي مشروع وطني تحرري بأهداف واستراتيجيات عمل واضحة ومحل توافق الجميع.

إن لم نبتهل هذه الفرصة التاريخية فسرعان ما سيضعف هذا الهيجان الشعبي والتعاطف الدولي لأن الرأي العام حالة متقبلة، وقيمته تكمن في القدرة على توظيفة لحظة تأججه وحراكه، وقد سبق أن تحرك الرأي العام العالمي لصالحنا مرات عدة كان آخرها أثناء العدوان على غزة في يناير 2009 ولم يؤدي هذا الحراك لحماية أهل غزة من الدمار الصهيوني ولا لبناء ما تم تدميره ولا لرفع الحصار عن غزة بسبب الإنقسام الداخلي.

Ibrahem_ibrach@hotmail. com

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 16/حزيران/2010 - 3/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م