شبكة النبأ: يتفق الجميع على أن
المعضلات التي تعاني منها الامم والشعوب تعود الى الادارة السياسية
السيئة التي تتم بها قيادتها تلك، حيث يكمن في هذا الجانب جوهر المشكلة
التي تعاني منها الانسانية في قضية المساواة بين كفتي الواجبات
والحقوق، لهذا السبب فإن النجاح في اختيار القائد وسلامة آلية الانتخاب
هي المعيار الأهم في نجاح الامم والشعوب بتحقيق حياة متوازنة تتطلع الى
التطور المتصاعد.
وخلاف ذلك فإن العشوائية السياسية ستقود الى ضياع الحدود بين
الواجبات والحقوق وبالتالي سيادة القهر وأساليب الاستحواذ وحصر السلطات
بيد الفرد او العائلة الواحدة او الحزب الواحد على حساب ملايين وربما
عشرات الملايين من البشر، لهذا ينبغي أن تكون الامة واعية لهذا الشرط
الهام الذي يتعلق بسلامة اختيار القيادة المؤهلة للقيام بهذا الدور
المصير، إذ يقول المرجع الراحل آية الله العظمى الامام السيد محمد
الحسيني الشيرازي (رحمه الله) حول هذا الموضوع بكتابه الثمين (السبيل
الى إنهاض المسلمين):
(لكي تتحرّك مختلف فصائل الأمة نحو إقامة حكومتها الإسلامية الكبرى،
ينبغي أن تكون على بصيرة من أمرها، وتعرف جيداً طبيعة الحكم والقيادة
التي ستشرف على إدارة شؤونها وتقرر لها مصيرها، وتخطط لمستقبلها).
فالمسؤولية تقع على الامة مثلما تقع على قيادتها إذ لا يجوز ترك
الامور على عواهنا وتخويل القادة بكل السلوكيات التي لابد انها تقود في
الآخر الى التفريط بحقوق الناس، وهو أمر غالبا ما يبدأ بصورة بسيطة
وخطوة غير ذات أهمية لكنها ما تلبث تتعاظم وتنمو لتصبح السلطة الفردية
قادرة على التحكم بمصائر الملايين من دون مراعاة للحقوق التي ينبغي أن
تسهر القيادة على حمايتها.
ويرى الامام الشيرازي (رحمه الله) بعض الشروط التي ينبغي أن تتم من
خلالها قيادة الناس وادارة شؤونهم من خلال سيادة تعاليم الاسلام
ومبادئه والاسترشاد بها إذ يقول الامام الشيرازي بكتابه نفسه بهذا
الصدد:
(سنذكر جانبين من جوانب أسلوب الحكم الإسلامي:
أولاً: إن من الشروط الأساسية في الحكومة تحقيق الشورى والاستشارة
في كافة المجالات).
ويؤكد الامام الشيرايزي (رحمه الله) في كتابه نفسه على أن:
(رئاسة الحكومة تكون عبر انتخابات حرة ينتخب فيها الحاكم تبعاً
لأكثرية الآراء، شرط أن تتوفر فيه المواصفات التي اشترطها الله سبحانه
كالعدالة والاجتهاد في الأمور الدينية والاطلاع على شؤون الدنيا إلى
آخر ما هو مذكور في كتب الفقه المفصلة. وكذلك في كل إقليم وناحية من
نواحي البلاد الإسلامية يجب أن ينتخب الناس مرجعاً يكون حاكماً لهم،
فإقليم العراق، أو إيران، أو إندونيسيا، أو الباكستان.. إلخ، كل ينتخب
حاكماً، ويجب أن يخضع حكّام البلاد الإسلامية للحاكم الأعلى الذي ينتخب
أيضاً بأكثرية الآراء. ومن الضروري أن تجرى انتخابات عامة بين فترة
وأخرى ـ كل أربع أو خمس سنوات مثلاً ـ لانتخاب الحاكم العام والحكام
المحليين حسب رأي الأكثرية ايضا).
هذا يعني أننا لايمكن أن نوافق أو نسمح أو نساعد على تكوين
الدكتاتوريات أو تركيز السلطة بيد الفرد الحاكم او الحزب الاوحد وما
شابه، وثمة رؤية هامة أخرى يؤكد الامام الشيرازي على الالتزام بها
وتطبيقها فيما لو ارادت الامة النجاح بتنظيم النشاط السياسي الخاص بها
حيث يقول سماحته في الكتاب نفسه:
(من الضروري توحيد البلاد الإسلامية كلّها تحت لواء حكومة إسلامية
واحدة ذات ألف مليون مسلم).
ولعلنا نحتاج الى شروط أخرى من اجل تحقيق مبدأ الحكومة الديمقراطية
التي تسمح للشعب عبر ممثليه والمنظمات الاخرى الفاعلة المشاركة في صنع
القرار السياسي، او بمعنى اوضح المشاركة في تحديد شكل الحكم والمشاركة
في قيادة نفسها، وفي المقدمة منها كما يرى الامام (رحمه الله) مضاعفة
الوعي لدى الناس وهي مهمة العلماء والمثقفين المعنيين بهذا الجانب إذ
يؤكد الامام الشيرازي مسؤولية الصفوة في هذا المجال ودورهم في زيادة
وعي العامة إذ يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد:
(على أصحاب الأقلام والمفكرين أن يعطوا للناس الوعي بضرورة كون
الحكومة استشارية، ووجوب إقامة حكومة عالمية واحدة، ولزوم اتخاذ سياسة
اللاعنف في كافة المجالات).
وهناك هدف مهم يركز عليه الامام الشيرازي يتعلق بأهمية نشر التعاليم
الاسلامية خارج حدود المسلمين، إذ ينبغي العمل على اطلاع الآخرين على
المحتوى الاسلامي بخصوص قضية الحكم وأهمية اعتماد الآليات الاستشارية
في اختيار القادة والحكام عموما.
وهذا ما يؤكد مواءمة الاسلام لمجريات العصر سواء في المجالات
السياسية وغيرها لاسيما ما يتعلق بانتخاب القادة والحكام وفقا لآلية
معاصرة قائمة على الاختيار الحر. |