اليورو... كبوة فرس أم كرة ثلج متدحرجة؟

 

شبكة النبأ: تراجع اليورو الى أدنى مستوى له منذ 2006 مقابل الدولار مؤخرا في أسواق آسيا وأوروبا وأميركا بعدما أثار تحرك ألمانيا لحظر بعض المضاربات (البيع على المكشوف) في الأسواق مخاوف على المصارف الأوروبية على خلفية أزمة ديون متفاقمة.

وقال محللون إن محاولة ألمانيا للحد من التقلبات في سعر اليورو من خلال فرض قيود جديدة على عمليات المضاربة القريبة الأجل كان لها مفعول عكسي اذ فاجأت الأسواق وأثارت شكوكا أدت الى تراجع قيمة العملة الأوروبية الموحدة.

تواصل الانحدار

فيبدو أن العملة الأوروبية "اليورو " لم تتماثل للشفاء، حيث واصلت انحدارها أمام الدولار الأمريكي، وسط انخفاض في نتائج أسواق المال العالمية جراء مخاوف بشأن العملة الأوروبية الموحدة.

فقد تلقى اليورو مؤخراً ضربة قوية جديدة فيما القلق يسود القارة الأوروبية بشأن ديون عدد من دولها، ما ترك المستثمرين في حال من الإرباك والتشويش وعدم الاستقرار، ويتواصل الضغط على أسواق المال العالمية التي انخفضت بقوة الثلاثاء، ودفع المستثمرين إلى التوجه مرة أخرى إلى العملة الخضراء.

وفقد اليورو بهذه الضربة 15 في المائة من قيمته أمام الدولار خلال شهر واحد، رغم خطة الاتحاد الأوروبية المالية المقدرة بأكثر من تريليون دولار لإنقاذ منطقة اليورو في التاسع من مايو/أيار الجاري، والمؤلفة من ثلاثة مكونات رئيسية.

ويتألف الجزء الرئيسي من الخطة الأوروبية من تأمين مبلغ 570 مليون دولار على شكل قروض حكومية، بهدف إلقاء مزيد من الثقل خلف، وخصوصاً من الاقتصادات القوية كألمانيا وفرنسا، خلف الدول المتضعضعة اقتصادياً، وهي اليونان والبرتغال وإسبانيا.

وفي البداية ارتفعت نتائج أسواق المال العالمية وارتفع اليوور وسط تفاؤل بشأن خطة الإنقاذ الأوروبية، غير أن الآمال تضاءلت بعد أسبوع واحد على الإعلان عن الخطة، لينخفض اليورو مجدداً ولكن إلى أدنى مستوى له أمام الدولار.

وجاء ابتعاد المستثمرين نتيجة للمشكلات طويلة الأجل التي تواجهها القارة الأوروبية، مع تواصل الأنباء المثيرة للقلق في أوروبا، منها على سبيل المثال، إعلان ألمانيا لخطط بمنع بيع الأسهم قصيرة الأجل لبعض البنوك الأوروبية والسندات الحكومية للدول "المأزومة" اقتصادياً.

ويرى المستثمرون مثل هذه الخطوة الألمانية باعتبارها مؤشراً على أن الدول "المأزومة" اقتصاديا مازالت تعاني ولم تنجح خطط الإنقاذ في إخراجها من أزمتها حتى الآن.

قال متخصصون في أسواق المال إن العملة الأوروبية الموحدة "يورو" لن تنتعش في وقت قريب، رغم المكاسب التي سجلتها أسعار صرفها الجمعة، على خلفية الإعلان عن خطط دعم اليونان وحزمة المساعدات الأوروبية التي ستقرها القارة لدعم الاقتصاديات الضعيفة فيها.

وبحسب المحللين، فإن اليورو، سيعاود الانخفاض حتى يتعادل مع الدولار بشكل كامل، قبل أن يعاود الارتفاع مجدداً.

وقال كريستوفر وود، كبير الباحثين في أسواق المال لدى مؤسسة "CLSA" الاستثمارية إن اليورو: "سيصبح عملة ذات أسس ضعيفة."

من جهته، قال مصرف "BNP باريبا" إن اليورو سيواصل الانخفاض حتى يتعادل مع الدولار، لأن محاولة معالجة أزمات أوروبا باستخدام السياسات المالية فشلت، لذلك سيتم اللجوء إلى الأدوات النقدية، ما سيرتب طباعة المزيد من العملة و"يتسبب بخفض قيمتها بشكل كبير."

على أن محللين يعتقدون أن اليورو لن يتعادل مع الدولار قبل عام 2011 أو حتى 2012.

وفي الأسواق، ارتفع الدولار أمام اليورو الثلاثاء بنسبة 0.2 في المائة، لتستقر العملة الأوروبية الموحدة عند 1.2345 دولاراً.

