الملوِّثات تحيط بالعراقيين وتنشر الامراض

اليوارنيوم المنضب والمياه والأغذية الملوثة خطر ماحق

 

شبكة النبأ: أصبح التلوث في العراق مشكلة كبيرة ضحاياها يعدّون بالآلاف، فالناس مهددة باليورانيوم من جهة، وبتلوث المياه والأغذية غير المراقَبة من جهة، وبتلوث الهواء وموجات الغبار التي لا ترحم أحداً، وهي لا تكاد تتوقف في مشهد غير مألوف...

"هُمام رسول" كان في العاشرة من عمره، حين انقلبت حياته الهادئة فجأة لتتحول إلى معاناة كبيرة مع ظهور قروح جلدية سرطانية على جسمه، نتيجة لعبه بإحدى الآليات المدمرة القريبة من منزله والتي قصفتها المروحيات الأمريكية خلال غزوها للعراق.

عائلة "همام" لم تكن تعلم أن هذه الآلية مثل مئات غيرها تنتشر في الساحات المتروكة قبالة البيوت، ملوثة باليورانيوم المنضب، والذي يمكن أن يحمل الخطر لمن يقترب منها أو يلعب بها ويلامسها كما في حالة همام الذي مات متأثرا بإصابته.

يقول رسول عمران والد همام أن قروح غريبة ظهرت على جسم ابنه اضطرته إلى مراجعة الأطباء “لتتبين انه مصاب بالسرطان وان القروح احد علاماتها”، ويضيف “ذهبت الى العديد من الدول لمعالجة ابني دون فائدة، كان المرض ينتشر في جسمه ويلتهم جسده شيئا فشيئا الى أن وافته المنية قبل اشهر قليلة”.

همام واحد من مئات وربما آلاف من ضحايا الملوثات الاشعاعية بما فيها اليورانيوم المنضب في بقايا الأسلحة المدمرة، لكن تلك الملوثات هي نوع واحد من مجموعة مواد ملوثة تهدد حياة العراقيين، لعل ابرزها المياه الملوثة والأغذية الفاسدة التي تدخل دون رقابة دقيقة والعواصف الترابية التي لا تتوقف، والتي تشكل بمجموعها مصدر خطر كبير. بحسب وكالة أصوات العراق.

المواطن علي سعد (30 عاما) من بغداد، يعاني من مشاكل دائمة في الامعاء، ويقول “الاطباء نصحوني بعدم شرب الماء المزود من انابيب الإسالة وانما من المياه المعدنية المعبأة”.

ويضيف سعد “آلامي مستمرة، والمشكلة أن اغلب افراد عائلتنا بدأت تعاني من اصابات في الامعاء، وكذلك امراض اخرى كالتزنتري بسبب المياه الملوثة”.

بينما قالت المواطنة ام احمد، من البصرة، ان ابنها (15 عاما) اصيب بسرطان الدم، وانها تراجع مع مئات من المصابين الآخرين أمثال ابنها مستشفيات ومراكز خاصة لضمان العلاج الذي يحول دون وفاة ابنها.

وتقول “التلوث مشكلة كبيرة والضحايا بالآلاف، فنحن مهددون باليورانيوم من جهة، وبتلوث المياه والأغذية غير المراقبة من جهة، وبتلوث الهواء وموجات الغبار التي لا ترحم أحداً، وهي لا تكاد تتوقف في مشهد لم نألفه من قبل”، مطالبة الجهات المعنية في الحكومة الى “متابعة هذا الملف الخطير وايجاد معالجات جذرية له”.

الى ذلك، قال مصدر احصائي في مستشفى اليرموك ببغداد، ان “نسبة الوفيات بالأمراض السرطانية ارتفعت بعد عام 2003 بصورة كبيرة”.

ويشير المصدر ان “نسبة الوفيات بمرض السرطان  خلال الستة اشهر الماضية نسبة الى عدد الوفيات الكلي في المستشفى بلغ 299 حالة وفاة، فيما بلغ عدد الوفيات الكلي 811 حالة، وهي نسبة تقارب الـ 36% “.

ويوضح المصدر ان “عدد الوفيات بمرض السرطان قبل 2003 كان يترواح بين 70 الى 80 حالة وفاة خلال ستة اشهر”.

