خصائص الجهد الثقافي لكفاح الشهيد الشيرازي

 

شبكة النبأ: للشهيد السعيد المفكر آية الله السيد حسن الشيرازي (أعلى الله درجاته) دور كفاحي واضح الملامح والسمات في المجال الثقافي، فقد بذل جهدا ثقافيا كبيرا وواضحا من أجل تعضيد الكفاح الاسلامي ضد الانظمة السياسية المنحرفة التي كانت تتجاوز على حقوق المسلمين من دون ردع او تردد.

وقد كان الجهد الثقافي الكبير الذي أسس له الشهيد حسن الشيرازي قائما على التخطيط والتفعيل المنتظم والمتواصل، ولم يكن عشوائيا قط، ولهذا السبب اكتسب أسباب بقائه وتأثيره بقوة في رسم الاحداث الثقافية والسياسية وتوجيهها.

 ونحن عندما نعيش في هذه الايام ذكرى استشهاده في العملية الجبانة الغادرة التي قام بها زمرة فاسقة من البعثيين حيث تمت عملية تصفيته في العاصمة اللبنانية بيروت في مطلع ثمانينيات القرن المنصرم، لا يسعنا سوى أن نستذكر جهده الثقافي الكبير الذي حاول من خلاله توعية عموم الناس ولفت انتباههم الى التجاوزات الكبيرة التي تقوم بها الحكومات الظالمة آنذاك.

وقد ركز الشهيد السعيد حسن الشيرازي على الجانب الثقافي كونه الاسلوب الامثل الذي سيبلور أفكار النخبة ويجعلها قادرة ومؤهلة للتأثير في الشرائح الواسعة الاخرى العمال والكسبة والطلاب والفلاحين وغيرهم، واستند في سعية الدؤوب هذا الى تأسيس المؤسسات الثقافية والدوريات والمجلات والصحف والمنظمات ذات الطابع الثقافي المؤثر في الآخرين.

وقد اتخذ النهج التفعلي المتميز للشهيد السعيد الشيرازي عدة جوانب ثقافية فاعلة وأنماط تربوية متنوعه منها، الجانب السلمي في نشر الوعي التربوي لدى الجميع وتمثل ذلك بالعمل بطريقة النصح والإرشاد، وهو أسلوب سلمي يندرج تحت خانة مبدأي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الإسلاميين.

وقد ترجم السيد الشهيد الشيرازي هذا العمل بقيامه بمقابلة الشخصيات السياسية لينبههم إلى ما يحتاجه العراقيون وخطورة توانيهم في العمل بقوة وصدق وإخلاص من أجل هؤلاء الناس المبتلين منذ زمن طويل بالفقر والاستبداد السلطوي والحروب الدامية وغير ذلك.

وكان الشهيد يطالب من يلتقيهم من المسؤولين بالاهتمام بالعتبات المقدسة، التي عانت من الإهمال لزمن طويل، واحترام رأي المرجعية الدينية.

فيما انتهج اسلوبا آخر يصب في المجال التربوي الثقافي ذاته، وقد تمثل بالعمل على توعية الأمة، وتنبيهها إلى ما يدور حولها من تحركات سياسية تهم مصالحها العامة من خلال الكتابة في الصحف والمجلات العاملة على الساحة والمشاركة مع أخيه المرجع الديني الراحل الإمام السيد محمد الشيرازي (قدس سره) في إصدار المجلات.

وقد تضاعفت جهود الشهيد السيد حسن الشيرازي في المجالات الثقافية كافة بعد أن بانت ملامح التعسف الحكومي الواضح لشرائح المجتمع كافة، حيث بدأ العهد الجمهوري وخضعت البلاد بصورة متعاقبة لحكم قوى سياسية غير إسلامية متصارعة على السلطة، تنوعت أساليب كفاح السيد الشهيد تجاه هذه القوى. حيث اعتمد في العهد الجمهوري الأول على الأساليب التالية:

- إنشاء هيئة الشباب الحسيني، وكانت مكلفة بطباعة وتوزيع المنشورات الدينية الهادفة إلى توعية الأمة ومنع أبنائها من الانحياز لصالح الفئات المعادية للإسلام.

