قافلة الحرية في مواجهة عقلية القرصنة

زهير الخويلدي

إن معركتنا لا يعتمد كسبنا لها على عدد الأعداء الذين نققتلهم بل يعتمد على عدد الأعداء الذين نقتل في نفوسهم الرغبة في القتل

المهاتما غاندي

 

سلاح العنف في مواجهة سياسة اللاعنف الإنسانية ذلك هو التعليق الذي يمكن الخروج به مما حدث من اعتداء سافر على أسطول الحرية الانساني قبالة سواحل غزة الأبية وفحوى الموضوع أن الآلة الحربية البحرية الإسرائيلية اعترضت لأربعة من السفن كان على متنها عدة شخصيات حقوقية وصحفيين ومحملة بمساعدات غذائية وطبية وإنسانية من ثلاثين دولة من الكرة الأرضية مرسلة من منظمات خيرية وجمعيات حقوقية إلى القطاع الفلسطيني المحاصر وشعبه الأعزل والذي يعاني شيوخه ومرضاه وأطفاله من تجويع وتحرشات متواصلة منذ سنوات.

وقد خلف العدوان الدموي على سفينة مرمرة قرابة عشرين شهيدا والعشرات من الجرحى وقرصنة الأسطول ومنعه من مواصلة طريقه وتحويل وجهته وذلك بإجباره على الرسو بالقوة في ميناء أسدود.

إن العودة إلى استعمال القوة العسكرية المباشرة وأساليب الاغتيالات والتعتيم الإعلامي والتوجيه الدعائي يدل على التدحرج الأخلاقي الذي يعاني منه الكيان الغاصب بعد أن فقد مقومات وجوده وانكشفت الأساطير التي يبني عليها أوهامه التلمودية في دولة ذات أرض موعودة يتجمع فوقها يهود العالم بعد تحريرها من ما فوقها من السكان ولو بالتهجير والطرد والاستبعاد والإبادة الجماعية والموت البطئ.

يبرر النظام السياسي للكيان الغاصب صنيعته الفاشلة بأنها رد على ما صدر عن نشطاء من قافلة الحرية من سلوكات عنيفة تجاه جنود البحرية الإسرائيلية وأن هذه القافلة جاءت لمناصرة قوى متشددة غير معترف بها تهدد أمنها ومستقبلها وهي في حالة لاتفاهم مع سلطة رام الله.

كل هذه التبريرات لا تعتبر مسوغا أخلاقيا من أجل إزهاق الأرواح البريئة التي أرادت أن تفك الحصار عن غزة وتطعم الأطفال وتداوي المرضى وتغيث المنكوبين من الكوارث وتشد عزيمة الصابرين وتقوي لديهم الأمل في الحياة بعد أنهكهم الرصاص المسكوب والغازات الخانقة وقلة المياه الصالحة للشراب.

كما أن بيانات الإدانة والشجب الصادرة من الأنظمة العربية ضد الكيان الغاصب غير كافية ومجرد جمل معدة للاستهلاك الداخلي إذا لم تتبعها خطوات سياسية جريئة تعمل على فك الحصار وإنهاء حالة العزلة والتهميش التي تحاول إسرائيل فرضها على سكان قطاع عزة وتفرض هذا الوضع كأمر واقع لا يمكن تغييره وتستمر في سياسة الجدران العازلة وتجريم حق الدفاع عن النفس والتفريط في الثوابت.

إن التضامن مع الهيئات والجمعيات الفلسطينية الناشطة في القطاع والضفة لا يكفي للتعبير عن المؤازرة والمساندة وان مسؤولية كسر الحصار ورفع منطق الاحتجاز الإكراهي هي مسؤولية عربية وإسلامية وأممية مشتركة ويجب أن يتحملها الجميع من أجل أن تتحول إلى أفعال ملموسة وتشكل قوى ضغط على الجانب الرافض لأي شكل من أشكال التنازلات في سبيل نزع فتيل المواجهة والاقتتال.

ما يحدث في الشأن العربي عموما والشأن الفلسطيني خصوصا من انقسام وتخبط يفسر حالة اللارد والاستكانة والعجز التي أصبح عليها الموقف الرسمي عموما وغياب الحزم في مواجهة هذه الانتهاكات. غير أن حالة الغليان وإظهار نية المبارزة من الجار التركي بحكومته وشعبه تبدو نتيجة منطقية لعدد الشهداء الأتراك الذين راحوا ضحية القرصنة الليلية الوحشية وقوائم الموت المعد سلفا التي كانت في انتظارهم على سواحل المتوسط الذي حلم بعض الساردين بتحويله إلى بحر من التعايش والتسامح.

إن تخوف العرب من دولة إسرائيل هو شعور مبالغ فيه وان تربية الشبيبة على الذل والخنوع والاستسلام للأمر الواقع ربما يؤدي إلى نتيجة عكسية ويقوي قوى الرفض والممانعة بل انه قد يخلق جو من التوتر يشجع الأفكار العنصرية والتباغض بين الشعوب والتنافي بين الأديان.

إن المطلوب هو احترام إنسانية الإنسان والاحتكام إلى قيم العدل واللاعنف ومحاسبة المنتظم الدولي للمخالفين من أجل الردع وإيقاف هذه الانتهاكات المتكررة للمواثيق والقوانين التي نصت عليها معظم الدساتير والشرائع قديما وحديثا.

إن ما حصل يعد فضيحة بالمعنى الأخلاقي لأنه ربما المرات القلائل التي يتعرض فيها نشطاء إنسانيين عزل إلى القتل بتهمة مساندتهم الإنسانية لسكان محاصرين، وكما قال يونغ: حينما يغيب الحب تحضر القوة، وبالتالي حينما تفشل كل الجهود الرامية إلى إنصاف المظلومين وإنقاذ السكان من الهلاك الحتمي فإن منطق النزاع والتباغض يصعد على السطح، فمتى يوقف الضمير الدولي مثل هذه العقلية العنفية وتعلم إسرائيل أن قافلة حرية الشعب الفلسطيني لا يمكن إيقافها؟ وما السبيل الذي يجب أن تتبعه الناشئة العربية من أجل أن تأخذ زمام المبادرة بنفسها؟

* كاتب فلسفي

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 3/حزيران/2010 - 18/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م