اندونيسيا... اقتصاد متعثر وتطرف متنام

 

شبكة النبأ: تنشط جماعات إسلامية متشددة في إقليم اتشية لنشر فكرها وإنها تستغل السجون لنشر فكرها وتجنيد ناشطين لتنفيذ عمليات انتحارية وأعمال عنف.

من جانب آخر أحرزت الحملات الأمنية التي تستهدف المتشددين في اندونيسيا بعض النجاح في الأسابيع الأخيرة لكنها كشفت أيضا عن اتجاه مثير للقلق.. وهوا لكشف عن معسكر سري للتدريب في الجزء الجنوبي من إقليم اتشية.        

وكان مقتل ذو المتن القيادي الإسلامي المتشدد  إلى جانب قتل أو اعتقال متشددين آخرين في الشهور الأخيرة وجه ضربة على المدى القصير لقدرة الإسلاميين على أحداث فوضى في اندونيسيا.

من جانب آخر حاول المسؤولون في اندونيسيا جذب الاستثمارات الاقتصادية والتجارية إلى البلاد ولكن هذه المحاولات كانت ضعيفة وغير مجدية بسبب استمرار أحداث العنف في اندنوسيا وعدم الاستقرار الأمني. ومن هذا المنطلق، فضل المستثمرون في السنوات الخمس عشرة الماضي النظر إلى دول أسيوية أكثر أمانا أو استقرارا، مثل الصين وفيتنام او ماليزيا.

تفجيرات بالي

فقد اكتشفت الشرطة الاندونيسية في فبراير شباط قاعدة لتدريب المتشددين في اقليم اتشيه واعتقلت حتى الان 43 شخصا يشتبه انهم اعضاء في الشبكة وقتلت سبعة اعضاء من بينهم قائد كبير يدعى ذو المتن هو خبير في الالكترونيات وكان أحد مدبري تفجيرات بالي عام 2002 التي قتل فيها 202 شخص. بحسب رويترز.

وقتلت الشرطة الاندونيسية ذو المتن على مشارف العاصمة جاكرتا في وقت سابق من الشهر.

وتسعى الجماعة الإسلامية التي تلقى عليها مسؤولية تفجيرات بالي وهجمات اخرى لاقامة خلافة إسلامية في جنوب شرق اسيا. لكنها نبذت منذ ذلك الحين استخدام العنف لكن جماعة منشقة بقيادة نور الدين محمود توب وهو خبير مفرقعات ماليزي المولد مستمرة في تخطيط وتنفيذ هجمات ضد أهداف غربية. وقتل توب العام الماضي مما اعطى انطباعا بان الخطر تراجع في اندونيسيا.

لكن لجنة من الخبراء في شؤون المتشددين الإسلاميين قالت للصحفيين مؤخرا  ان جماعة اتشيه المكتشفة حديثا يبدو انها فرع جديد تماما من المتشددين ترفض على السواء الجماعة الإسلامية وجماعة توب.

وقال ناصر عباس وهو متشدد سابق ترك هذا الفكر ويعمل الآن في وحدة مكافحة الإرهاب الاندونيسية "هذه جماعة تشكلت حديثا وتشمل اناسا كثيرين من خلفيات مختلفة" وأضاف ان بعض المتشددين يعتبرون الجماعة الإسلامية الآن لينة لأنها نبذت العنف.

من جهتها قالت سيدني جونز الخبيرة في شؤون التشدد الإسلامي ومقرها جاكرتا انه بينما كان توب يفضل تشكيل خلايا صغيرة تعمل بشكل ذاتي تتحلل بعد هجمات كبيرة على أهداف غربية تسعى هذه الجماعة الجديدة إلى تشكيل تحالف كبير من "الجهاديين" في اندونيسيا.

الحملات الامنية في اندونيسيا تكشف عن مخاطر أوسع نطاقا..

من جانب آخر أحرزت الحملات الأمنية التي تستهدف المتشددين في اندونيسيا بعض النجاح في الأسابيع الأخيرة لكنها كشفت أيضا عن اتجاه مثير للقلق.. فقد أصبح الإسلاميون بالمنطقة يقيمون صلات أوثق لتعزيز قدراتهم على شن هجمات عنيفة.بحسب رويترز.

