ظاهرة التسول والإهمال الحكومي

تحقيق: عصام حاكم

 

شبكة النبأ: ما رأيت نعمة موفورة إلاّ وإلى جانبها حق مضيّع، فلسفة أوجدها الحكماء من ذي قبل وهي تعالج أمراض المجتمع النفسية والاقتصادية وتناقش الى جانب ذلك حالة البون الشاسع بين الطبقة المتنفذة وبين عامة الناس، لاسيما أولئك الفقراء منهم.

حتى أمس ذلك الصراع ينبئنا بكوارث اجتماعية وإنسانية في غاية الخطورة والتعقيد وهي تكاد ان تصيب  النظام الاجتماعي والأمني والديمقراطي بفشل ذريع حيث تتسع دائرة الظلمات وتضيع الحقوق وتهان الكرامات والسبب مرهون بالسياسات الحكومية.

 انطلاقتنا الأولى كانت من كراج كربلاء الموحد حيث التقينا هناك بإحدى المتسولات وهي ترفض تسمية نفسها وتضع على وجهها نوع من أنواع القماش الأسود حيث لا يمكن التعرف إليها بسهولة، إلا إنها في ذات الوقت تشمر عن ساعديها وتدافع بضراوة عن عملها تحت وفرة البراهين والحجج المقنعة بالنسبة لها، حيث قالت: انى استغرب فعلا من حجم الهجمة الموجهة ضد المتسولين إناثا كانوا أم ذكور كبارا كانوا أم صغار، وهم أناس عراقيين أيضا ومن حقهم ممارسة دورة الحياة والعيش بكرامة ويسر وهم يعملون بجد واجتهاد وينفقون الكثير من الوقت من اجل ان يستعطفوا الناس عليهم والعملية برمتها ليست سرقة او تحايل وهم لا يغصبون الناس او يهددونهم بالسلاح، علما بان حالة التكافل الاجتماعي سمة من سمات الجنس البشري.

وأضافت لـ(شبكة النبأ المعلوماتية)، اني امرأة ولدي أطفال صغار فمن أين آتي لهم بالخبر ما لم أتوسل الماره، وكنت اتمنى من المؤسسة الحكومية ان تضع في سلم أولوياتها مساعدة الفقراء لا محاربتهم وإذلالهم، وليت الحال يبقى على ما عليه إلا ان نظرة المجتمع الينا هي الآخر باتت سيفا مسلطا على رقاب المحرومين ولم يفكروا يوما في كيفية مساعدتنا بل هم جاهزين الى إطلاق العبارات المهينة ونحن نتحمل والله هو الراعي.

أما رعد فلا يمتلك في هذه الدنيا إلا ساق واحده أما الأخرى فذهبت ضحية الأعمال الإرهابية وهو لا يمتلك بيتا يؤويه حسب قوله، فوطنه فهو عبارة عن صفائح الدهن الفارغة.

الى جانبه طفل صغير حيث يأخذ بيده الى سيارات الأجرة وهو يتنقل داخل كراج الأحياء السكنية، ويعتبر رعد ان مسالة التسول مهنة يحقق من خلالها مصدر رزقه هو وعياله الثلاث الذين لم تتعدى أعمارهم عشرة سنوات، فيقول، من واجبي كأب ان اوفر لهم لقمة العيش لأننا في زمن صعب ولا يوجد من يعينهم غيري.

ويضيف لـ(شبكة النبأ المعلوماتية)، بعد ان تقطعت بي السبل في الحصول أعانه من الدولة، دفعني ذلك الى الجلوس على الأرصفة، ومد يد الذل.

أم محمد امرأة مسنة وهي لا تسأل الناس ولكن أهل الخير يعرفونها منذ زمن بعيد ويتفاءلون بها وبمساعدتها ومكانها يكاد ان يكون معلوم وهي لا تمتلك الا الدعاء للمتصدقين بطول العمر والموفقية، وعندما حاولنا مجاراتها في الحديث قالت، ليس من السهل على الإنسان ان يكون بهذا الحال الا ان الظروف هي من تضطره الى التنازل عن كل الاعتبارات والمثل العليا فأنى على سبيل المثال ام لأربعة أولاد الا أنهم تخلو وبسرعة بسبب تعاطفهم مع زوجاتهم وأبنائهم،  لذا اخترت ان أكون بعيده عنهم كي لا اسبب لهم الإحراج وعدم الراحة، واني منذ عشرة سنوات على هذا المنوال واهل الخير يعرفوني ويقدمون لي المساعدة وخصوصا أيام الأعياد والمناسبات الدينية وهذا يضاف الى ميزان حسناتهم.

من جهته حسن حناني باحث اجتماعي يصف ظاهرة التسول لـ(شبكة النبأ المعلوماتية)، بأنها جزء لا يتجزأ من التراكمات السياسية والاقتصادية وهي جريمة إنسانية واجتماعية يتحمل وزرها المجتمع بأكمله ولا توجد فرصه للهروب من تلك المسؤولية فإذا ما حاولنا ان نتجاهل ذلك المكون فربما تضطرنا الظروف الى تحمل الكثير من المفاجأة فالإرهابيين والقتلة  قادرين على توظيف تلك البطون الجائعة لإغراض إجرامية، لاسيما وان الأثمان تكاد ان تكون تافهة ورخيصة بالنسبة لهم، اما بخصوص الاتجار بالأطفال فالغاية هنا قد تبرر الوسيلة ومن حق هؤلاء الناس من وجهة نظرة حياتية على اقل تقدير أن يوجدوا لهم مناخ مناسب يهيئ لهم سبل الاستمرار ومواصلة العمل مخافة التعرض الى الهلاك، فمن غير الممكن ان نطلب من تلك الشريحة ان تحترم المجتمع وتقدر الإنسان وهي لا تلقى ذات المضمون والمعنى من المجتمع.

توجهنا من بعد ذلك الى دار الرعاية الاجتماعية لنسأل هناك عن طبيعة الإجراءات المتبعة وعن الإحصائيات المتوفرة لديهم، الا أن واقع حال المؤسسة الاجتماعية يقول بان ليست هناك إحصائيات رقمية لاسيما وان أعداد المتسولين في تنامي ملحوظ بسبب النمو الاقتصادي والانفتاح الموجود وغياب فرص العمل وتعطل المعامل والامر يحتاج الى دعم حكومي كبير ومحاولة الوقوف على أسباب تلك الظاهرة ومعالجتها لان الإنسان هو الإنسان فمن واجب المؤسسات الحكومية والدينية والمنظمات الإنسانية ان تضع في الحسبان ضرورة  معالجة تلك الحالة على اساس رصين وواقعي وليست مجرد شعارات واحلام وامنيات لا ترتقي الى مستوى التطبيق وذلك لان الضحايا هم الاطفال في نهاية المطاف وربما تنتهي تلك الازمة الى ما تحمده عقباه على مستوى المجتمع ككل.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29/أيار/2010 - 13/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م