من جهته، يطالب الخبير البيئي منجد عبد الباقي، بانشاء “هيئة وطنية لمكافحة التلوث النووي تكون مسؤولة عن طمر مخلفات الاسلحة التي تعرضت لقذائف اليورانيوم ابان غزو الولايات المتحدة للعراق”.

ويشير عبد الباقي ان “ازالة آثار الملوثات تحتاج الى خطة طويلة الأمد تتمثل باعداد الخرائط لأماكن التلوث باليورانيوم، ومن بعدها حصر المواد الملوثة في اماكن معينة تكون بعيدة عن الناس، ومن ثم معالجتها كيميائيا”، معتبرا ان “عملية المعالجة معقدة جدا وتحتاج الى وقت وجهد كبير”.

ويضيف عبد الباقي انه “بعد المعالجة يتغير شكل اليورانيوم وطبيعته حيث لا يذوب في التربة او الماء وبذلك يسهل نقله وطمره في مناطق صحراوية نائية”.

وينبه الى ان “الحدود العراقية الكويتية أصبحت بكاملها منطقة ملوثة، إضافة إلى مناطق أخرى من العراق خاصة على الحدود العراقية السعودية، فضلا عن محافظة بغداد”، مبينا أن “الاشعاعات الحالية هي نتيجة قذائف اليورانيوم التي تحمل كميات تقدر بـ100 ضعف ما هو مسموح به عالميا”، محذرا من “كارثة بيئية اذا لم يتم ايجاد حلول لمعالجة مخلفات الاشعاع”.

ويلفت الخبير البيئي الى ان “خطورة القذائف يتمثل في انتشارها بالتربة المعرضة لعوامل التعرية، ما يؤدي إلى انتشارها لمساحات واسعة خاصة مع العواصف الترابية”.

ويعلق عبد الباقي على عملية الطمر التي قامت بها وزارة البيئة، قائلا “هذه العمليات لا تتلاءم مع حجم المشكلة وتحتاج المعالجة الى امكانيات ضخمة”، موضحا ان “وزارة البيئة لا تستطيع بمفردها القيام بهذه المهمة الملحة بدون جهود دولية”.

بينما أكدت وزيرة البيئة نرمين عثمان، وضع الوزارة خطة “لتحسين البيئة بالعراق ومعالجة مشكلة الملوثات”.

وقالت عثمان لوكالة اصوات العراق ان “عام 2012 سيكون العام الذي يتخلص فيه العراق من جميع الملوثات المستنفذة للاوزون”، وتوضح ذلك بالقول “ان العراق وضع خطة اخرى للتخلص من الألغام امدها الى عام 2018 ، وخطة اخرى للتخلص من المحروقات الملوثة للبيئة تمتد الى عام 2015″، مشيرة الى ان “العراق في عام 2009 بيئيا افضل من العامين اللذين سبقاه”.

وكشفت عثمان عن أن “التخلض من الالغام الأرضية يتم عن طريق وزارة الدفاع والمنظمات غير الحكومية”، مشيرة الى ان الاجراءات التي اتبعتها وزارة البيئة لمعالجة مشكلة الآليات الملوثة تحددت في “طمر مخلفات الآليات المدمرة والملوثة باليورانيوم، اضافة الى عقد ندوات لتوعية سكان المناطق التي فيها الملوثات من اجل عدم الاقتراب  منها، فضلا عن جمع المخلفات في اماكن خاصة”.

وتلفت عثمان الى ان “الطمر يتم في مناطق بعيدة وبصورة جيدة بحيث يتم وضع خرسانة اسمنتية على الآليات المدمرة وبذلك يمنع انتشار التلوث الى المنطقة المحطية بها”، مؤكدة ان “مثل هذا النوع من الحصر آمن”.

وتلفت عثمان الى مشكلة تلوث المياه، منبهة الى ان “معالجة تلوث المياه يحتاج الى خطة طويلة الأمد تتمثل بانشاء مشاريع  لتنقية المياه وتعقيمها اضافة الى عدم رمي مخلفات المصانع والصرف الصحي في مياه الانهار”.

من جانبها، وصفت الناشطة في مجال حماية البيئة ايمان كامل، الوضع البيئي في العراق بـ”السيء والخطر الى درجة كبيرة”.

وقالت “لا يوجد اهتمام كبير من قبل الدولة على الرغم من التحذيرات الدولية العديدة في هذا المجال”.