وكان الكشف عن معسكر تدريب للمتشددين في جزء ناء من اقليم اتشيه -حيث كان يحارب انفصاليون إسلاميون الحكم الاندونيسي لعشرات السنين- بداية خط قاد الشرطة بعد سلسلة من الحملات الامنية على المتشددين في فبراير شباط ومارس اذار الى ذو المتن الذي يعتقد أنه مدبر تفجيرات بالي عام 2002.

وأفاد محللون ان مقتل ذو المتن الى جانب قتل أو اعتقال متشددين اخرين في الشهور الاخيرة وجه ضربة على المدى القصير لقدرة الاسلاميين على احداث فوضى في اندونيسيا.

لكن الدليل على أن خلية ذو المتن كانت جزءا من سلسلة من جماعات متشددة كانت متفرقة سابقا وأصبحت تعمل معا الان بشكل وثيق يشير الى ان المخاطر في المنطقة على المدى الاطول ربما تزيد.

وأصبحت الاسواق المالية في مناطق مضطربة مثل اندونيسيا والفلبين معتادة على التهديد الذي يمثله المتشددون ولم يعد للتفجيرات تأثير يذكر على الاسعار الا فيما ندر. لكن اذا ظهرت أدلة على أن المخاطر تتزايد في ماليزيا أو سنغافورة أو تايلاند ربما تضر بالاستثمارات وتهز الاسواق.

من جانب آخر عقد متشددون في جنوب شرق اسيا سابقا روابط عبر شبكة الجماعة الاسلامية المسؤولة عن تفجيرات فتاكة في جاكرتا وبالي على مدى العقد المنصرم.

من جانبه حاول رضوان عصام الدين أو حنبلي القائد العسكري السابق للجماعة الاسلامية أن يوحد جماعات متمردة بالمنطقة تحت لواء تنظيم القاعدة قبل القاء القبض عليه في تايلاند عام 2003. ولم تكلل جهوده بالنجاح نتيجة الأهداف المختلفة لكل جماعة وتحسين التعاون الامني بين دول المنطقة والولايات المتحدة.

وبعد أن تخلت حركة الجماعة الإسلامية الأساسية عن إستراتيجية الهجمات العنيفة على الأهداف الأجنبية يعتقد محللون أمنيون أن الخلايا المتبقية المصرة على العنف تفتتت وأن الخطر العام من المتشددين في المنطقة بصدد التراجع.

لكن كثيرين من المتشددين الأصغر سنا الذين ينتقدون الأعضاء الكبار في الجماعة الإسلامية ويقولون ان ما يصدر عنهم مجرد كلام دون فعل ما زالوا راغبين في مواصلة العنف في اندونيسيا.

قالت سيدني جونز من المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات ان ظهور ذو المتن في اندونيسيا مجددا بعد أن فر عام 2003 ليحصل على الملاذ لدى جماعة أبو سياف تشير الى حجم الروابط الدولية التي أقامها المتشددون الاندونيسيون.

وأضافت أن هناك عددا من "الافراد الخطرين" الاخرين الذين شكلوا مجموعة حول أبو سياف وربما كانوا على صلة باندونيسيا وعادوا أيضا.

وذكرت أن الجماعة الجديدة في اتشيه ضمت متشددين كانوا تدربوا في جزيرة مينداناو بجنوب الفلبين المضطرب وفي مناطق صراع ديني سابقة في اندونيسيا مثل بوسو وأمبون وكذلك تدرب واحد على الاقل في ليبيا.

وتابعت "نظرا لكونها تضم بعضا من أكثر الافراد خبرة من مجموعة متنوعة من الجماعات المتطرفة أعتقد أن علينا أن نضع احتمالا كبيرا نسبيا لقدرتهم الكبيرة."

وظهرت تسجيلات فيديو على الانترنت تزعم أنها من الجماعة التي تطلق على نفسها تنظيم القاعدة في جنوب شرق اسيا فرع اقليم اتشيه.

وتشمل هذه التسجيلات مشاهد لتدريبات عسكرية وحث مسلمين على الجهاد والتبرع بالمال.

واذا تمكن المتشددون في أنحاء جنوب شرق اسيا من اعادة تنظيم صفوفهم والاحتشاد تحت لواء القاعدة وفتح قنوات تمويل جديدة من الشرق الاوسط فربما يصبحون أكثر قوة بكثير. وفي شمال افريقيا على مدى السنوات الاخيرة كان هذا بالضبط هو ما قامت به جماعات متناثرة للمتشددين وأصبحت من خلال هذه العملية أكثر قوة.

