“إذا لم يشترك العرب في صناعة البحث العلمي، فيكون لديهم التعليم
المتطور، فإنهم لن يتفاعلوا مع المنجزات العلمية الحديثة، وسيكون دورهم
هو شراء التكنولوجيا والمنجزات فقط، مثلما يشترون الآن السيارات مثلا
دون أن يصنعوها”. بهذه الكلمات افتتح العالم المصري – الأمريكي الفائز
بجائزة نوبل في الكيمياء سنة 1999 الدكتور أحمد زويل، منتدى الإعلام
العربي التاسع، الذي عُقِد بتاريخ 12 من الشهر الماضي بدبي.
حينما يستمع المرء لهذا العالم والمخترع الكبير فإنه يسمع صوت
الأنين وآهات الحسرة تخرج من ثنايا كلماته، تلك من دون شك نتيجة الواقع
المزري الذي نعيش فيه. فحينما يتكلم شخصية مثل (زويل) القادم من دولةٍ
تضخ المليارات للبحث العلمي، وتمنح كل التسهيلات للعلماء والمكتشفين،
وتوفر لهم مباني مُجهزة بأحدث التقنيات، يختلف عن الباحث في بلداننا،
الذي بالكاد يجد مختبراً بحجم غرفة نومه أو ما يزيد قليلاً. وكيف يا
ترى يمكن إيجاد علماء وباحثين ومكتشفين إذا كانت المخرجات التعليمية
لدينا بهذه المستويات الهابطة، والشهادات الجامعية تمر بالاستثناءات،
والمراكز العلمية شبه معدومة؟
الدكتور زويل يفصح عن أسباب التخلف، ويقارن بين دولنا والدول
الغربية، فيقول: “إن أهم التغيرات التي حصلت في العالم الغربي هو وجود
إرادة سياسية ورؤية سياسية قادمة من الأعلى، وضرب أمثلة بالتطور الكبير
الذي تشهده أمريكا والدول المتقدمة على صعيد البحث العلمي، موضحاً أنه
إذا لم يكن لدى العالم العربي قدرة على تطوير البحث العلمي والتعليم
فلن يمكنه التفاعل مع هذه التطورات”.
وأهم ما جاء في كلمة زويل دعوته العرب بأن يكونوا مشاركين في بناء
القاعدة العلمية، مثل كوريا الجنوبية واليابان وماليزيا والصين. انتشار
وسائل الاتصال ساعد في تكديس المعلومات في عقل المواطن العربي من دون
أن يتفاعل معها تفاعلاً إيجابياً، أي قدرته على تحويل المعلومة إلى
فكرة ومن ثم إلى تجربة، وأخيراً إلى تنفيذ.
الدكتور زويل يقول في هذا الشأن: “إن الإنسان يستطيع الحصول على
المعلومة، لكنه قد لا يمكنه بناء فكرٍ جديد”، وطالب بضرورة تحويل
المعلومة إلى معرفة. كلام زويل يكشف جلياً عن وجود أزمة معرفة في
عالمنا العربي، وكيفية تعاطينا مع المعلومة الهائلة التي تأتينا من
الفضاء والأرض، وعبر شبكات السيليكون التي تتشابك خيوطها كخيوط
العنكبوت حول الكرة الأرضية.
الدكتور زويل سبق أن طرح آراءه في النهضة من خلال محاضراته القيمة
وفي مناسبات عديدة، وفي قراءتنا لأفكاره نجد أن الرجل يتمتع بثقافة
سياسية وقانونية وعلمية كبيرة قلّ نظيرها في العالم العربي، وتتلخّص
أفكاره في النهضة في المقومات الأربعة التي ينادي بها دائماً، وهي
أولاً: وجود دستورٍ عادلٍ وقيام حكمٍ رشيد، وثانياً: سيادة القانون
وتطبيقه على الجميع من دون استثناء، ثالثاً: تحديث التعليم، ورابعاً:
تحديث الثقافة مع الحفاظ على القيم.
المقوّمات الأربعة قد لا تعتبر نقاطًا جديدة، وسبق للكثير من
المفكرين أن طرحوها وبأساليب مختلفة، إلا أن إطلاقها بصورة متكرّرة من
قبل شخصية علمية كبيرة في مستوى زويل تعني أنّ الرجل قد كشف عن الأمراض
المزمنة (السياسية والقانونية والثقافية والعلمية) التي تعاني منها
شعوبنا بصورةٍ دقيقةٍ، وقد اختار لها الوصف العلاجي الذي يناسب حالتها
المرضية. لكنّ السؤال المهم: هل تجد صرخات الدكتور زويل آذاناً صاغية
في أوساط أصحاب القرار؟ |