موجة القنوات الناطقة بالعربية والمدبلجة..

تطبيع ثقافي أم خطر داهم؟

صباح جاسم

 

شبكة النبأ: أصبحت القنوات الناطقة بالعربية من أهم سبل التطبيع الثقافي الذي سعت وتسعى إليه دول الشرق والغرب على السواء في الانفتاح نحو العالم العربي، فأمست قناة الحرة-بفرعيها الحرة والحرة عراق- الأمريكيتين، تضخ مختلف المواد الإعلامية الداعية للتحرر والانفتاح والإصلاح السياسي والاقتصادي، ومن ثم حذت هذا الحذو جهات دولية أخرى فافتتحت الصين قناتها الناطقة بالعربية وبعدها فرنسا (فرانس 24) وتلتها روسيا (روسيا اليوم) ومن ثم تركيا.

ورغم أن الأخيرة قد بادرت لفتح قناتها الناطقة العربية متأخرة إلا أنها كانت السباقة لضخ المسلسلات والأفلام المدبلجة التي أصبح لها تأثير كبير خيمَ على شرائح عديدة من المجتمع وخاصة الشباب والأطفال، فأصبحت مجتمعات عربية بأكملها تدمن متابعة المسلسلات الاجتماعية التركية التي تعتمد إثارة الغرائز بطرق لا تمت للإسلام ولا حتى للأخلاق بصلة، تعتمد أبطالاً مجرمين وفاسدين وقتلة، وتصورهم على أنهم شباب طيبون يتمتعون بمشاعر الصدق وقد وقعوا ضحايا لأناس شريرين، فيما تضخ بين هذه المشاهد سموم التحلل الاجتماعي والأخلاقي بمشاهد متطرفة ومطوّلة بأسلوب طرح بطيء جدا يعمل على غرس تلك اللقطات في ذهن المتلقي الكبير فضلا عن الشاب أو الطفل.

وبالفعل بدأت تأثيرات هذه المسلسلات تلقي بظلالها الفعلية على واقعنا، وما حالة الانتحار التي أقدم عليها طفل تونسي في محاولة لتقليد أحد المشاهد في مسلسل تركي يُعرض على القناة السابعة بالتلفزيون التونسي إلا مصداق لحجم الخطر الذي يداهم بيوتنا دون أن ندرك قوته وسطوة تأثيره. ولم يفِد الوالدة المفجوعة قولها إن "ما دفع ابنها إلى الانتحار هو محاولته محاكاة مشهد انتحار أحد أبطال مسلسل تركي كان يعرض على قناة تونس7." في حين أكد أصدقاء الطفل المُنتحر ولعهُ بذلك المسلسل الذي يحمل عنوان "دموع الورد".

وهذا ليس حادثاً يتيماً فقد أقدمَ طفل إماراتي على الانتحار بنفس الطريقة، وقالت الشرطة إنه لفَّ رقبته بحزام اعتادَ استخدامه لحزم كتبه المدرسية وعلّق نفسه في ستارة الغرفة وفارق الحياة على الفور. في حين عزتْ الأم ذلك إلى رغبة طفلها في تقليد مشهد انتحار شخصية "الكرونجي" في نفس المسلسل المذكور...

نحن ندرك أن التزاماتنا تتكاثر، وتتعاظم معها الهموم والتحديات الحياتية، ولكن ما يجب أن لا نتخلى عنه أبدا هو أسلوب تربية الأطفال والحرص عليهم من الثقافات الدخيلة، وهذا يستدعي منا أن لا نجعل من التلفزيون حاضنة للأطفال لمجرد أننا سنتخلص من ضوضائهم ومشاكساتهم، فنكون قد تركناهم بأيدي وحش ثقافي لا يعطف على الصغير ولا يعترف بحدود مع الكبير.

القنوات الإباحية خطر آخر..

وأحدثَ الانفتاح الفضائي خلال السنوات العشر الماضية تحول اجتماعي خطير، فقد تجاوزت القنوات الفضائية في العالم أكثر من 2520 قناة فضائية، حصة العالم العربي منها 485 فضائية.

وفي هذا الصدد قالت دراسة ميدانية حديثة إن 38 في المائة من المراهقين في دول الخليج ممن تتراوح أعمارهم بين 14 حتى 20 عاماً يشاهدون القنوات الإباحية.

وأظهرت الدراسة أن 90 في المائة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من 3 إلى 7 أعوام يجلسون أمام التلفاز من 5 إلى 6 ساعات في اليوم. في إشارة إلى مستوى الإدمان الكبير على مشاهدة البرامج التلفزيونية.

وبينت الدراسة أن 87 في المائة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من 9 إلى 12 سنة يشاهدون القنوات الفضائية العالمية، و63 في المائة ممن تتراوح أعمارهم من 12 إلى 14 سنة يشاهدون القنوات الفضائية بعد نوم آبائهم.

ووُصفت نتائج الدراسة التي هدفت إلى الكشف عن تأثير الفضائيات على الأطفال واستمرت ستة أشهر، بالمخيفة جداً.

وكشفت الدراسة عن أن 87 في المئة من البرامج المقدمة للأطفال في القنوات العربية أجنبيةً، و29 في المئة للشباب والمراهقين، وبخاصة الأفلام الهندية والتركية والمكسيكية والغربية المدبلجة. وأن 63 في المائة ممن تتراوح أعمارهم من 12 سنة إلى 14 سنة، يشاهدون القنوات الفضائية بعد نوم آبائهم، و38 في المائة ممن تتراوح أعمارهم من 14 سنة إلى 20 سنة، يشاهدون القنوات الإباحية.

وفي ما يخص الخدَم وجدت الدراسة أن 41 في المائة منهم يشاهدون التلفزيون عند غياب رب الأسرة وأيضاً ربة المنزل، و62 من هؤلاء الخدَم يشاهدون جميع القنوات مع الأطفال، و71 في المائة من البرامج التي تشاهدها الخادمات هي أفلام رعب وعنف، و30 في المائة يشاهدون أفلاماً إباحية، وهنا تكمن الخطورة وبداية الانحراف الذي لا بد لأرباب العوائل من الانتباه الشديد له والعمل على معالجته دون تراخي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 24/أيار/2010 - 8/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م