على أن اليورو سينخفض إلى 1.22 و1.215 لاحقاً بحسب المحللين، وهو المستوى التقني لليورو أمام الدولار، لكنهم يعتقدون أن تحطيم اليورو لهذا المستوى سيقود إلى تراجعه إلى 1.17 و1.18 دولاراً.

هل هناك صحوة

بعض الخبراء فوجئوا مرحبين بالصعود المفاجئ لليورو، رغم أن هذه الصحوة القصيرة لليورو ليست كما لو كان هناك أطنان "من الأخبار الجيدة" التي تبرر صحوته. وهذه الصحوة جاءت فيما قللت مؤسس فيتش للتصنيف الائتماني من تصنيف إسبانيا.

كما تأتي فيما حذر المصارف المركزية الأوروبية، بينما كانت أسواق المال والأسهم الأمريكية تغلق أبوابها، من إمكانية حدوث موجة ثانية من الخسائر في العام 2011 بسبب أزمة الديون في دول جنوب القارة الأوروبية. بحسب السي ان ان.

الخبراء استغربوا استقرار اليورو عند سعر 1.22 دولاراً رغم العديد من الأمور السلبية التي حدثت للاقتصاد الأوروبي في الأيام القليلة الماضية، فيما يؤكد البعض من الخبراء أنه ربما مازال من المبكر الحكم على أن الوضع الأسوأ قد انتهى بالنسبة للعملة الأوروبية الموحدة.

فهم يشيرون إلى أن الأزمة المالية والاقتصادية في اليونان وإسبانيا والبرتغال لم تنته بعد، وأنها ستظل تخيم على الاقتصاد الأوروبي لوقت ليس بالقصير.

ويقول غاي لوباس، مدير وحدة الدخل الثابت في مؤسسة جاني مونتغمري سكوت بفيلادلفيا: "الأزمة (في دول جنوب أوروبا) ستستمر لشهور أخرى وأزمة الصناديق السيادية تحتاج إلى وقت أطول للحل."

وأشار لوباس إلى أن المستثمرين سيواصلون تجنب سندات اليورو والهرب إلى سندات الدولار، رغم عدم ثقتهم الكبيرة بالسندات الحكومية الأمريكية بالضرورة، وإنما لأن الأمر يتعلق فقط بأن وضع الدولار "أقل سوءاً من اليورو والسندات الأوروبية" على حد قوله.

على أن هذا التراجع في اليورو لم يؤثر على قطاع الصناعة الأمريكي، رغم المحاذير من انعكاسات تراجع اليورو عالمياً، بعد موجة تحذيرات بشأن تحول الأزمة في جنوب أوروبا إلى أزمة عالمية.

كذلك فإنه من غير المحتمل أن "تنجح" أزمة الصناديق السيادية الأوروبية في وقف النمو الاقتصادي العالمي وانتعاشه، كما يشير بعض المحللين.

مواصلة الاستثمار

الى ذلك قالت مصادر حكومية ان بعض أغنى البنوك المركزية في العالم لن تتوقف عن الاستثمار في اليورو لدعم وضع اليورو كعملة احتياط رغم أزمة الديون السيادية التي تجتاح منطقة اليورو.

وذكرت مصادر رسمية في البرازيل والهند وروسيا واليابان وكوريا الجنوبية لرويترز في لقاءات منفصلة أن محافظ احتياطياتها بالعملات الاجنبية ضخمة بحيث يصعب احداث تغيير فيها دون التأثير على الاسواق وأنه لن تكون هناك بدائل على المدى القصير للسيولة باليورو والدولار الامريكي.

وتسيطر الدول الاربع على ما يقرب من ربع الاحتياطي العالمي بالعملات الاجنبية والبالغ 8.09 تريليون دولار. بحسب رويترز.

وبرزت حساسية الاسواق العالمية ازاء ادارة الاحتياطيات الاسبوع الماضي بعدما ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز أن الصين تعيد النظر فيما لديها من سندات منطقة اليورو مع تزايد القلق ازاء اتساع العجز في دول مثل اليونان والبرتغال.

وقال مسؤول بالحكومة الصينية ان بلاده لن تغير هدفها المتمثل في تنويع احتياطياتها. بحسب رويترز.

وانخفض اليورو وهبطت الاسهم لكنها استردت لاحقا قدرا من خسائرها بعد أن قالت الصين ان التقرير لا أساس له من الصحة وان أوروبا ستظل هدفا رئيسيا لمحفظتها الضخمة.

ومثلما هو الحال في الصين قالت مصادر في دول أخرى بأن بلادها لن تتخلص مما لديها من احتياطي باليورو.

وقال مسؤول كبير بالحكومة اليابانية طلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية الامر من الناحية السياسية "حتى اذا كان الدولار أو اليورو في مشاكل.. فهل هناك شيء اخر نستثمر فيه.. في الحقيقة لا. الامر يتطلب قدرا معينا من السيولة."

