هناك أناس قد تكن سمعت عنهم ولم تلتق بهم، لكن عشت دوما أمنية
الاجتماع معهم لما وصلك من خصالهم وروحهم الطيبة المباركة، لأن الأرواح
جنود مجندة ما تعارف منها تآلف، حيث ذات يوم التقيت بأحد معارفي من
المؤمنين وتباحثت مع سماحته هذا الحديث، فروى أنه قرأ في أحد المصادر
أن من معانيه: ترتفع الأرواح عند النوم في العلى، وعندها تلتقي مع
بعضها وتتعارف في عالم الملكوت، ولما يرجع الروح لعالم الملك، يحصل أن
الإنسان يلتقي بأشخاص لا يعرفهم أبدا لكنه يرتاح لهم...
هذا المعنى مفعم بالصفاء الروحي وما للبعد المعنوي من تأثير في حياة
الإنسان ومستقبله بحسب قيمتي التعارف والتناكر التي تصبغ علاقات روحه
مع عالم المعنى والمبنى في وجوده...إنطلاقا من هذا المعنى، هناك شخص
جميل جليل نقي تقي عالم عامل، عرفته بروحي وشاء الباري عز وجل أن لا
نجتمع، ببضع شهور من رحيله عن دنيا الناس، والله يفعل ما يريد، إنه
العلامة آية الله الجليل المقدس الشيرازي (رض)، كنا نلتقي يوميا من
خلال دروسه ومحاضراته عبر الأنوار والنت، كانت روحي تنتقل عبر الآفاق
لتستلهم من عبق جنان العلم الإسلامي(العقائد، الأصول،الفقه، السير،
الاقتصاد، السلوك) فالتوحيد في حديث المقدس الشيرازي لا يتوقف عند
البعد العقائدي البحت بل ينزل بنا لآفاق الحياة وهكذا مباحث العقيدة
الإسلامية الأخرى ومسائل التاريخ والعرفان وعلم الكلام.
أما عن الأخلاق فحسبي كلمة صديق لي من العامة يوم تابع معي محاضرة
للعلامة السيد محمد رضا الشيرازي (رض) حول تفسير سورة آل عمران، قال لي
مبتهجا بمنهج الإمام المقدس (رض): "إن هذا العالم الجليل، يكفي نقي
السريرة أن يحبه بمجرد أن ينظر لبهاء وجهه دون أن يسمع أحاديثه، إنه
ببساطة إنسان رباني بإمتياز".
ولا يمكننا أن نقول على قوة شخصية المقدس الشيرازي أنها كاريزما كما
هو متعارف في لغة العصر، ولكن بلغة القرآن إن آية الله السيد محمد رضا
الشيرازي (رض) أمة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، أمة بسيرته وعلمه
والتجديد الرسالي في الحركة الإسلامية الذي أحدثته في فترة وجيزة، لقد
كان أمة ً رفعت معدل الوعي الإسلامي بالمسؤولية الإسلامية الأصيلة من
خلال الإعلام والمواقف والرزانة والحكمة والبسمة في تأسيس المجتمع
الإسلامي الجديد المناسب لاستيعاب التحديات الشركية والتكفيرية
والافسادية على مستوى الفكر والنفس والعلاقات والمستقبل.
فالإمام المقدس (رض) عندما يتحدث عن الإمام المهدي(عج) يفيق فينا
الفطرة ويستنهض القوى الإيمانية حتى نستوعب شخص الإمام المنتظر خاتم
الأوصياء (عج) بحضور قلبي وإسلامي، دون الاستغراق في المادية التي تربك
القلوب وتنشر الشكوك، لقد كان فريدا في أسلوبه التعليمي والإرشادي وفي
منطقه الجدالي المهذب، لقد شكل لنا صورة للشخصية الإسلامية المنطلقة من
روح القرآن لعالم الإمكان لتقوّمه بما يؤسس لدولة العدل والقسط...
بصراحة: هذه السطور لا تفي لذكر آفاق المقدس الشيرازي، لقد سمعت من
العديد ممن كانوا قريبين منه، لكنني عرفته روحيا وفكريا وتطلعا لغد
إسلامي مشرق،ومهما شرحت لكم فيبقى الحال كما يقال: ليس كل ما يوصف
يدرك، فالمقدس الشيرازي كان طاهرا نقيا، نسبا وشخصيةً وعلما وإسلاما
وحركةً، فلابد لمن يطمح لمعرفته -رضوان الله عليه- أن يستحضر سيرته
بتواضع وتمعن، لأن هناك أضواء عديدة في حياته قدس سره، تبعث نورا
رساليا للشباب المسلم من كل المذاهب الإسلامية، لأن الإمام المقدس
اقتبس من كل إمام من أئمة الهدى (ع) فاختصر الولاء بأن نحب حب الإسلام
الأصيل، فأحبه الموالون والعامة والإنسان ككل، لأن المقدس كان شديد
الاقتداء بالنبي محمد (ص) وحريص على بلوغ منتهى رضا الله.
فالسلام عليه يوم ولد ويوم توفي ويوم يبعث حيا، ولا جعله الله آخر
العهد مني إليك أستاذي وأخي وحبيبي، بالمختصر لقد ترجم رحمة الله عليه
حقيقة دور المسلم الرسالي في الحياة، لذلك علينا أن لا نحتكر الإمام
المقدس في الدائرة المذهبية أو الشيرازية لأنه إنسان كامل خالد بإيمانه
وتضحياته وعلمه فليكن للإنسانية ككل، لأن خير الله للجميع وأولياء الله
خير فليبقوا للعالمين...والله من وراء القصد.
* كاتب وباحث إسلامي
islamo04@hotmail.com |