الشهيد الشيرازي: رحلة إصلاحية كبيرة وإخلاص إنساني متوهج

ذكرى استشهاد المفكر الشهيد السيد حسن الشيرازي16-جمادي الثاني

شبكة النبأ: من حسنات التأريخ انه يحفظ التجارب الانسانية ذات الطابع المتميز ثم يقدمها للآخرين اللاحقين كدروس يستنير بها بنو البشر كي تتحسن مساراتهم وتقل أخطاؤهم ويعلو شأنهم يوما بعد آخر وهو يأخذون من هذه التجارب عصارتها الطيبة التي تضي السبل والطرق القويمة أمام بصائرهم وابصارهم.

ومن هذه التجارب والشخصيات التي لا يمكن للتأريخ إغفالها، الشهيد السعيد السيد حسن الشيرازي، هذا المفكر المثقف والشاعر النافذ الى أعماق الروح الانسانية، حيث نستطلع رحلته الكفاحية المريرة مع البعثيين من جانب ونستغور تجربته الشعرية الصادقة من جانب آخر، كما أننا سنلاحظ قدرة الشهيد الكبيرة على تأسيس المشاريع الاصلاحية باندفاع كبير واخلاص قل مثيله.

فقد بادر - قبل أن تطله يد الغدر وتقتله في بيروت في اوائل عقد الثمانينيات من القرن الماضي- الى تأسيس تجربة شعرية تنطوي على الصدق والمعاصرة في آن، حيث يستطيع القارئ المتدرب والناقد المختص أن يستخلص من هذه التجربة الشعرية شذرات متأصلة في ذات الشهيد تعالج التطلعات الانسانية باسلوب مؤثر وجميل يقترب من خلجات المتلقي مثلما تتعمق هذه التجربة في الغوص بعيدا بالروح الانسانية التي عانت كثيرا من ويلات العصر ممثلة بجهل السياسيين وظلم الحكام وغمط حقوق الفقراء وما شابه، وبهذا كان شعر الشهيد السيد حسن الشيرازي يمثل الشرارة التي توقد انتفاضة الروح وهي تتصدى لهذا الظلم والتجبر السلطوي للحكام، مثلما نجد معالجات متفردة لارهاصات الانسان المعاصر وتعامله مع الوجود ونظرته الى الحياة وكيفية التعامل مع اشكالياتها الكثيرة.

من هنا سنجد في شخصية الشهيد السعيد تنوعا في الطروحات والمعالجات التي تتوزع على الثقافة والادب والدين والسياسة، حيث توزعت سيرته على هذه المجالات وقدم من خلالها تجربة انسانية متفردة يمكن للباحثين المختصين والقراء على حد سواء الاستفادة منها في بحوثهم وصقلهم لتجاربهم.

ففي الجانب السياسي خاض السيد حسن الشيرازي (رحمه الله) صراعا مريرا مع السلطات السياسية البعثية في العراق وقد تم اعتقاله وتعذيبه بطرق لا يتصورها العقل حيث تفنن المعذبون بطرق التعذيب التي تعرض له الشهيد الشيرازي، ومع ذلك لم يكن أمامه سوى الاستمرار في رحلة الكفاح المريرة حتى بعد اطلاق سراحه وسفره الى لبنان حيث تمت متابعته من قبل الاجهزة الامنية آنذاك وتم اغتياله في العاصمة بيروت مطلع الثمانينيات نظرا للتهديد الذي كان يشكله على النظام السياسي القائم من خلال نشاطه الفكري والديني التوعوي المتواصل.

ووما يُحسب لشخصية الشهيد السعيد الشيرازي تمتعه بروح الاخلاص الفذ ونكرانه للذات وسعيه الذي لا يكل قط في بث الوعي بين جموع المسلميسن من فقراء وبسطاء العامة، وهذا يتبين على سبيل المثال وليس الحصر من سعيه الدؤوب في تأسيس الحوزات العلمية كما حدث ذلك في دمشق عندما اعلن الشهيد الشيرازي تأسيس الحوزة العلمية في السيدة زينب رغم الصعوبات الجمة التي كانت تحيط به، لكن الاصرار والاصالة والارادة الحرة المشفوعة بالاخلاص وحب الناس جعل من الشهيد الشيرازي يصر على اقامة مشروعه الديني التثقيفي من دون تردد،، فكانت هذه الحوزة والمعلم الديني الثقافي الوليد الذي تنامى مع الزمن فأصبح حاضرة يؤمها المؤمنون لاستذكار الصفوة العظماء من أهل بيت الرسول الاكرم (ص) وسيرهم الخالدة.

إن هذه الذكرى العطرة لأحد أعلام المسلمين تقودنا جميعا الى البحث في جميع الانشطة التي ميّزت حياة الشهيد الشيرازي لكي ننهل منها ما يجعل حياتنا المعاصرة أكثر انسجاما ورحمة في ظل تغييب متواصل للقيم والشرائع والاعراف التي تحاول أن تقاوم موجات الاذلال المتعمّد للمسلمين وتشويه صورة الاسلام بين مختلف الشعوب والامم في عموم المعمورة، فنأخذ من سمة الاخلاص للشهيد الشيرازي عبرة في سعينا ونشاطاتنا المختلفة، ونأخذ من خصلة نكران الذات التي كان يتحلى بها صفة ودليلا لاداء أعمالنا، كما نأخذ من إرادته الجبارة درسا لتقوية اراداتنا ضد الظلم ومحاولات التجاوز التي قد نتعرض لها ممن يحاول أن يسيء لقيم الانسانية وكرامة الانسان.

وبهذا تكون شخصية الفقيد السيد حسن الشيرازي منارا يمكن أن يسترشد به المثقفون والادباء ورجال الدين وكل من يريد أن يترك بصمة واضحة في خريطة التقدم الانساني، وذلك من خلال البحث في سيرته والاطلاع على مؤلفاته وقراءة دواوينه الشعرية والنقدية وغيرها سواء في مجال النقد الادبي او المجال الديني، بالاضافة الى السيرة السياسية ذات الطابع الكفاحي المتفرد للشهيد السيد حسن الشيرازي طيَّب الله ثراه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 3/حزيران/2010 - 18/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م