وليست الشبكة الدولية التي شكلها ذو المتن هي السبب الوحيد للقلق. بل ربما يكونون قد حصلوا أيضا على كمية أكبر من الاسلحة وأصبحت لديهم خطط أكثر تنوعا.

وقال اندي ويدجاجانتو المحلل لشؤون الدفاع في جامعة اندونيسيا ان من المرجح أن الخلية الجديدة لديها القدرة "ليس على شن تفجيرات انتحارية فحسب بل أيضا على استخدام الاسلحة في صراع تقليدي مع أفراد الامن في حين أن المهارة الاخرى لذو المتن كانت فيما يبدو صنع قنابل يمكن تفجيرها عن بعد."

وتتعقب الشرطة الاندونيسية حاليا نحو 14 عضوا من جماعة اتشيه بعد قتل سبعة والقاء القبض على 31 مشتبها بهم. كما تفيد تقارير بأن الشرطة تتعقب صانع قنابل اخر من الجماعة الاسلامية يدعى عمر باتيك الذي ربما يكون قد عاد مع ذو المتن.

كما تم تكثيف الاجراءات الامنية قبل زيارة يقوم بها الرئيس الامريكي باراك أوباما يوم 23 مارس اذار.

لكن الذي لا تعرفه قوات الامن هو عدد المتشددين الاخرين الذين تربطهم علاقات بذو المتن وربما يكونون عادوا أو يعتزمون العودة الى اندونيسيا. وقال ويدجاجانتو الخبير الامني انه منذ ترجيح احتمال تدريب ذو المتن لمتشددين في معسكرات في الفلبين منذ عام 2003 فان عدد هؤلاء المتشددين ربما يكون بالمئات.

وأضاف "هذا مقلق للغاية في الوقت الراهن... كم عدد الخلايا التي دربها ذو المتن وتبعته الى اندونيسيا.."

وعلى صعيد ذي صلة  ذكرت تقارير صحفية أن بعض الدول الآسيوية، وعلى رأسها إندونيسيا، تشهد حمالة ملحوظة من التبشير، أدت إلى تزايد كبير في أعداد المتحولين للمسيحية بحيث بات أفراد هذه الفئة أكثر ظهوراً في الحياة الاجتماعية بالبلاد، باشروا أداء طقوسهم الدينية علناً في الدولة التي تعتبر الأكثر سكاناً في العالم الإسلامي.

وأرجع التقرير هذه التغييرات إلى أداء البعثات التبشيرية البروتستانتية والإنجيلية التي دفعت خبراء للاعتقاد بأنه مع حلول عام 2050، ستكون النسبة الكبرى من المسيحيين في العالم من سكان الدول النامية والفقيرة. بحسب سي ان ان.

وبحسب التقرير، فإن عمل البعثات البروتستنتية والإنجيلية لا تواجه العقبات التي تواجه نظيرتها الكاثوليكية، باعتبار أن حداثة الدعوة البروتستنتية تحررها من الإرث الاستعماري، إلى جانب أن هذه المذاهب تدعو إلى مبادئ التحرر الفكري واحترام الحريات الفردية، ما عزز انتشارها في إندونيسيا والهند والصين وكوريا الجنوبية.

واعتبرت المجلة أن خبراء أعادوا الإقبال على المسيحية في دول مثل إندونيسيا أمراً مفهوماً لعوامل موضوعية، إذ أن القاطنين في دول مكتظة بالسكان يعانون دائماً من ضياع الهوية، ويحاولون البحث عن معتقدات تضمن لهم "الخلاص الشخصي" إلى أن نشاطات المتطرفين الذي نفذوا عدة تفجيرات في البلاد مؤخراً أضرت بصورة الإسلام.

وللدلالة على حجم انتشار المسيحية، فإن مدينة تيمانغونغ مثلاً لم تكن تحتوي على أي كنيسة عام 1960، بينما تضم اليوم أكثر من 40 كنيسة.

ودفعت هذه التطورات الأوساط الإسلامية إلى "دق ناقوس الخطر،" كما فعلت جمعية "هيئة العلماء" الواسعة النفوذ، والتي حذرت من انتشار المسيحية ودعت المسلمين إلى "حماية دينهم، وتسبب ذلك بحملة لإغلاق عشرات الكنائس بدعوى عدم حصولها على تراخيص.