وأضاف "لن يفلح الامر أيضا مع عملات الدول التي تضع قيودا على رأس المال. هذا يتركنا أمام خيارات محدودة للغاية."

والصين هي صاحبة أكبر احتياطي في العالم اذ لديها 2.45 تريليون دولار تليها اليابان ولديها 1.05 تريليون دولار.

وتوحي هذه التعليقات بأن وزراء مالية مجموعة العشرين ومحافظي بنوكها المركزية الذين سيجتمعون في كوريا الجنوبية يومي الرابع والخامس من يونيو حزيران سيحاولون توجيه رسالة تهدف لاشاعة الطمأنينة والاستقرار في أسواق المال بعد أن فقد اليورو عشرة في المئة من قيمته منذ أبريل نيسان مسجلا أدنى مستوياته مقابل الدولار في أربع سنوات.

استونيا تعتمد اليورو

على صعيد متصل وافق وزراء مالية الاتحاد الاوروبي على اعتماد استونيا العملة الاوروبية الموحدة اعتبارا من الاول من كانون الثاني/يناير 2010 لتصبح بذلك اول دولة في البلطيق تخطو هذه الخطوة، كما اعلنت مصادر اوروبية.

واثناء اجتماع في لوكسمبورغ، صادق الوزراء بذلك على مقترحات في هذا المعنى كانت اعلنتها المفوضية الاوروبية الشهر الماضي.

وهذا التوسيع الجديد لمنطقة اليورو لا يزال يحتاج الى موافقة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الاوروبي اثناء قمة في 17 و18 حزيران/يونيو، ثم المصادقة النهائية على هذا القرار في تموز/يوليو بعد استشارة البرلمان الاوروبي. وهذا لن يشكل مشكلة.

واستونيا التي تقع في اقصى شمال شرق الاتحاد الاوروبي الذي انضمت اليه في 2004 بعد تركها الاتحاد السوفياتي في 1991، ستصبح الدولة السابعة عشرة التي تعتمد العملة الاوروبية. بحسب فرانس برس.

وستكون اول دولة في البلطيق وثالث دولة شيوعية سابقا بعد سلوفاكيا وسلوفيينا، تدخل منطقة اليورو التي تمر حاليا في اسوأ ازمة في تاريخها. واخر الدول التي انضمت الى الاتحاد النقدي الاوروبي هي سلوفينيا في 2007 وقبرص ومالطا في 2008 وسلوفاكيا في 2009.

ولاعتماد اليورو، ينبغي ان تحترم الدول المرشحة عدة معايير: التحكم بالمالية العامة (عجز وديون) والتضخم والتقلبات المحدودة في مجال صرف العملات ومعدل الفائدة.

وبحسب اخر توقعات المفوضية الاوروبية، سيسجل العجز العام في استونيا هذه السنة والعام المقبل نسبة 2,4%. وستتحدد ديونها العامة عند نسبة 9,6% من اجمالي الناتج الداخلي في 2010 و12,4% في 2011، وهو رقم قياسي في الاتحاد الاوروبي. الا ان البنك المركزي الاوروبي حذر تالين مع ذلك من مخاطر التضخم.

تراجع اليورو في مصر

اما في مصر، حذر خبراء اقتصاديون من خطورة استمرار تراجع سعر اليورو أمام الدولار على الصادرات والواردات المصرية من الخارج خصوصا تلك الآتية من أوروبا.

وأكد بعض الخبراء أن الصادرات المصرية ستواجه صعوبات كبيرة خلال الفترة المقبلة إذا ما استمر تراجع اليورو، إلى حد المطالبة بدعم الصادرات إلى حين استقرار الأوضاع.

على أن خبراء آخرين أكدوا أن أسعار الواردات ستنخفض، وبالتالي انخفاض سعر اليورو له ميزة إيجابية مقابل صعوبات الصادرات، وفقاً لما نقلته اليوم السابع المصرية.

وأكد رئيس اتحاد الغرف التجارية سابقاً، خالد أبو إسماعيل، أن تراجع اليورو له وجهين مختلفين، أولها تأثر الصادرات بشكل كبير، مشيراً إلى أن حجم المشكلة يزداد بمقدار حجم الصادرات فكلما زادت الصادرات زاد التأثير والعكس، وهو غالباً ما سيؤثر على المصدرين بشكل خاص.

أما الوجه الآخر فهو حصول المستوردين على ميزة الاستيراد بأسعار منخفضة، وهى غالبا عبارة عن مدخلات إنتاج لأغلب الصناعات المصرية، وبالتالي فإن لتأثير سيكون مزدوج تارة بالنفع وتارة بالضرر.

ويعتقد بعض الخبراء المصريين أن تراجع اليورو أمر وقتي وسوف يعود لمكانته مرة أخرى بعد انتهاء الأزمة، مؤكدينً أن أي مطالب بزيادة الدعم للمصدرين هو كلام غير منطقي وسابق لأوانه.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/حزيران/2010 - 27/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م