آباء يخطبون لبناتهم...

تحقيق: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: تفاجأتُ كثيرا حين أخبرني زميلي "أبو كمال" بحالة لافتة للانتباه حدثتْ للمرة الثالثة في الحي الذي يقطنه في كربلاء خلال مدة قصيرة، فقد ذكر أن جاره الذي يخصه بعلاقة وثيقة أخبره بأنه أقدمَ على اختيار زوج لابنته، وهو مَن بادرَ  لاختيار الشاب المناسب وفق ما رآه من حسن الخلُق والشهامة وعلامات تحمّل المسؤولية..

دفعني فضولي للإلحاح على "أبو كمال" بغية التعرّف عن كثب على الآباء الذين تحدثَ عنهم، وبعد عدّة اتصالات حصلتُ على قصة تزويج "أبو قاسم" الذي هو واحد من هؤلاء الآباء لابنته من شاب هو اختاره فقال،" كنتُ في طريق العودة من محافظة النجف وقد جلس جواري اثنان من الشباب وأخذا يتجاذبان أطراف الحديث الذي شدّني شيئاً فشيئاً للمشاركة معهما فوجدتُ نفسي مع شبّان قد منَّ الله تعالى عليهم بحسن الخلق واللطف والصفات الحميدة..

ويضيف أبو قاسم،" في الحقيقة شعرتُ ان ليس هناك خسارة فيما لو بادرتُ لأخذ رقم تلفون الشاب الذي كان مميزاً بين الاثنين، وفعلاً قمتُ بذلك فأصبح بيننا فيما بعد نوع من العلاقة الاخوية المتينة خاصة وأنني تعرفتُ على عائلته وفعلَ هو نفس الشيء".

ويتابع،" عندما اطمأنتْ نفسي لهذا الشاب تماماً، بادرتُ وسألته إن كان يريد الزواج فإنني على استعداد لتزويجه من ابنتي، فما كان منه إلا أن شكرني على استحياء ومن ثم فاتحَ أهله فرحبوا وتمت القضية بأحسن وجه والحمد لله"..

الحالة الاخرى التي ساهمَ زميلي "ابو كمال" بالتعرف عليها عن كثب حدثتْ عند عائلة قريبه "ابو فاضل" الذي اشترطَ أن يُذكَر باسم ولده الأوسط وليس الاسم المعتاد، فتحدثَ قائلاً بعد إلحاح،" منذ طفولة أبنائي وأنا أوصيهم بضرورة اختيار الأصدقاء الذين يتحلون بالاخلاق الحميدة والصفات الحسنة، وعندما كبروا أصبحتُ أحرص أكثر للتعرّف على أصدقائهم فأبلغتهم إن كان فيهم الشاب المتدّين الذي يرون أنه اهل للثقة والاحترام فليعرفوني به".

ويضيف ابو فاضل،" بادر أحد أبنائي وعرّفني على صديقه الذي ظهر فيما بعد انه من عائلة معروفة في المنطقة وفيه العديد من الخصال الحميدة، مما دفعني للاجتماع به في أحد الأيام وطرح موضوع الزواج عليه وأن يناقش الموضوع مع أهله اولاً، فما كان منهم إلا أن جاءوا شاكرين وممتنّين وتمت القضية بإذن الله على احسن وجه".

التقاليد والأعراف

ويحلل الباحث الاجتماعي عبد الكريم العامري هذه المسألة مشيراً إلى،" انها تقع ضمن تعاليم الإسلام الأصيلة ولا ضير منها على الإطلاق رغم البيئة الاجتماعية التي تحتّم العكس في هذا المجال، حيث نجد أن السواد الأعظم من الناس يختارون زوجات لأبنائهم وليس العكس".

ويؤكد العامري على ان،" هذه الحالة تجسيد للحرص الشديد الذي يبديه بعض الآباء على مستقبل بناتهم، من منطلق خبرتهم الطويلة في الحياة اعتماداً على الفراسة والمعرفة التي اكتسبوها".

ويختم العامري حديثه على أمل،" أن تنتشر ثقافة الاختيار المتأني والمتوازن في حال إقدام الآباء على زواج ابنائهم او بناتهم بعيداً عن التاثيرات المادية او الاجتماعية المتزمتة".

رأي الشريعة الاسلامية

ومن الجانب الديني يرى الشيخ نجاح الحسناوي،" أن تحرّك الأب لاختيار زوجاً لابنته ليس تصرفاً دخيلاً على الإسلام، فقد كانت العديد من الصحابيات والنساء اللاتي عاصرنَ رسول الله صلى الله عليه واله يأتينه ويقُلن له زوِّجنا يارسول الله، أي أنهن يعرضنَ أنفسهنَّ للزواج بحضرة النبي الكريم ليختار لهنَّ الأزواج المؤمنين الصالحين".

ويضيف الحسناوي،" حثّت الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة على هذه المسألة ومنها قول الرسول صلى الله عليه واله "اختاروا لنطفكم فان العرق دساس" وهذا الحديث يحمل على الجانبين أي للولد والبنت". مبيناً" مثلما يجب على الاب اختيار المرأة المناسبة لولده عليه أن يختار الزوج المناسب لابنته".

وختم الحسناوي حديثه متمنياً" أن تنتشر هذه الظاهرة أكثر لأنها تساعد على تأسيس لبنة سليمة في بناء المجتمع الاسلامي". مبيناً" انه عمل يرضى به الله ورسوله والمعصوم عليه السلام".

دور الخبرة بالحياة

ويعلل علي محمد ياسين، استاذ جامعي، مبادرة بعض الآباء باختيار ازواج لبناتهم بأن" الرجال أكثر خبرة بالحياة واقوى فراسة وأدق حكماً على الناس".

ويبيّن علي،" قد يكون اختيار الام والبنت نابع من ميول وتأثيرات عاطفية او صفات جمال او غنى او شهادة وما شابه، في حين ان اختيار الاب يكون في اغلب الاحيان نابع من فراسة رجل كبير تبلورت خبرته في الحياة بمستويات يستطيع من خلالها تحديد صفات الرجال ومدى التزامهم اخلاقيا اكثر من الام او البنت".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 23/أيار/2010 - 7/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م