ونقل التقرير تجربة "سيف الحمزة" وهو مسلم أندونيسي اعتنق المسيحية خلال عمله في مناطق شرقي البلاد، وجرى تعميده عام 2000، ويقول إنه بعد عودته إلى مسقط رأسه طردته عائلته، وهدده شقيقه بحرق منزله، كما تعرض للضرب من قبل مجموعة دعته إلى وقف الحديث عن تجربته.

حرية الصحافة

وخلال السنوات الـ30 التي خلت منذ أن انتهى عهد الرئيس سوهارتو في عام 1998، دأبت إندونيسيا على بناء والحفاظ على بيئة إعلامية تسمح بقدر أكبر من الحرية والتنوع؛ ومع تراجع حرية الصحافة في بعض الدول المجاورة لها في شرق آسيا، فقد برزت كواحدة من الدول التي لها أداء أفضل في المنطقة، وفقا لمنظمة فريدوم هاوس. ( بيت الحرية) غير الحكومية.

ومع ذلك، فإن استمرار المشاكل، وخصوصا في النظام القانوني في إندونيسيا، يمنع المنظمة من تصنيف الصحافة في هذا البلد على أنها تتمتع "بحرية تامة".

وأبلغت كارين دوتش كارليكار، التي تعمل في مؤسسة فريدوم هاوس كباحثة بارزة ومديرة للتحرير، موقع أميركا دوت غوف أنه بعد مضي 30 عاما على انتهاء نظام سوهارتو في عام 1998، شهدت وسائل الإعلام في البلاد "انفتاحا مبهرا وكبيرا"؛ حيث اتخذت الحكومة الجديدة خطوات ملموسة لصالح حرية التعبير بإلغاء رقابة الدولة وإصدار الضمانات القانونية للصحافة والسماح للعديد من وسائل الإعلام الجديدة بالحصول على التراخيص لممارسة العمل الصحفي.

وقد رفعت تلك الخطوات فورا مرتبة الصحافة في إندونيسيا على قائمة تقرير منظمة فريدوم هاوس السنوي من مستوى "غير حرة" إلى مستوى "حرة جزئيا".

من جهتها قالت كارليكار إن وسائل الإعلام الإندونيسية، منذ العام 1998، قد ازدهرت فعلا من حيث عدد المنافذ والقدرة على كتابة وتقديم التقارير الإخبارية، على الرغم من أن المضايقات وملكية وسائل الإعلام والقيود القانونية، لا سيما تلك المرتبطة بقوانين التشهير، قد أخرت إندونيسيا عن تحقيق مزيد من التقدم وفقا لتقرير المنظمة.

غير أن إندونيسيا لم تحذ حذو بعض جيرانها في رابطة دول جنوب شرق آسيا. ( آسيان)، مثل تايلاند والفلبين، التي "تراجعت فيها حرية الصحافة فعلا إلى الوراء خلال السنوات الخمس أو العشر الماضية"، بل على العكس من ذلك، فقد اكسبت الصيانة المستمرة والمنتظمة للوضع الراهن في إندونيسيا الاعتراف بمكانتها باعتبارها "رائدة بين دول آسيان بالنسبة لحرية الصحافة"، وفقا لأحدث البيانات المتاحة من منظمة فريدوم هاوس.

وقارنت كارليكار بين إندونيسيا وحالة حرية الصحافة في كل من الهند والبرازيل. وجميعها بلدان كبيرة تم تصنيفها على أنها "حرة جزئيا" وتوجد بها شرائح سكانية متنوعة عرقيا ودينيا ومناطق تشهد اضطرابات.

وقالت إنه "في أماكن مثل هذه تشهد الصحافة مزيدا من الضغوط والتوترات؛ إذ يمكن أن تشعر الدول بحساسية حول إصدار تقارير عن قضايا معينة خشية من إثارة أعمال العنف. وهي تميل إلى فرض مزيد من القيود مما يجعل الأمر أصعب على هذه البلدان لإدراجها ضمن فئة الدول الحرة." وأضافت أنه في حين أن الدول الثلاث تواجه المزيد من التحديات في الانفتاح بشكل كامل، إلا أن القيود القانونية المفروضة في إندونيسيا أسوأ بكثير من الهند والبرازيل.