- تأليف الكتب الهادفة إلى الرد على أفكار القوى العلمانية وتمجيد الفكر الإسلامي والدعوة إلى تطبيقه باعتباره منقذ الناس من الضلال والمشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ومن هذه الكتب (الاقتصاد)، الذي بيّن مثالب الأنظمة غير الإسلامية ومشاكلها ثم عرض الفكر الاقتصادي الإسلامي وأوضح قدرته على بناء دولة إسلامية قوية مرفهة أو بعيدة عن كل أشكال القهر – السلطوي والمالي والعنصري والطائفي – والتفاوت الطبقي والانحراف الأخلاقي والأمراض الاجتماعية.

- إقامة مهرجان سنوي كبير بمناسبة ذكرى ولادة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، حيث استغله السيد الشهيد لفضح سياسات القهر السلطوي وكثير من السياسات الأخرى التي حكمت العراق في مجالات التربية والاقتصاد وغيرها.

وقد قرأ السيد الشهيد في هذه المهرجانات قصائد ثورية مناهضة للكثير من مساوئ الواقعين السياسيين المحلي والدولي.

إن هذا الجهد الكبير والمتواصل في مجال التوعية والتنوير الذي تحتاجه الجماهير ما كان له أن يستمر لو لا العمل الفكري والثقافي الدؤوب الذي يستند الى خبرات منظمة قائمة على العمل المخطط له سلفا، وهي طاقة تنظيمية عملية تميز بها السيد حسن الشيرازي (رحمه الله) فكانت غالبا ما تصب في مجال تنمية الوعي الجماهيري ويحيط به من تجاوزات مرفوضة للساسة آنذاك.

ومن الاصدارات الدورية التي أسهم في تأسيسها وادامة انتاجها الشهيد الشيرازي:

مجلة (القرآن يهدي) الشهرية الخاصة بعلوم القرآن وتفسير وبيان أسراره وغير ذلك من معارف. وكانت تصدرها إدارة مدارس حفاظ القرآن الكريم في كربلاء المقدسة.

وأما (مبادئ الإسلام) فكانت مجلة شهرية تصدر باللغة الإنكليزية وترسل بالبريد إلى أنحاء مختلفة من العالم. وأما (ذكريات المعصومين) فكانت مجلة تصدر في مناسبات أعياد ووفيات أهل البيت عليهم الصلاة والسلام. وكان مقرها مدرسة ابن فهد الحلي في كربلاء المقدسة.وأما (أجوبة المسائل الإسلامية) فكانت مجلة شهرية تتولى الإجابة على تساؤلات المواطنين الدينية، وكان السيد الشهيد يجيب على بعض تلك التساؤلات. وكانت (منابع الثقافة الإسلامية) تصدر بصورة دورية كتباً علمية ثقافية إسلامية.

وفي العهد الجمهوري الثاني، الذي ساد فيه بصورة متتابعة أكثر من جماعة سياسية غير إسلامية ناضل السيد الشهيد ضد انحرافات ذلك العهد بأساليب عديدة، مثل:

- محاولة إدامة إقامة المهرجان السنوي بمناسبة ولادة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، وقد اضطر السيد الشهيد إلى مغادرة العراق متوجهاً إلى لبنان على أثر إلقائه كلمة وقصيدة نارية في مهرجان عام 1964م.

- محاولة إدامة نشاط وزيادة عدد المجلات الإسلامية.

- تشكيل وفود عديدة لمقابلة الرئيس العراقي الأسبق عبد السلام عارف ومن ثم أخيه الرئيس عبد الرحمن عارف، من أجل توضيح حاجات الشعب وغيرها من مسائل البلاد الملحة ومساوئ السياسة العامة للدولة. وهذا يمثل أسلوباً سلمياً، لم ينطو على استخدام العنف.

- كتابة موضوعات أدبية دينية للإذاعة العراقية، وقد جمع ما أذيع منها ونشر في كتاب (التوجيه الديني).

وهكذا يبدو لنا واضحا ذلك الجهد الثقافي الخلاق المتواصل للشهيد الشيرازي (أعلى الله درجاته) وهو ما يتطلب منا جميعا أن نستخلص الدروس والعبر المطلوبة في هذا المجال من هذه التجربة الثقافية العملية البالغة الثراء والتوهج.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/أيار/2010 - 4/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م