حكمة القائد السياسي في التعامل مع الواقع الجديد

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: يسعى السياسيون المخلصون دائما الى تغيير وضع المجتمع من حال أسوأ الى حال أفضل ويجهدون أنفسهم لرفع الحيف والظلم الذي لحق بالغالبية العظمى من الناس جراء السياسات الخاطئة التي نتجت عن قصور في الفهم والتنفيذ معا ناهيك عن تدخل نزعات ورغبات الذات المصلحية النفعية وما شابه حيث تؤدي الى سلب حقوق الضعفاء وبسطاء الناس ممن لا حول لهم ولا قوة.

إن جميع التغييرات السياسية التي حدثت في عموم دول العالم لاسيما تلك التي لاتزال تكافح من اجل تحقيق قدر أعلى من النجاح السياسي تظهر الى الوجود وتعلن على الملأ بأنها جاءت من اجل مصلحة الغالبية العظمى من المجتمع وهدفها تخليصهم من الجور والظلم، بيد أن واقع الحال سرعان من ينبئ عن سياسات لا تختلف عن سابقاتها وإنْ تغيّر شكلها ولبوسها، وذلك بسبب الاخطاء التي تقع فيها كونها لا تستند في قيادتها الى التخطيط السليم والقيادة السليمة أيضا.

في هذا المجال تحديدا يؤكد المرجع الديني الراحل آية الله العظمى الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي في كتابه القيّم الموسوم بـ (الى العالم) على بعض الخطوات التنفيذية الهامة التي يجب أن يتحلى بها القادة الجدد الذين يرومون التغيير نحو الأفضل حيث يقول الامام الشيرازي (رحمه الله) في كتابه هذا:

(من الضروري على القائمين بالحركة: الحذر الأكيد من المهاترات وعقوبة العاملين إلاّ بأخف القدر لدى أشد الاضطرار، وإذا وصلوا إلى السلطة يلزم العفو العام، خصوصاً بالنسبة إلى الأثرياء وطبقة الحكّام السابقين والعلماء، وقد فعل ذلك الرسول الأعظم -ص- وأمير المؤمنين علي -ع- قبل وصولهما إلى الحكم، وبعد وصولهما إليه).

هذا يعني وجوب التحلي بالحكمة من لدن القادة الجدد في التعامل مع الواقع الجديد وثمة فئات لابد أن يكون الحذر في أعلى مستوياته عند التعامل معهم كالعلماء والمثقفين وأصحاب الكفاءات ومن شابههم.

إن التعامل القاسي مع الآخرين لن يصب في صالح من يروم التغيير نحو الافضل ولدينا في التجارب التأريخية السابقة أدلة كثيرة، إذ أننا نستطيع أن نعرف كيف تعامل النبي محمد (ص) مع ألد أعداء الاسلام عندما تمكن منهم وأخضعهم تحت سلطة الاسلام ابان نشأة الدولة الاسلامية وكيف استخدم (ص) وسيلة العفو عنهم من اجل دمجهم مع المجتمع، كذلك سياسة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) مع أعدائه واستخدامه لسياسة العفو واللين لكسب أكبر عدد منهم لاسيما في احداث البصرة بمعركة الجمل وغيرها، حيث يقول الامام الشيرازي (رحمه الله) في هذا الصدد بكتابه نفسه:

(إن القتل ومصادرة الأموال والسجن والتعذيب كلها تثير الناس أيّما إثارة، مما يجمعهم ضدّ الإنسان الذي يريد التحرك، فيسبّب أن تفشل خطته ولا يصل إلى الهدف، والسباب والمهاترة والتهديد من أسباب ذلك. نعم، إذا اضطر الإنسان إلى العقاب فاللازم الاكتفاء منه بأقل قدر معقول).

فلابد أن يكون القائد السياسي بحاجة الى فرض النظام بقوة القانون ولكن ينبغي أن تكون الحكمة نبراسا لهذا التعامل الحساس، إذ أن المطلوب هو كسب الناس وليس تأليبهم على الحكم الجديد القائم على ركام الحاكم المستبد الذي سلب حقوق الناس وتجاوز على حرياتهم، فهل يصحّ استخدام الاسلوب نفسه من قبل القادة الاسلاميين مع الشعب ؟.

ولكن في حالة شيوع الفوضى واستهداف الحكومة وحركة التغيير من قبل بعض المعادين لها، هنا لابد أن تكون هناك طرق وأساليب للتعامل معها بالطرق الصحيحة، إذ يقول الامام الشيرازي في كتابه نفسه:

(نعم الرسول الأعظم -ص- وعلي أمير المؤمنين -ع- دافعا عن أنفسهما ومن تحت لوائهما، عندما بدأهم القوم بالقتال، فانتهى الأمر أحياناً إلى القتل وذلك في الحروب التي أثارها الأعداء عليهما من غير حجة ولا تبرير، وقد ذكرنا ذلك في بعض الكتب المفصّلة).

ولكن ينبغي أن يكون التعامل مع الاعداء بصورة واضحة والابتعاد عن خلط الاوراق والتأني في المعالجة والتروي والتدقيق، لأن العنف إذا جاء في غير محله فإنه سيقود الى نتائج معاكسة، ناهيك عن أن العنف بحد ذاته لا ينسجم مع تعاليم الاسلام ذات الطابع الانساني القويم.

لهذا ينبغي على قادة التغيير أن يتحلوا بما يدعوا له الاسلام من سلم وتلاحم ووئام إستنادا الى مبادئ الحق الذي لايعلو عليه شيء، وينبغي التخلي عن التسرع في استخدام العنف المضاد، إذ يقول الامام الشيرازي (رحمه الله) في هذا المجال:

(إن الإسلام بالإضافة إلى أنه دين السلام، هو دين العقل والإنسانية، ومن الواضح لدى العقلاء أن الحكم يلزم أن يكون طويل الأمد، لا قصيره، إذا أراد الحاكم استمرارية هدفه ومنهجه، وذلك ما لا يتلاءم مع التهديد فكيف بالأكثر منه إلى أن يصل إلى القتل).

ومن الواضح هنا أن العنف يؤدي الى عنف مضاد وأن من يريد أن يطيل عمر القيادة عليه أن يسوس الناس بما يحفظ حقوقهم وحرياتهم ويتيح لهم منافذ التعبير ويحافظ على التنوع، ويتعامل بحكمة عالية مع جميع الامور الشائكة التي يضج بها عالم وإنسان العصر الراهن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/حزيران/2010 - 23/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م