وأوضحت أن "البيئة القانونية والتشهير هما من العوامل السلبية الرئيسية." إذ يتواصل رفع الدعاوى ضد أجهزة الإعلام بزعم أنها كتبت تقارير كاذبة أو غير منصفة ويتم محاكمة الأجهزة المدعى عليها على اعتبار أن هذه الحالات تعتبر جرائم جنائية، على الرغم من أن المحكمة العليا الإندونيسية حكمت في عام 2005 أن جميع هذه الحالات يجب معالجتها في إطار القانون المدني. وقالت كارليكار إن بعض قضايا التشهير لها دوافع سياسية، ويتم رفعها من قبل قادة سياسيين أو رجال أعمال. وانتقدت قانون نقل المعلومات والإلكترونيات الذي عرّف التشهير بشكل واسع النطاق بحيث أصبح المواطنون العاديون الذين ينشرون آراءهم على مواقع الإنترنت عرضة للملاحقة القضائية.

ولا تزال المضايقات وأعمال التخويف مستمرة ضد وسائل الإعلام التي تحاول فضح الفساد، وقد اضطرت النتائج التي تترتب على التقارير التي تكتب حول الفساد بعض وسائل الإعلام إلى فرض رقابة ذاتية على نفسها.

ولكن كارليكار شددت على أن إندونيسيا لديها صحافة ومؤسسات مجتمع مدني قوية جدا، مثل تحالف الصحفيين المستقلين، الذي "ما برح يجاهر برأيه حول الإبلاغ عن الأنتهاكات والمطالبة بالإصلاحات، ، بما في ذلك ممارسة الضغوط ضد قوانين التشهير. وقالت "إن هناك بعض هيئات الرقابة المحلية وهي حقا تلعب دورا قانونيا فيما يخص تحدي التشريع والطعن فيه... إضافة إلى كتابة التقارير."

وقالت إن الشفافية في ملكية وسائل الإعلام تتيح أيضا للشعب الإندونيسي التعرف على المصالح التي تدين وسائل الإعلام المختلفة بالولاء لها. ونظرا لأن العديد من السياسيين وشركات الأعمال التجارية يتملكون أجهزة إعلام خاصة بهم، فإن "العلاقة بين السلطة السياسية وجهاز الإعلام " يمكن أن تخلق بيئة تحزبية جدا. غير أنها أردفت تقول: "ولكن المواطنين يعرفون من الذي يملك ماذا ولا يخشون من القيام برفع الشكاوى عندما يشاهدون تغطية متحيزة."

وخلصت إلى القول "إنه يبدو أن الناس قد أصبحوا قادرين على أن يكتشفوا هذه الأشياء؛ حيث أن الفضاء الآن قد أصبح رحبا وواسعا يتسع لوجود وسائل إعلام مستقلة إلى جانب وسائل الإعلام التي يتم استخدامها لأغراض سياسية."

انتشار الإنترنت

ويذكر ان عدد المواطنين الذين يستخدمون الشبكة العنكبوتية يرتفع بنسبة 49 في المائة سنويا

وأفاد إندا ناسوتيون أحد رواد عالم المدونات الإلكترونية في إندونيسيا أن بلاده "على شفا ثورة إلكترونية كبرى" مفاخرا بأن عدد متسخدمي شبكة الإنترنت الصغير نسبيا في بلاد لديها رابع أكبر عدد سكان في العالم يتنامى بفضل تحسين الوصول إلى الشبكة بما في ذلك من خلال تكنولوجيا الهواتف الجوالة التي أصبحت في متناول الكثيرين.

وطبقا لبيانات وأرقام جمعتها "إحصائيات الإنترنت في العالم" أو Internet World Stats فإن مجموع 30 مليون إندونيسي فقط يستعملون الشبكة أي بنسبة 12.5 في المئة من مجموع عدد السكان الذي يقدر بـ241 مليون نسمة.  لكن هذا العدد مرتفع إلى حد يضع إندونيسيا في المرتبة الثالثة عشرة من ناحية مستخدمي الإنترنت.

