مأدبة غداء..

ثالوث الإقصاء السياسي العراقي وأمور أخرى

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: تنوعت ردود الفعل قبل وبعد مأدبة الغداء التي اقامها الرئيس جلال الطالباني.

جولة سريعة على ردود الفعل لنحاول اكتشاف ما الذي يحدث بعد ان عرفنا طيلة السنوات السابقة ماذا حدث.. وهل ما يحدث هو الان فقط أوانه سيتحول الى سؤال اخر.. هو ماذا سيحدث؟

استغرب حاكم شيخ لطيف عدم توجيه رئيس الجمهورية دعوة الى حركته في مادبة الغداء في مقر اقامته للتقريب في وجهات النظر.

وقال لطيف: لا نعرف لماذا لم توجه لنا الدعوة رغم اننا الفائز الخامس وتمت دعوة الفائزين بعدنا وبمقاعد اقل منا، نتمنى ان يكون السيد طالباني يفكر ويعمل كرئيس لجمهورية العراق وليس كرئيس حزب اختلفنا معه في بعض التصورات.

ماذا يحدث في العراق؟ والحديث هنا حول ماحدث اثناء المأدبة وبعدها.. لسنا في وارد التجني على السيد جلال الطالباني فلربما قام مساعدوه ومستشاريه بتوجيه الدعوات الى من حضر وتجاهل الباقين.

لم توجه الدعوة الى حركة التغيير وهي هنا تمثل الاخر المغاير والمختلف وان كان ينتمي الى نفس المدرسة السياسية والى نفس الايديولوجيات التي حكمت العقل السياسي الكردي.

ولم يتم توجيه الدعوة الى التركمان وهم الاخر المختلف عبر انتمائهم الى القومية الثالثة في العراق من حيث عدد السكان .. ولم يتم توجيه الدعوة الى اي من القيادات النسائية السياسية والتي تشكل اكثر من 80 مقعدا من مقاعد البرلمان. وهي هنا حالة من الاقصاء الذكوري للمرأة الذي يشيع في المجتمع العراقي رغم عديد الشعارات ..

فالمرأة السياسية ديكور او لمسة فنية تكمل لوحة الديمقراطية العراقية.

ولا نستغرب هذا الاقصاء للمرأة وهي المقصية دوما وهي التي تسير خلف الرجل في الشارع والاسواق وهي التي يمارس ضدها جميع انواع العنف وابشعها المعنوية والمادية..

قال د . لطيف مصطفى عن كتلة التغيير: (في وقت يبذل فيه السيد مام جلال جهوده لترتيب البيت العراقي، لكنه بخطوته تلك يفرق شمل البيت الداخلي الكوردي).

واحتج التركمان ايضا على عدم توجيه الدعوة لهم عبر من يمثلهم كقومية ثالثة..واحتجت النساء ايضا ..مثل صفية السهيل والا طالباني التي ذكرت (ان الاجتماعات المصيرية والمهمة التي تُتخذ بها القرارات وتوضع فيها برامج سياسية حتى في حكومة اقليم كردستان بالنسبة للكتل السياسية، تكون المرأة مغيبة فيها ويكون دورها مهمشا على الرغم من كون العنصر النسوي لعب دورا فعالا في الحكومة السابقة).

واشارت طالباني الى (ان السبب في ذلك هو التهميش الذي تلاقيه المرأة السياسية في العراق من قبل قادة الكتل الذين لاينظرون لوجود المرأة في القيادة ومركز صنع القرار السياسي نظرة عادلة).

كبف بمكن النظر الى مادبة الغداء تلك ؟

في جميع الامم والشعوب ينقسم الزمن الى ثلاث وحدات رئيسية هي الماضي والحاضر والمستقبل.

اثنان من الوحدات الزمنية (الحاضر والمستقبل) تتحول بفعل جربان الساعات والايام والشهور الى ماض ويولد حاضر ومستقبل جديد.

الماضي هو اندثار الحاضر والمستقبل بفعل الزمن..هناك شعوب تعيش على ماضيها مثل شعوبنا فالماضي خلفها وامامها والان.

