شبكة النبأ: تدور في الشاعر العراقي
مفاضلة من نوع جديد بل تمتد الى الحوارات والمحادثات العفوية في
الساحات والحدائق العامة واماكن العمل والمقاهي وحفلات النقل وغيرها،
حيث غالبا ما يدور الحديث عن مساوئ المرحلة الراهنة والمقارنة بينها
وبين طبيعة ما كان يحدث ويدور في ظل النظام الدكتاتوري السابق في
العراق.
بعضهم يرى أن ديمقراطيتنا الفتية جلبت معها الكثير من المساوئ
وانتجت الخطورة في عموم مرافق العمل والحياة ناهيك عن تفشي الفساد
الاداري والمالي وغيرهما في مؤسسات الدولة ومنشآتها الانتاجية والخدمية
وغيرها، وهذا البعض يرى أن الاوضاع التي كانت قائمة سابقا على علاتها
ومساوئها أفضل مما يتعرض له العراقيون الآن في ظل ديمقراطية هشة يستأسد
فيها القوي على الضعيف ويثري فيها الغني على حساب الفقير مبررين آراءهم
هذه بما يحدث من وقائع راهنة من دون البحث في أسبابها او من هي الجهات
التي تقف وراء حدوثها.
فيما يرى آخرون من العراقيين أن الديمقراطية الوليدة (ويمكن أن نطلق
عليها هذا الوصف حتى بعد مرور سبع سنوات على ولادتها لأن الديمقراطيات
لا تستقر وتبلغ أشدّها إلا بعد عشرات السنوات وربما أكثر) رغم الاخطاء
الفادحة التي رافقتها والتضحيات والخسائر التي نتجت عنها إلا أنها أفضل
عشرات المرات من دكتاتورية حديدة كانت تهيمن على حيوات الناس وتحصي
عليهم حتى أنفاسهم لدرجة أن الاب والام يخافان من أطفالهما فيتجنبان
انتقاد القيادة السياسية آنذاك بحضور الاطفال مخافة افشائهم لهذه
الاقوال وما سينتج عنها من مخاطر غير محسوبة كالسجن والاعدام وما شابه
وهذا ما حدث فعلا ولا يمكن إنكاره.
إذن فهذان الفريقان المختلفان يتقاطعان في الرؤية والتشخيص وتحديد
الاسباب أيضا، وكل منهما مقتنع برؤيته وأقواله داعما إياها بالحجج
والشواهد، وهنا لابد لنا من نظرة حيادية توازن بين الطرفين وتحاول أن
تأخذ منهما ما يساعد على الاستقرار السياسي ومن ثم مواصلة عجلة الحياة
في الطريق السليم.
إن من يرى أفضلية الدكتاتورية على الديمقراطية الهشة لابد أنه مندفع
بهذا الاتجاه لاسباب محددة منها قد يكون متضرر شخصيا بزوال الدكتاتورية
كأن يكون فقد منصبه ومنافعه وربما حتى مصدر رزقه او خسائر أخرى معروفة
وهنا يمكن معالجة هذا الامر بروية من لدن المسؤولين والقائمين على
الاجهزة الحكومية التنفيذية حيث التعامل العادل وفقا للظوابط القانونية
والاخلاقية والوطنية وغيرها، ليس بطريقة المحباة والترضية غير المحسوبة
بل وفقا للمصلحة الوطنية والقوانين السارية.
أما من يقف الى جانب الديمقراطية الجديدة مطلوب منه دور آخر وهو
توعية الآخرين على ضرورة الايمان بالتجربة الجديدة والتقليل من اخطائها
الى اقصى حد ممكن وتقريب وجهات النظر بالحوار المقنع وليس الاكراه.
إن العراقيين بلا استثناء يتذكرون جيدا تلك الحياة الذليلة التي
كانوا يعيشونها في ظل النظام الشمولي الذي كان يرى الحياة بعين مصالحه
وحماية نفسه وكرسيه ونفوذه فحسب بعيدا عن منافع ومصالح الشعب، كما أن
الاسلوب الطبقي الواضح الذي كان يستخدمه ساسة الأمس وقادتهم كان واضحا
وجليا للجميع، فأينما يوجد النفوذ والفوائد ترى هؤلاء المتنفذين
يتكالبون عليها بشراهة قلّ نظيرها، مع محاولات مستميتة لابعاد الشعب عن
حقوقه وتسفيهها لدرجة ان مجرد المطالبة ببعضها تعني الموت او السجن
المؤبد من خلال انتقاد القائد او الوزير الفلاني في هذه الوزارة او تلك.
لقد كانت القبضة الحديدية تمسك برقاب العراقيين وتترقب خطواتهم
واقوالهم وتقض مضاجعهم وتحيل حيواتهم الى كوابيس مرعبة في كل لحظة تمر
عليهم باستثناء من يغض الطرف او يسكت على مضض على التجاوزات الخطيرة
التي كانت تقوم بها الاجهزة الحكومية والحزبية التابعة لنظام الحكم بحق
الشعب.
أما ما نراه الآن من صراعات بين الاحزاب والمنظمات وغيرها في ساحة
مكشوفة أمام الاعلام وغيره، فهو دليل عافية وسير في الاتجاه الصحيح،
لأن كبت الآراء وحصرها في مسار واحد بالقوة يؤدي الى انحرافها لا
محالة، إذن فالصراع السلمي المكشوف أمام الملأ وعبر الفضائيات ووسائل
الاعلام الاخرى أفضل بكثير من التظاهر بالوحدة والانسجام والتوحد
الشكلي للجميع في مسار واحد ذي خطوات عرجاء لا تؤدي الى الهدف المطلوب،
ولم يكن القول الذي يؤكد على أن اختلاف الآراء دليل صحتها خاطئا بل هو
عين الصواب، وكلما اتجهت الآراء نحو وجهة واحدة وانحسرت في بوتقة واحدة
أيضا فإنها ستكون عاجزة عن الحراك الحيوي المنتج وستخضع للمجاملات
الزائفة التي غالبا ما تؤدي الى نتائج معكوسة.
لذلك لا يمكن مقارنة ما كان عليه العراقيين في ظل النظام الشمولي
السابق مع ما يعيشونه الآن من انفتاح في كل شيء، ومع أننا نقر بالاخطاء
الكثيرة التي يمكن أن ترلاتكب هنا وهناك لكننا يمكن أن نشّذب هذه
الاخطاء بالتعاون الصادق بين عموم ساسة العراق بل بين جميع العراقيين
من دون استثناء، لأن الفسيفساء العراقي قائم على التباين منذ آلاف
السنين وأن محاولة إلغاء هذه السمة بالقوة ستقود الى انحراف المسارات
نحو الجهات الخاطئة. |