وتابع ناسوتيون: "إن التغييرات حاصلة فعلا" مع تكاثر الحواسيب وأجهزة الكومبيوتر، والبرمجيات وسبل الوصول إلى الإنترنت. إضافة إلى ذلك، فإن جميع الهواتف الجوالة الجديدة حتى تلك التي يبلغ ثمنها أقل من 100 دولار لديها قدرات الإتصال بشبكة الإنترنت. وأكد: "لهذا أعتقد أننا على "شفا ثورة إلكترونية كبرى"

وقد لقب ناسوتيون بأب عالم المدونات الإندونيسي،" لأن حضوره على شبكة الإنترنت منذ 2001 لا يضعه في مصاف الرعيل الأول من المدونين الإندونيسيين فحسب، بل كذلك لأنه كرس جزءا كبيرا من نشاطه لشرح فن التدوين الإلكتروني لمواطنيه ولتشجيعه مدونين جددا.بحسب صحيفة الوطن.

ويشار إلى أن نمط التدوين الإندونيسي الذي يتخذ من المجتمع محورا له يتكشف في لقاءات وطنية سنوية مثل "مدوني بيستا" أو Pesta Blogger وآخر يتصف برسميات أقل مثل مدوني مكتمر.

وتعمل اللقاءات على بناء علاقات بين المدونين في الوقت الذي يتبادلون فيه المعارف والأفكار ويشجعون على توحيد أكثر في تطوير الإعلام.

وقد استوردت تكنولوجيا الإنترنت في منتصف ونهاية تسعينيات القرن الماضي حين كانت المعارضة لحكم سوهارتو تتزايد زخما واصبح عالم السيبرانيات مثل شبكة الإنترنت منبرا نادرا لحرية التعبير والتفاعل ومصدرا رئيسيا للأخبار والمعلومات المتحررة من رقابة الدولة وسيطرتها.

واستنادا لفرايشلاد، "لجأت الحركة الطلابية إلى شبكة الإنترنت  لتنسيق نشاطها ولاستنفار الجماهير." وقد حول النشطاء البيانات التي حصلوا عليها من الإنترنت إلى كراسات ومناشير مطبوعة ووزعوها في الشوارع."

وفي حقبة ما بعد حكم سوهارتو، ألغت الحكومة الرقابة وشجعت مواطنيها على استخدام الإنترنت. 

وتشير فرايشلاد مثلا إلى أن العديد من الإندونيسيين لا يزالون ينظرون إلى الشبكة العنكبوتية العالمية النطاق كـ"مجال حر" خارج رقابة الدولة كما أن مرافق عامة مثل مقاهي الإنترنت وأكشاك "وورنت" لا تزال تحظى بشعبية وقد طورت ثقافتها الخاصة في اوساط الشبيبة الإندونيسية في غياب امتلاك واسع النطاق للحواسيب الخاصة.

جذب المستثمرين

من جانب آخر تريد اندونيسيا، رابع اكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم، التخلص من سمعتها كارض الكوارث والفضائح، لجذب المستثمرين الاجانب الذين تحتاج اليهم للتمكن من منافسة الصين او الهند.

واقر جيتا ويرجاوان رئيس وكالة تنسيق الاستثمارات لدى افتتاح مؤتمر دولي في جاكرتا، ب"اننا نعاني من تدهور خطير في سمعتنا".

وأعرب عن اسفه لان "اندونيسيا هي في نظر الاجانب دولة تسونامي وزلازل وإرهاب وتظاهرات وفضائح". بحسب الفرانس برس.

ومن هذا المنطلق، فضل المستثمرون في السنوات الخمس عشرة الماضية، النظر الى دول اسيوية اكثر امانا او استقرارا، مثل الصين وفيتنام او ماليزيا.

من جهته قال راكش باتيا من بنك "اتش اس بي سي" من جهته "حتى وقت قريب، لم تكن المجموعات الاجنبية تعتبر ان من الحكمة الاستثمار في اندونيسيا".

وغيرت الازمة العالمية المعطيات. فمع نمو من 4،5% في 2009، كانت اندونيسيا احدى الدول النادرة في مجموعة العشرين التي تجاوزت الصدمة مع الصين والهند.

ويشدد الخبراء على فوائد هذا الاقتصاد البالغة قيمته 550 مليار دولار: طلب داخلي متين وحسابات عامة تحت السيطرة وقطاع مصرفي صلب ونفقات رواتب لا تزال ضعيفة وطبقة وسطى من 50 مليون شخص من اصل 235 مليون نسمة. ويضاف الى ذلك مناخ سياسي هادىء بعد 12 سنة على انهيار ديكتاتورية سوهارتو.

