شبكة النبأ: للمؤسسات الرسمية ذات
الجهد التربوي المتخصص دور أساس في تطوير البنى المجتمعية المختلفة، إذ
تقع على عاتقها معظم التوجهات والانشطة التربوية التي من شأنها النهوض
بشرائح المجتمع كافة ابتداء من المراحل العمرية الادنى صعودا الى
الوسطى ثم الأكبر عمرا حيث لا ينتهي الدور التربوي لدى المجتمعات
الناجحة عند عمر معين.
ومن المفارقات الجميلة التي تسر السامع أننا نستمع احيانا من وسائل
الاعلام المختلفة بحصول السيدة الفلانية او السيد الفلاني على شهادته
الجامعية بعد أن وصل التسعين من عمره !! بل صرّحت وسائل الاعلام مؤخرا
أن هناك امرأة مسنة حصلت على الشهادة الابتدائية بعد سن التسعين وهي
فخورة وفرحة بهذا الانجاز.
إذن لا يتوقف الجهد التربوي عند حد او عمر معين ولا يقتصر على الطفل
او الشاب او الكهل او الشيخ او المرأة دون غيرها وانما هو جهد خلاق
يشمل الجميع، لكن الامر المتفق عليه هو الجهد الرسمي الهام الذي ينبغي
أن يُبذل في هذا المجال، كما أن التركيز على النوع في التربية والتعليم
له أهميته القصوى لأنه سيؤدي الى بناء معرفة متميزة وبالتالي عقول
متميزة تحرك مواهب متميزة ايضا.
بمعنى ينبغي أن يكون التعليم نوعيا وأن تكون الجهد التربوي خلاقا
وليس نمطيا او آلياً حيث تنتج الآلية والنمطية في التربية عقولا ومواهب
نمطية ايضا وهو أمر لا يصب في صالح الفرد والمجتمع معا، وهذه هي
مسؤولية الجهات الرسمية ومن يقوم عليها ويدير شؤونها ابتداء من المنشآت
الى الكادر التربوي والى نوعية المناهج التربوية وما شابه.
لقد بدا واضحا للجميع أننا لا نزال نتخلف عن الركب العالمي المتقدم
بأشواط في هذا المجال، وهو أمر لايليق بمن يدّعي تجذّر الثقافة في
تأريخه وأرضه ومجتمعاته، هنا لابد أن يكون ثمة خلل بائن في هذا المجال
وربما حزمة من النواقص المتعددة قادت الى التردي والنمطية في مسار
التربية.
وفي محاولة البحث عن المسببات فإننا لابد أن نضع المؤسسات الرسمية
المتخصصة في المجال التربوي على رأس هذه الاسباب، كونها المتصدي الأول
لقضية تربية الاجيال وتعليمها وفقا للمناهج المناسبة والمعاصرة في آن،
لأننا سنتفق على ان الهدف المبتغى من الجهد التربوي هو صنع الارنسان
المتربي عصريا وبالتالي المساهمة في صنع مجتمع معاصر ومتطور في عموم
مجالات الحياة استنادا الى الوسائل التربوية التي هيأته وصنعت منه
عنصرا فاعلا ومتطورا في المجتمع.
ولم يكن من الصحيح قط أن يتخلى المسؤولون التربويون عن دورهم في هذا
المجال، ولا يجب أن نسمح للاتكالية واللامباة بالسيطرة على زمام الامور،
فالشباب مثلا هم طاقة المجتمع المثلى ناهيك عن كونهم امانة بأعناق
المربين وكبار المجتمع، وأن مسألة تركهم على الغارب وعدم الاهتمام
بالنوع التربوي المعاصر ينسحب أولا على القائمين رسميا على المؤسسات
ذات العلاقة، حيث يضمحل او يقل واحيانا يغيب دورها الملموس في هذا
المجال.
ولعلنا نتفق على أن الجهد التربوي الخلاق غالبا ما يكون ذا سمة
تشاركية تجمع بين جميع الطاقات الساندة والمحركة للجهد التطويري، بمعنى
من الخطأ أن ينحصر النشاط التربوي في حيز او اتجاه واحد ومن الخطأ أن
تقوم عليه وتديره جهة بعينها وإن كان الدور الاساس للمؤسسات الرسمية
المعنية في هذا المجال، لكن هذا لا يلغي سمة التعاون والتعاضد والتلاقح
بين الافكار والجهود الفكمرية والعملية، ولا ضير في اكتساب الخبرات من
التجارب المحلية والدولية التي تصب في هذا الاتجاه، فقد سبقتنا العديد
من المجتمعات في هذا المضمار ويمكننا أن نأخذ منها ما يصب في صالح
العملية التربوية وينميها ويطورها من خلال اقامة العلاقات المتبادلة في
المجال التربوي وأخذ من ما يصب في صالحنا من الخبرات وطرق التدريس
وتوضع المناهج التربوية وتقويمها وكل ما يتعلق بهذه القضية التي تصب في
جوهر المعاصرة والتطور.
ويبقى التعاون الجاد بين الجهات والمؤسسات الرسمية والاهلية وبين
المعنيين بالعملية التربوية هو الاساس الذي يقف وراء تحقيق النجاح
المنشود في هذا المجال، وتبقى البرمجة النظرية والتطبيقية هي الاهم في
هذا المجال، فليس من المناسب عتماد العشوائية في الجانب التربوي في عصر
أخذ يحسب لأبسط الاشياء حسابها العلمي الدقيق ويحقق قفزات هامة
ومتسارعة من حيث التطبيق.
لهذا نبقى بحاجة الى بلورة رؤية تربوية عملية نظرية واضحة المعالم
وخاضعة للتخطيط المبرمج الذي تقع مسؤولية تنفيذه على عاتق الجهات
الرسمية المعنية من اجل اللحاق بالركب العالمي في هذا المضمار. |