وشعوب تقطع مع الكثير من مفاصل ذاك الماضي وتعيش حاضرها دون التفكير في المستقبل ..وشعوب اخرى ترمي ماضيها خلفها وتؤسس للمستقبل عبر الحاضر.. وشعوب اخرى لا تكتفي بحرق الماضي بل تحاول حرق الحاضر والمستقبل القريب لتستشرف عقول ابنائها مابعد المستقبل ، او المستقبل البعيد جدا عبر فنطازيات خيالية قد تعود بالزمن الاف السنين الى الوراء او تقفز الى الاف اخرى.. وفي الفنطازية الثانية كثيرا ماتتحقق تلك الخيالات.

يمكن الان كتابة متوالية لغوية حول تجاهل هذه الفئات الثلاث حسب العقلية السياسية العراقية المحكومة بمرجعياتها الاجتماعية والثقافية:

عدم دعوة حركة التغيير ....... اقصاء قبلي..

عدم دعوة التركمان ....... اقصاء قومي..

عدم دعوة المرأة...... اقصاء ذكوري..

وماذا يمكن ملاحظته حول المادبة وعبر الصور التلفزيونية التي تم توزيعها على الفضائيا ؟

من يمين الشاشة الى يسارها كان الجلوس كالاتي :( الهاشمي – الحكيم – طالباني – المالكي )..

على يمين الشاشة ( على يمين المالكي ) جلس معظم  من يرتدون الزي العربي والمعممين وكانوا في المقدمة من المقاعد..وعلى يسار الشاشة ( يسار الهاشمي )  جلس معظم الافندية الا واحدا..

في صورة اخرى وعند حديث طارق الهاشمي من خلال المنصة أحاط به جمال البطيخ وعدنان الدنبوس بزيهما العربي العقال والدشداشة رغم وجود اكثر من واحد من القائمة العراقية في المأدبة، وهي صورة يحرص على الظهور بها السيد الهاشمي للتذكير بعمقه العروبي امام الاخرين الذين يشك في عروبتهم كما درجت على ذلك الخطابات القومية حول اصل شيعة العراق وفصلهم وارتباطهم بايران..

ملاحظة اخرى حول المأدبة اشار اليها عضو ائتلاف دولة القانون عزت الشابندر حين ذكر  ان دعوة الغداء لرئيس الجمهورية جلال طالباني يريد منها ان يقول فيها ان هذه الاستجابة الواسعة من قبل الكتل السياسية هي بيعة عامة له لولاية ثانية.

واوضح الشابندر ان هذا الغداء ليس نهاية عهد الى رئيس الجمهورية وانما بداية عهد وهو يريد ان يقول ان هذه الاستجابة الواسعة له لأغلب الكتل السياسية هي بيعة عامة له في ولاية ثانية لرئاسة الجمهورية.

تعليقا على هذه الملاحظة يذكر مارتن فان بروينسن في كتابه (الآغا والشيخ والدولة.. البنى الاجتماعية والسياسية لكردستان) ان الاغا (وهو هنا مام جلال أحب الألقاب إليه) يمثل ناسه أمام العالم الخارجي لذا فان معاملته للغرباء هي بمثابة شرف للقرية (او الحمولة او القبيلة) فالكرم واحد من متطلبات أي أغا ( مادبة غداء أو عشاء) ونادرا ما يرتفع بخيل إلى مرتبة عالية من النفوذ (إلا إذا استخدم القوة الوحشية) فالسخاء الذي يبديه المرء في دار ضيافته يعزز سمعته..

ويضيف: لدار الضيافة عدد من الوظائف الأخرى أيضا، كما تنطوي عليها الأسماء التي تعرف بها باللغة الكردية: أحيانا (ميوانخانة/ دار ضيوف) ولكن عادة ديوان او ديوانخانة / بلاط واحيانا ( اوداية كوند /غرفة القرية) وكان جميع القرويين الذكور في أيام عزهم يبيتون ويجلسون هنا في الاماسي يتناقشون في الشؤون اليومية.. كما كانت تطرح هنا الخلافات الثانوية وتتخذ القرارات المتعلقة بالقرية (او بالحمولة او بالقبيلة)..

مأدبة الغداء بمن حضر وما ظهر منها عبر الفضائيات هي المعبر خير تعبير عن حال السياسة والسياسيين عندنا..

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 25/أيار/2010 - 9/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م