واضافت ان “الماء اصبح ملوثا بدرجة كبيرة وازدادت نسبة الرصاص عن النسب الطبيعية، ما يزيد من امراض الكلى وبعض الامراض الاخرى”، مشيرة الى خطورة التلوث باليورانيوم، قائلة “هناك نوع آخر من التلوث تشهده بعض مدن الجنوب وخاصة البصرة وهو التلوث باليورانيوم المنضب نتيجة مخلفات الحروب، ما زاد نسبة السرطانات بشكل كبير خاصة سرطان الثدي”.

ولفتت كامل الى أن “منظمات البيئة في العراق لا تملك الدعم الكافي للقيام بانشطة كبيرة، ولذلك ينصب جهدها على تقديم الندوات الثقيفية، لأن حماية البيئة تحتاج الى جهود حكومية وتشريع مجموعة من القوانين الخاصة بتحسين البيئة”.

واشارت جهات دولية ومحلية، خلال السنوات الاخيرة، ان مدينة البصرة التي تقع على مسافة 590 كم جنوب العاصمة بغداد وتعد ثاني اكبر مدن العراق، تعرضت للتلوث باليورانيوم المنضب الذي استخدم خلال حرب الخليج 1990 على العراق ولاحقا خلال غزو العراق عام 2003، وهو ما تسبب في ارتفاع نسبة الاصابات بالأمراض السرطانية، فضلا عن التلوث البيئي واضرار كبيرة بالبيئة الزراعية.

وتشير مصادر شبه رسمية إلى ان ما تعرض له العراق من قذائف تحمل اليورانيوم المنضب خلال حرب الخليج الثانية والاولى قارب 940,000 إطلاقة من عيار 30 ملم و14,000 قذيفة مدفع ودبابة من مختلفة العيارات، وهو ما يقارب الـ 300 طن، فيما تشير مصادر عسكرية أن ما تعرضت له محافظة البصرة من أسلحة تحمل اليورانيوم خلال عام 2003 من قبل القوات البريطانية فقط تقدر بـ 1.9 طن، فيما ترجح تقديرات أخرى ان الرقم أكبر من ذلك بعشرات المرات.

ازدياد حالات السرطان في كربلاء

ودعت رئيسة لجنة حقوق الإنسان في مجلس محافظة كربلاء، وزارة الصحة لبناء مستشفى متخصص بالأمراض السرطانية في المحافظة بعد الارتفاع الملحوظ بالإصابات لاسيما بين العوائل النازحة من المحافظات الأخرى.

وقالت بشرى حسن عاشور إن على وزارة الصحة “بناء مستشفى متخصص بالإمراض السرطانية في كربلاء أو على الأقل مركز متخصص بهذه الأمراض بعد أن تم تسجيل إصابات عديدة بهذا المرض في المدينة”، مشيرة إلى أن هناك “ارتفاعا ملحوظا في عدد الإصابات بموجب سجلات الدوائر الصحية والكثرة من المواطنين الذين يراجعون للحصول على مساعدات مالية أو المطالبة بإجراء عمليات جراحية خارج العراق”.

وأضافت أن الجهات المعنية “لا تمتلك إحصائيات دقيقة عن عدد الإصابات بالمرض”، مستدركة “إلا أن هنالك زيادة بعدد الإصابات لاسيما بعد عام 2007 الذي شهد نزوح آلاف العوائل إلى كربلاء من المحافظات التي كانت تعرف بالساخنة”.

وشهدت كربلاء خلال السنوات الثلاث الماضية نزوح أكثر من 11 ألف عائلة مسجلة رسميا في دوائر المهجرين والمهاجرين إضافة إلى خمسة آلاف عائلة غير مسجلة رسميا لاسيما من محافظات نينوى، ديالى، بغداد وشمال الحلة وبعض مناطق الأنبار.

وأفادت بشرى عاشور أن “أكثر الإصابات هي بين أطفال العوائل النازحة”، شارحة “يبدو أنها تعرضت إلى الذخيرة المشعة التي استعملت من قبل القوات الأمريكية عام 2003″.

وطالبت وزارة الصحة والمنظمات الدولية بضرورة “مساعدة هذه العوائل التي نكبت بإصابة أطفالها وهم في عمر الورود”. ويقع مركز محافظة كربلاء، على مسافة 110 كم إلى الجنوب الغربي من العاصمة بغداد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 24/أيار/2010 - 8/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م