وقال رئيس غرفة التجارة الفرنسية الاندونيسية الان-بيار مينيون الذي يقيم في جاكرتا منذ 26 عاما "مع امكانات بهذا الحجم، فان اندونيسيا هي الدولة التي ينبغي الاستثمار فيها في السنوات الخمس المقبلة".

لكن البعض يبدو اكثر تحفظا. فهم يتوقعون ان ينتصر "الاصلاحيون" الذين يشنون، الى جانب وزير المالية سري مولياني اندراواتي، حملة لمكافحة الفساد المتنامي وفقدان الشفافية والضعف في انجاز المشاريع.

غير ان فئة من النخبة تقاوم انطلاقا من حرصها على المحافظة على النفوذ الاقتصادي والسياسي الواسع الذي حققته طوال فترة ديكتاتورية سوهارتو. واقر ويرجاوان احد المتحمسين لتحديث البلاد بالقول "ان مهمتنا ليست سهلة".

وحقق معسكر الاصلاحيين للتو فوزا مع فتح قطاعات استراتيجية جديدة، مثل الصحة، امام المستثمرين الاجانب.

لكنه لم ينجح في الحصول على انشطة اخرى ذات مردودية عالية مثل بناء محطات اتصالات تشكل سوقا تقدر بعشرين مليار دولار ل150 الف وحدة متوقعة.

والنقطة الاخرى التي تعوق الاستثمار مرتبطة بالتاخير الكبير للدولة في مجال البنى التحتية، وخصوصا في قطاع النقل. وابدى تقرير حديث عن الاسف بقوله "بين 2004 و2009، تم شق 125 كلم فقط من الطرق السريعة. ( ...) في حين شقت الصين 4700 كلم في سنة 2009 لوحدها".

والحاجات هائلة في هذا القطاع، فالحكومة تسعى للحصول على 90 مليار دولار من الاستثمارات الخاصة للسنوات الخمس المقبلة، بحسب ويرجاوان.

والمستثمرون الاكثر نشاطا هم حاليا الاسيويون وخصوصا ابناء سنغافورة وكوريا الجنوبية والصين، الناشطون بقوة في مجال استغلال المواد الأولية.

أما بالنسبة الى الاوروبيين المتمركزين بقوة في مجالي الخدمات والصناعة "فعليهم ان يظهروا طموحا اكبر"، كما امل مينيون.

قانون مناهضة الإباحية

من جانب آخر رفضت المحكمة الدستورية في اندونيسيا مؤخرا دعوى استئناف للطعن في قانون مناهض للاباحية مثير للجدل في صفعة لبعض الاحزاب العلمانية والاقليات والفنانين الذين قالوا انه يهدد حرية التعبير.

وقالت المحكمة ان المخاوف بشأن غموض القانون وعدم اعارته اهتماما بأقليات عرقية ودينية معينة وامكانية ان يحرض اعضاء التنظيمات الاهلية كان مبالغا فيها. وكان هناك رأي مخالف واحد من هيئة تضم ثمانية قضاة.

وقالت ماريا فريدة اندراتي وهي القاضية الوحيدة في هيئة المحكمة "على الرغم من ان القانون اقر الا ان فعاليته وتطبيقه مازال موضع شكوك."

وأضافت "وهذا بسبب الغموض في مواده وتفسيراته للقانون. والذين سوف يتأثرون مباشرة بالقانون هم النساء والاطفال. فأين هي الحماية كما كفلها" القانون.

وكانت مجموعة صغيرة من الاحزاب الاسلامية قد تبنت مشروع قانون مكافحة المواد الاباحية وأقره البرلمان في أكتوبر تشرين الاول 2008 قبل بضعة أشهر فقط من انتخابات عامة اجريت في البلاد.

على صعيد ذي صله فاز الرئيس سوسيلو بامبانج يودويونو برئاسة ثانية مدتها خمس سنوات ثم شكل ائتلافا مع عدة احزاب دينية تمارس نفوذا كبيرا في مجلس الوزراء.

واندونيسيا دولة علمانية رسميا لكن لديها أكبر عدد من السكان في العالم الاسلامي. وفي حين أن الغالبية من المعتدلين فقد سعت أقلية متزايدة من أجل التوسع في تطبيق الشريعة الاسلامية في أكبر دولة إسلامية من حيث السكان.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/حزيران/2010 - 20/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م